الثلاثاء 23 إبريل 2024
فن وثقافة

"دينامية الإصلاح وسؤال الحكامة".. مجلة "مسالك" تخصص ملفا حول المالية العمومية بالمغرب

"دينامية الإصلاح وسؤال الحكامة".. مجلة "مسالك" تخصص ملفا حول المالية العمومية بالمغرب الدكتور رضوان زهرو  أستاذ الاقتصاد جامعة الحسن الثاني بالدارالبيضاء مدير المجلة
خصصت ملف العدد المزدوج 61/62 لمجلة " مسالك " ل (مالية الدولة ومرتكزات الإصلاح).  وفي هذا الأطار كتب الدكتور رضوان زهرو  أستاذ الاقتصاد جامعة الحسن الثاني بالدارالبيضاء، مدير المجلة الإفتتاحية التالية: 
 
" لا شك في أن تطوير أساليب ومناهج التدبير المالي بالمغرب مرت من مرحلة انتقالية من أجل الملاءمة والمطابقة للقواعد والمعايير المعمول بها دوليا، الهادفة إلى تطوير فعالية ونجاعة النفقات والإيرادات العمومية وجعلها قابلة للتقييم؛ وخلف هذه المقاربة، تكمن ثقافة تم تطويرها تدريجيا من طرف الدول الأنجلوساكسونية والمنظمات المالية الدولية، ثقافة تهدف إلى تطوير إحساس المدبرين بالمسؤولية، وذلك بإلزامهم بتقديم الحساب والخضوع للتقييم. وفي هذا الصدد، جاء القانون التنظيمي رقم 130.13، بهدف تحقيق العديد من الأهداف الاستراتيجية، وجلب العديد من المستجدات المتعلقة بالحمامة الجيدة وتحديث الميزانية. وعلى هذا الأساس، يمكن اعتبار القانون التنظيمي رقم 130.13 مدخلا أساسيا لإصلاح منظومة تدبير المالية العامة وتحديثها، وذلك من خلال النص على مجموعة من القواعد والمبادئ التي تهم المالية العامة.
 
ومن أجل مواكبة التطورات التي يعرفها النظام المالي العالمي، وتجاوز الإكراهات والاختلالات التي عرفها تدبير المالية العمومية، خصوصا أن المنهجية التقليدية المعتمدة أصبحت غير قادرة على مواكبة التحولات العميقة والمتسارعة، عمل المشرع المغربي على إدخال مجموعة من التغييرات الجوهرية، بتبني مقاربة شمولية لإصلاح الميزانية العامة، وربطها بمرتكزات تنبني على تطوير البنيات الإدارية والقضائية، بغية تحقيق تدبير جيد للمالية العمومية.
 
وقد جاءت هذه المرتكزات في دستور 2011 استجابة للسياق الدولي في مجال تطوير النظام المالي، حيث قام بإرساء قواعد مالية جديدة، كخطوة جديدة في مسار تعزيز تدبير المالية العمومية؛ وقد جاء هذا الإصلاح نتيجة لسلسلة من الإصلاحات التي تبناها المغرب؛ بداية من أول رسالة توجيهية من الوزير الأول سنة 2001 الذي أوصى بمجموعة من التدابير، منها اعتماد مقاربة جديدة لتدبير ميزانية ترتكز على النتائج، مرورا بالقانون التنظيمي للمالية لسنة 1998، والذي كرس التدبير الميزانيات القائم على الوسائل، والذي لا يسلط الضوء على النتائج والكلفة الفعلية لتنفيذ السياسات العمومية؛ كما تبنى بعض مبادئ المالية العمومية، كالسنوية، الشمولية، الوحدة، ثم التخصص الميزانيات ؛ إلى أن جاء القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13، تم من خلاله اعتماد عدة مقاربات وتدابير جديدة، تروم الإصلاح والتقييم والرقابة، ثم ترشيد النفقات؛ كما كرست أحكامه محاور الإصلاحات التي تمت مباشرتها منذ سنة 2001؛ كما بلورت أحكامه قواعد تدبيرية تحد من النقائص التي كانت تعتري القانون التنظيمي للمالية السابق.   
 
كما فرض فيروس كورونا المستجد على دول العالم، إتخاذ إجراءات لمواجهة الخطر الداهم المهدد لحياة وصحة الإنسان، واضطرت أعتى الديمقراطيات إلى اتخاذ إجراءات تقيد الحقوق والحريات بعد أن أعلنت حالة الطوارئ الصحية؛ إلا أن أزمة كورونا ليست أزمة صحية فقط، بل إن آثارها أدت إلى أزمات أخرى اقتصادية واجتماعية وصناعة...
 
الجدير بالملاحظة أن الإقتصاد الوطني كبقية اقتصادات العالم، يواجه هذه الأزمة غير المسبوقة بسبب تداعيات انتشار الفيروس؛ ما أدى إلى إعادة النظر في الميزانية العامة للدولة كمحور تنتظم في إطاره وتسير وفق مقتضياته مختلف أنشطة المؤسسات والمرافق الحكومية.
 
وتعتبر الميزانية الركيزة الأساسية للدولة والعمود الفقري في بنائها وتكوينها، وتلعب دورا كبيرا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، بحيث إنها الإطار الذي تنعكس فيه اختيارات الدولة لأهدافها وأداتها إلى تحقيقها؛ وهي المرآة العاكسة لحالة الاقتصاد وللحالة السياسية في أي دولة في العالم؛ ويكفي للتدليل في هذا الصدد، الوقوف على الدور الذي تلعبه كل من الإيرادات العامةوالنفقات العامة، باعتبارهما أهم عناصر المالية العامة، في الكشف عن الظروف الاقتصادية والسياسية لدولة معينة.
 
لذلك، يعاني تدبير المالية العمومية أو مالية الدولة بالتوظيف العلمي الأكاديمي للمصطلح، من عدة مشاكل، سواء على مستوى تدبيرها العام من خلال وثيقة الميزانية أو الموازنة العامة، أو من خلال تدبيرها القطاعي؛ أي أدواتها المالية التقليدية (الإيرادات العامة والنفقات العامة) أو من خلال تدبيرها الاقتصادي عبر ما يعرف بالسياسة المالية؛ الأمر الذي يستدعي منا التطرق لهذا الموضوع من جوانب متعددة ومن مداخل مختلفة، نظرا لما تواجه المالية العمومية اليوم بالمغرب، من تحديات، خصوصا ما يتعلق بالتغيرات الاقتصادية التي خلفها وباء فيروس كورونا، وأيضا ما تواجهه السنة الفلاحية ببلادنا من موسم جاف لم تشهد مثله البلاد منذ ثمانينيات القرن الماضي."