الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

إدريس الأندلسي: رئيس حكومة وانتظارات المغاربة.. تضخم وشغل واستثمار؟

إدريس الأندلسي: رئيس حكومة وانتظارات المغاربة.. تضخم وشغل واستثمار؟ إدريس الأندلسي
بعد جفوة طالت بين رئيس الحكومة ومجلس النواب تفضل عزيز أخنوش بقبول جلسة حول السياسات العمومية مع التركيز على الإستثمار الخاص. قبل شهور وافق البرلمان على القانون الإطار الخاص بالاستثمار بالإجماع. وبزغ أول نص تنظيمي يوم 26 يناير 2023 لكي يبدأ توزيع الشيكات على المستثمرين بأثر رجعي يغطي سنة 2022. الوزير الجازولي كان واضحا واعتبر أن الاستثمار الخاص يحتاج إلى المنح وأشياء أخرى. وأعرب قبل شهور عن ضرورة خروج المرسوم الأول قبل نهاية السنة. لكن بعض التأخير البسيط أخر عمليات توزيع الشيكات التي ستصل إلى 30% من حجم الإستثمار. 

قبل التوسع في تحليل الموضوع وجب التذكير بقضيتين أساسيين هما التضخم وخلق مناصب الشغل. رئيس الحكومة أفاض في منجزات الحكومة في إبداع آليات للتشغيل وفي الجهود المالية التي بذلت للحد من آثار ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية على الطبقتين الفقيرة والوسطى. والحقيقة هي أن أكبر مستفيد من صندوق  المقاصة هي طبقات الأغنياء جدا التي تستفيد من دعم الغاز والسكر بالإضافة إلى النفقات الجبائية والدعم المباشر في قطاعي الزراعة والصناعة.

حين نتكلم عن التضخم وارتفاع الأسعار ومقارنتها بأرقام المندوبية السامية للتخطيط فإننا نحاول إغراق سمكة في الماء. معدل التضخم له منهجية متعارف عليها دوليا. تؤخذ كل المواد والخدمات من ملبس وغذاء و سكن ونقل ودواء  وغيرها وتقسم إلى مجموعات ثم تتم عمليات توزيع مناطق البحث حسب مقاييس جغرافية واجتماعية. ويتم تجميع كافة المعطيات للوصول إلى معدل وطني مع بعض الوسائل الحسابية للترجيح. هذا من ناحية المنهج. أما في الواقع فنسبة التضخم التي لها علاقة بالقدرة الشرائية للمواطن ليست هي تلك النسبة المئوية التي قيل أنها تجاوزت بقليل 6%. هل يعلم رئيس الحكومة أن مقياس الحقيقة هي قفة المواطن وتراجع حجم المواد التي بداخلها. هذه القفة أصبحت أقل وزنا أمام ارتفاع صاروخي للأسعار. لحوم تجاوز سعرها 130 درهم وخضر تطير في الهواء بعيدة عن جيب المواطن وخصوصا تلك الطماطم التي اقترب سعرها من سعر الكازوال. قفة المواطن هي أيضا مصاريف الاستشفاء التي لا علاقة لها بالأسعار الرسمية. التضخم الحقيقي هو سعر كيس إسمنت في أعالي الجبال وسعر دواء وسعر غاز تدفئة في المناطق الصعبة. يكتوي سكان بتضخم استثنائي يزيد من هشاشة وضعهم  ولذلك أصبح لزاما التعامل بكثير من الإبداع و الذكاء والتضامن مع سكان الجبال والجهات الصعبة. أن يختار طبيب أو صيدلي أن يقدم خدماته لسكان الحوز أو مرتفعات شيشاوة والريف مثلا، فهذا يمكن اعتباره اختيارا يوجب معاملة تفضيلية تشكل "منحة المساهمة في تقليص الفوارق المجالية". التضخم ليس مجرد تجميع أسعار مئات السلع والخدمات واستخراج معدلات على الصعيد الوطني، بل النظر بكثير من الوعي والمسؤولية لفعل ارتفاع الأسعار على مستوى عيش المواطن.

أتعجب كيف لا زال رئيس الحكومة يعتبر برنامجي أوراش وفرصة إنجازات في مجال التشغيل. الأمر يحتاج إلى تقييم واقعي ودراسة مدى ديمومة التشغيل في إطار آليات مؤقتة. أظن بكثير من اليقين أن الرجوع إلى نظام الخدمة العسكرية في إطار منظور ومنهج وطني متجدد  ومركز على القيم الوطنية  والإلتزام والتكوين المهني الجيد يجب أن يكون نبراسا في هذا المجال. 

وبالرجوع إلى موضوع الإستثمار يجب أن نقدر بكثير من الإيجابية الأهداف والمحاور الأساسية للقانون الإطار. الكل أصبح مقتنعا أن العلاقة بين الإستثمار العمومي والاستثمار الخاص لا تخضع لمنطق خلق القيمة المضافة المطلوبة.  وبالرجوع إلى تاريخنا الإقتصادي غير البعيد يتبين أن طبقة المقاولين نشأت في أغلبها في حضن الدولة. من المغربة إلى الخوصصة مرورا بكرم قوانين الإستثمار منذ أكثر من حوالي خمسين سنة، تكون جيل من المقاولين أتى كثير منهم من الإدارات العمومية وازدادت الطبيعة العائلية لامتلاك رأسمال المقاولات. فما بين منح و تسهيلات عقارية بالملايير تعود الكثير المقاولين على صدر حلوب.

وتطور مع هذا الوضع تهرب ضريبي ومزيد من الطلب على تحفيزات إضافية. انشأت مناطق صناعية وتم الإستثمار في كثير من المناطق السقوية ومع مرور الوقت تحولت هذه المناطق إلى مجال للتعميير وتجارة العقار. ويكفي ذكر حوالي  300 هكتار من الأراضي السقوية إنتقلت إلى مجالات حضرية. أما المناطق الصناعية التي استفاد منها بعض المقاولين فتحتاج إلى دراسة تبين كيف تحولت إلى أنشطة أخرى لا علاقة لها بالصناعة. وكانت النتيجة ضعف كبير لحجم الإستثمار الخاص في البنية العامة لهذا القطاع  وغياب تأثير على نسبة نمو الناتج الداخلي الإجمالي. وهذا يعني أن استثمار عمومي يزيد معدله السنوي على 200 مليار درهم  واستثمار خاص بحوالي 100 مليار درهم لم يتم تنفيذهما بمنطق دعم الإنتاج ذي المردودية الإقتصادية والإجتماعية التي تنعكس على معدل النمو وسوق الشغل.

تكلم السيد رئيس الحكومة على أهمية القانون الإطار والمرسوم التطبيقي الأول المتعلق بالمنح عن دعم المنطقة بمنحة تصل إلى 15% من حجم الإستثمار  مقابل 10% للمنطقة ألف. هل فرق 5% سيكون كافيا لاتخاذ القرار بالاستثمار في المناطق الصعبة أو المعزولة أو المهمشة. لا أظن مستثمرا قد يأخذ قراره على  هامش كهذا.

القانون الإطار  والمراسيم المنتظرة يجب أن تدقق في الآليات وضمانات الإنجاز السليم للمشاريع الإستثمارية و خصوصا تلك التي تمر عبر اتفاقيات الإستثمار. هناك رهان على خلق مناصب شغل وقيم مضافة مقابل منح وتسهيلات ضريبية وجمركية  و عقارية.  المطلوب حماية المال العام ضد كل إخلال بالالتزامات. ويجب تحصين المصالح الوطنية ضد المستثمر الأجنبي الذي يخل بالتزاماته. لدينا ملفات أمام المركز الدولي لحل النزاعات قد تكلفنا ملايير الدراهم. ولعل ملف لاسامير خير محفز لتقوية إمكانيات تحصين وضعنا القانوني أمام هذا المركز. الكل يعرف أن التأخير الذي يعرفه مسلسل حل ملف لاسامير مرتبط بثقل ملف التحكيم. حتى إمكانيات زيادة المخزون الاستراتيجي من المحروقات لازال مرتبطا برفع الطاقة التخزينية عبر استثمارات جديدة وليس عبر استغلال ما تتوفر عليه لاسامير.  الأمر الإستثماري يحتاج كذلك إلى إصلاح كمي ونوعي لمنظومة القضاء المختص وإبداع حقيقي في آليات التحكيم والحد من تشتت الأنظمة العقارية التي تعرقل الإستثمار والتقدم درجات في مجال محاربة الرشوة و الفساد. وهذا مجرد غيظ من فيض في إطار ملاحظات أولية.