الجمعة 19 إبريل 2024
سياسة

أحداف:مشروع قانون العقوبات البديلة.. الحكومة بصدد إرساء عدالة الأغنياء مقابل عدالة الفقراء

أحداف:مشروع قانون العقوبات البديلة.. الحكومة بصدد إرساء عدالة الأغنياء مقابل عدالة الفقراء د/محمد أحداف

يرفض د. محمد أحداف؛ أستاذ العلوم الجنائية بجامعة مولاي إسماعيل الغرامة اليومية التي تضمنها مشروع قانون العقوبات البديلة التي طرحها الوزير وهبي؛ مشيرا بأن خطورتها تكمن في تكريس عدالة غير مبنية على مبدأ المساواة بين المواطنين؛ علما أن عقوبتها تتراوح ما بين 100 الى 2000 درهم لليوم الواحد.

وأشار أحداف أن طرح المشروع المذكور يعني أننا بصدد إرساء عدالة الأغنياء في مقابل عدالة الفقراء، فمن هو قادر على أداء الغرامات سيدفع ومن ليست له قدرة سيقضي عقوبته في الحبس، مؤكدا بأن الغرامة اليومية كانت اختيارا خاطئا في مشروع العقوبات البديلة وتندرج في خانة عدالة الأغنياء مقابل عدالة الفقراء الذين سيكون مصيرهم السجن.

 

عاد النقاش بشأن العقوبات البديلة بعد طرح الوزير وهبي مقترح قانون بهذا الخصوص والذي يتضمن شراء السجناء أياما من الحبس مقابل المال، فما هو السياق الذي فرض طرح هذه المبادرة الحكومية علما أن هذا النقاش كان مغيبا لدى الطبقة السياسية ولدى المسؤولين القضائيين؟

صحيح..النقاش بهذا الخصوص كان منحصرا في الدوائر الأكاديمية الضيقة كماهو عليه الحال دائما في المغرب، كدليل على عدم انفتاح الدولة ومؤسساتها على جوانب البحث العلمي والإنتاج العلمي والمعرفي في الجامعات المغربية..في هذا الإطار نلاحظ أن وتيرة الجريمة في العالم آخذة في الارتفاع منذ ستينيات القرن الماضي، وقد ارتفعت بمعدلات مرعبة في جميع دول العالم، من الأمريكيتين وكندا وأوروبا وآسيا وإفريقيا أيضا، وهذه المعضلة تهم المغرب الذي شهد مضاعفة معدلات ارتفاع ارتكاب الجريمة وهو الأمر الذي أدى الى ارتفاع معدلات الساكنة السجنية، وكما ورد في إحدى تقارير الأمم المتحدة والتي تعود الى عام 2010، فقد ارتفعت بنسبة 70 في المائة في أمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية، أي الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وإفريقيا، الأمر الذي أصبح يندر بعواقب قانونية وانسانية غير مسبوقة، لأن الضغط الممارس على النظام العقابي بمفهومه العام والمؤسسات السجنية على وجه الخصوص ترتب عنه بشكل مباشر فشل برامج إعادة التأهيل وإعادة الإدماج وبالتالي ارتفاع ظاهرة العود الى ارتكاب الجريمة، وفي هذا السياق برزت إحدى الأفكار الأساسية لمواجهة هذا المد العقوبات البديلة وقد انطلقت بداية في أمريكا منذ ثمانينيات القرن الماضي ثم هبت رياحها على باقي دول العالم ووصل نقاشها الى المغرب بشكل متأخر قياسا مع ما كان يروج من نقاش داخل كليات الحقوق بالمغرب ولا سيما من طرف المتخصصين في العلوم الجنائية، وقد أتت العقوبات البديلة كجواب لفشل النظام العقابي بمفهومه الكلاسيكي الذي يركز بطريقة غريبة وخطيرة ومرعبة على العقوبات السالبة للحرية بسبب عدم تطور الفكر العقابي بالشكل الذي يتيح له مواكبة نمو معدلات الجريمة المخيف في العالم بطريقة يمكن معها الانتقال من نظام عقابي كلاسيكي مبني بالأساس على العقوبات السالبة للحرية الى نظام عقابي يقدم أجوبة قانونية وعلمية لمشكلة الجنوح ومشكلة الانحراف ولمشكلة الاكتظاظ داخل السجون وهذا هو مربط الفرس.

في هذا الاطار تطرح جملة من المخاوف من طرف عدد من المراقبين بشأن تداعيات العقوبات البديلة على مبدأ المساواة أمام القانون، فكل من يملك المال سيكون بإمكانه الإفلات من العقاب من خلال شراء أيام حبسه، وبالتالي قصر العقوبات على الطبقة المتوسطة والفقيرة من المجتمع، ما رأيك ؟

سأجيبك عن هذا السؤال، لكن دعني أولا أشير الى أن العقوبات البديلة لا تقدم في المغرب كبدائل للعقوبات السالبة للحرية لأنها فشلت في إعادة تقويم وإعادة التربية والإدماج والإصلاح، العقوبات البديلة تقدم على أساس أنها الحل السحري لظاهرة الاكتظاظ بالسجون، بمعنى أننا لا نناقش العقوبات البديلة في إطار العدالة الإصلاحية ولكن تقدم على أساس أننا لدينا وضع ينذر بالانفجار في السجون وبالتالي يجب التخفيف من حدة الاكتظاظ، فاذا هناك فرق بين مناقشة العقوبات البديلة كآلية انسانية قضائية، علمية، تقدم من أجل مقاربة لوضعيات انسانية خاصة سقط أصحابها في الانحراف ويمكن إعادة استرجاعهم وإدماجهم في المجتمع، وهذه مقاربة من نوع خاص، وهناك مقاربة ثانية تقدم العقوبات البديلة على أساس أنها الحل السحري لمعضلة الاكتظاظ في السجون دون الاكتراث بما اذا كانت هذه العقوبات البديلة تضمن لك حدا معينا من التقويم والإصلاح والإدماج، وهنا يقع الاختلاف بيننا كأكاديميين وبين وزارة العدل بشأن المشروع المقدم. أنا متأكد أن العقل الواقف وراء مشروع العقوبات البديلة بالمغرب لا يفكر فيها على أساس أنها آلية للإصلاح والتقويم وإعادة الإدماج، بل يفكر فيها على أساس أنها آلية لمحاربة الاكتظاظ داخل السجون ويتم تقديم معطيات معينة لاسيما ما يتعلق بكلفة تدبير الساكنة السجنية والتي تتجاوز تقريبا 100 مليون دولار سنويا ببلادنا، وكلفة الجريمة التي تتجاوز 1.5 من مجموع الناتج الداخلي الخام لبلادنا وهو رقم جد مرتفع، ودعني أوضح لك أن وزارة العدل ترى أن وصول الساكنة السجنية الى 100 ألف نزيل هو رقم خطير للغاية بكل المقاييس العلمية، حيث انتقلنا من 65 ألف نزيل عام 2011 الى 100 ألف نزيل، وهو ما يتجاوز الطاقة الاستيعابية للسجون بالمغرب، وهذا يجعل الضغط أكبر سواء فيما يتعلق بعدد الأعوان داخل المؤسسات السجنية، حيث تجاوزنا المعدل الدولي بكثير، الأمر الذي يؤكد علميا استحالة نجاح أي برنامج يتعلق بإعادة التقويم وإعادة الادماج، ولاحظ معي أننا انتقلنا من نزيلين لكل 1000 مواطن أي 200 نزيل لكل 100 ألف تبعا لإحصائيات وزارة العدل وهو أمر غير طبيعي بالمقارنة مع دول الجوار، فبالجزائر هناك 110 لكل 100 ألف، ليبيا 173 لكل 100 ألف، وبالدول التي تضاعف كثافة سكانها ثلاث مرات نجد معدلات للساكنة السجنية أقل من المعدل المسجل في المغرب الذي يتوفر على كثافة سكانية أقل، مثلا اندونيسيا 38 لكل 100 ألف، باكستان التي تضم 500 مليون نسمة نجد فيها 59 نزيل لكل 100 ألف، تركيا 96 نزيل لكل 100 ألف مواطن، ألمانيا 100 نزيل لكل 100 ألف، ايطاليا 169 نزيل لكل 100 ألف، المكسيك والبرازيل المعروفين بمعدلات اجرام خطيرة جدا لا يتعدى فيهما المعدل 169 نزيل لكل 100 ألف، وهذه المعطيات تؤكد أن الوضع بالمغرب غير طبيعي بالمطلق.

انسجاما مع الرؤية التي طرحت هناك من يشير الى وجود خلل على مستوى المنظومة العقابية؟

أكيد..فقد وجهت رئاسة النيابة العامة عشرات المناشير والدوريات لوكلاء الملك والوكلاء العامون من اجل حثهم على إعمال بدائل للاعتقال الاحتياطي وعدم متابعة المشتبه فيهم في حالة اعتقال احتياطي، ومع ذلك سوف نجد أن أكثر من 55 ألف نزيل من بين 100 ألف نزيل يخضعون لمسطرة الاعتقال الاحتياطي الأمر الذي ينذر بانفجار غير مسبوق بالمؤسسات السجنية، وهم متابعون إما من طرف النيابة العامة أو من. طرف قضاة التحقيق أو قضاة الأحكام، وهذا يحيل الى فشل بدائل الاعتقال الاحتياطي كالمراقبة القضائية المقررة في المادة 160 – 161 من المسطرة الجنائية وفشل ذريع وخطير جدا لآلية الصلح الجنائي التي روج لها على أساس أنها هي العصا السحرية في المادة 41 من المسطرة الجنائية والتي أدخلت عام 2002، واليوم بعد عشرين سنة من هذا التعديل تبدو الحصيلة مأساوية ومخزية لأن هناك محاكم لا تطبق الصلح الجنائي، وهذا كله كان من المفروض أن يقود الى طرح تساؤلات وافتحاص والبحث عن جوانب الخلل بهذا الخصوص، علما أن المؤسسات السجنية تجاوزت الطاقة الاستيعابية المقررة لها، فعدد الأمتار المخصصة للنزلاء لا تتعدى 2 أمتار مربعة وفق تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في حين أن معايير الأمم المتحدة تتحدث عن 9 الى 10 أمتار مربعة لكل نزيل، ومع هذا الارتفاع المأساوي من المستحيل أن نصل الى هذه المعايير الدولية، وأعتقد أن الوضع يفرض فتح نقاش علمي للبحث عن أسباب فشل النظام العقابي المغربي في تقديم أجوبة انسانية معقولة لظاهرة الانحراف. هذا الوضع زين للبعض وهم أن العصا السحرية تكمن في العقوبات البديلة وأنه ومن أجل انتقاص الهواء من عجلة المؤسسة السجنية يكفي أن نمرر مشروع قانون العقوبات البديلة..

وكيف تنظر الى الغرامة المالية التي يطرحها المشروع، علما أن هناك مخاوف من تكرار سيناريو " باه لاباس عليه قراه في كندا " وبالتالي إفلات الأغنياء من العقاب لأنهم دفعوا الأموال مقابل سجن الفقراء ؟

كمتخصص في العلوم الجنائية أقول لك إنني لا أنتظر أن تعطي العقوبات البديلة أكثر مما منحه النظام العقابي المقرر منذ ستينيات القرن الماضي، معنى هذا أنني لست متفائلا بالقدر الذي يمكنني فيه أن أترافع عن العقوبات البديلة على أساس أنها حل سحري لمشكلة الجنوح والانحراف، وظاهرة الاكتظاظ في السجون لاعتبارات عديدة، دعني أركز على واحدة منها..هل عقلية المواطن المغربي متشبعة بثقافة التسامح وثقافة الاعتذار وثقافة الصفح بشكل يضمن نجاح العقوبات البديلة ؟ فهذه العقوبات مبنية بالأساس على قابلية الضحية لتقبل هذه العقوبات، لا أعتقد أن المواطن المغربي حينما يكون في وضع الضحية سوف يقبل أن جاره الذي اعتدى عليه أو أن الشخص الذي عرضه لتعنيف وصل الى قدر من الصفح والتسامح الذي يمكنه من رؤية غريمه بعد الاعتداء عليه يتجول حرا طليقا بعلة أنه يتمتع بعقوبة بديلة، وأعتقد أنه كان ينبغي الاشتغال أولا على عقلية المواطن لكي يتقبل أن يرى غريمه حرا طليقا بعد أن اعتدى عليه. المشكل لدى المواطن المغربي أنه يرى أن أفضل عقاب لغريمه هو الزج به في السجن، وهذا المشكل عام يشمل المثقف والطبقة المتوسطة والطبقات الشعبية..

أشرت الى نقطة في غاية الأهمية والتي تتعلق بعدم إشراك السوسيولوجيين وعلماء الاجتماع في النقاشات العمومية بهذا الخصوص، وهذا يحيلنا الى مخاوف البعض من تكرار مقولة " باه لباس عليه..شرا ليه الحبس "، فكيف تنظر للأمر من زاويتك ؟

أؤكد مرة أخرى أن المواطن المغربي لن يقبل إطلاق سراح شخص غني بعلة أنه يقضي عقوبة بديلة، وأعتقد أن تطبيقها يمكن أن يقود الى أعمال انتقامية وعدوانية، حيث ستفهم من جهة الضحايا على أنها تساهل وتنازل من الدولة في معاقبة المجرمين، وأنه لا خلاص سوى أن يقتص لنفسه، من جهة ثانية المرشحون للعقوبات البديلة هم الذين يرتكبون الجنح البسيطة المعاقب عليها بسنتين حبسا أو ما يعرف بالجنح الضبطية، وهؤلاء ينتمون في معظمهم الى الطبقات الهشة اجتماعيا واقتصاديا، كما أن مستوياتهم العلمية متدنية للغاية، وسوف يفهمون العقوبات البديلة على أساس أنها تراخي من الدولة وأنها تشجع على مزيد من الانحراف لأنهم لن يتعرضوا لأي قصاص أو عقوبة ( جهدهوم يخرج يشطب أو يقطع الكازو..) وسوف يعود الى ارتكاب الجرائم مرة أخرى..هذه العقلية لم تنجز عليها دراسات سيوسيولوجية ولم تقارب بطريقة علمية لقياس ردود أفعالها إزاء العقوبات البديلة..وأعتقد أن خطورة الغرامة اليومية تكمن في تكريس عدالة غير مبنية على مبدأ المساواة بين المواطنينن فعقوبتها ما بين 100 الى 2000 درهم لليوم الواحد، صحيح أن للقاضي السلطة التقديرية فيما يتعلق بتقدير المبلغ ولكن علينا الإقرار بأننا بصدد إرساء عدالة الأغنياء في مقابل عدالة الفقراء، فمن هو قادر على أداء الغرامات سيدفع ومن ليست له قدرة سيقضي عقوبته في الحبس، وأعتقد أن الغرامة اليومية كانت اختيارا خاطئا في مشروع العقوبات البديلة، حيث ستزيد من تكريس الفوارق بين من لهم إمكانيات مادية ومن ليست لهم إمكانيات مادية، وبالتالي فالغرامة اليومية تندرج في خانة عدالة الأغنياء مقابل عدالة الفقراء الذين سيكون مصيرهم السجن، وبدل الغرامة اليومية كان يمكن إقرار تداريب على المواطنة كعقوبة بديلة أو الخضوع للعلاج الذي وردت بعض مقتضياته في قانون العنف ضد المرأة، المنع من ارتياد بعض الأمكنة، المنع من الاقتراب من الضحايا وبعض الأشخاص، المنع من مزاولة بعض المهن والأنشطة..وهذه كلها بدائل كان يمكن أن تكون أفضل من الغرامة اليومية.