السبت 20 إبريل 2024
فن وثقافة

"كَانْ يَا مَكَانْ" ينبش في ذاكرة مدنية اليوسفية العمالية من "كَشْكَاطْ" إلى "لْوِيسْ جُونْتِي" (مع فيديو)

"كَانْ يَا مَكَانْ" ينبش في ذاكرة مدنية اليوسفية العمالية من "كَشْكَاطْ" إلى "لْوِيسْ جُونْتِي" (مع فيديو) البرنامج يركز بالأساس على النبش والتنقيب في ذاكرة الأمكنة والأحداث التاريخية ذات الصلة بالمجال

قدمت القناة الثانية حلقة من برنامج "كَانْ يَا مَكَانْ"، وهو بالمناسبة برنامج من فكرة وإعداد عبد الرحيم تفنوات (مع فريق التصوير: عبد العالي لعثماني ومصطفى لبيب)، البرنامج يركز بالأساس على النبش والتنقيب في ذاكرة الأمكنة والأحداث التاريخية ذات الصلة بالمجال، حيث استضاف الباحث المتخصص في التاريخ المحلي والجهوي مصطفى حمزة، للحديث عن ذاكرة المكان...(اليوسفية العمالية ...من كشكاط إلى "لويس جانتي")، ونظرا لأهمية مضمون الحلقة تقدم جريدة "أنفاس بريس" للقراء عصارة هذه الذاكرة.

 

كيف حملت المدينة العمالية اسم كشكاط ؟

بالعودة إلى ذاكرة اسم كشكاط فقد أوضح الباحث مصطفى حمزة أن وادي كشكاط "كان يعبر هذا المكان (مجال إحداث الحي الأوروبي)، وأن كشكاط هو اسم معلمة جغرافية نسبة إلى الوادي الذي يخترق المدينة من جنوبها، وقديما كان يخترقها من الوسط". وبخصوص حي الرمل قال بأنه "كانت تتواجد به العديد من الحقول والبساتين...".

في سياق متصل أضاف نفس المتحدث بأنه: "عندما شرع المستعمر الفرنسي في تهيئة وبناء الحي الأوروبي، عمد إلى بناء سد وتغيير مجرى الوادي، بحيث سيصبح مجراه يخترق الجهة الجنوبية للمدينة". لذلك فإن "كشكاك أضحت تعني مجرى الوادي، وهكذا حملت المدينة اسم كشكاط سابقا".

وحسب ضيف برنامج (كان يا مكان) فقد "ظل يتردد اسم كشكاط دائما على مستوى المراسلات التي كانت تتم بين المراقب المدني والقائد العربي بلكوش، بصفته مسؤولا عن هذه المنطقة، وكان ابنه محمد بلكوش خليفة كذلك" .

متى ستحمل المدينة العمالية اسم لويس جونتي؟

وعن بداية إحداث مدينة اليوسفية أكد حمزة بالقول: "في سنة 1931/1932 حينما سيتم الشروع في تهييئ هذه المدينة سيتغير الإسم وسيحمل اسم (لويس جونتي)... وهو الجيولوجي الذي قام بعمليات المسح الجيولوجية في المغرب، ومن بينها عملية تمت سنة 1905، وهي التي يتحدث عنها (بريف) في مؤلفه (رحلات في المغرب) ما بين 1901 و 1905 وكذلك تحدث عنه (دوكونساك) في مؤلفه المعنون بـ (في قلب الأطلس)، حيث أشار إلى الجيولوجي (لويس جونتي) وإلى اكتشافاته".

 

في وصف مجرى وادي كشكاط؟

في وصفه للمكان/الذاكرة قال ضيف البرنامج "كان المكان يسيطر عليه مجرى وادي كشكاط، حيث كانت تتواجد به عدة نباتات، وأشجار، ومغروسات كثيرة، مع وفرة المياه والوحيش، لذلك كان المكان يغري بالصيد والقنص، وكان أيضا مكانا لـ "النْزَالَةْ" بحكم أن مجرى وادي كشكاط كان جسرا للعبور منذ القدم (عبر التاريخ) انطلاقا من مدينة الْغَرْبِيَةْ ثم مدينة أزمور بمنطقة دكالة، في اتجاه أَغْمَاتْ، عبر بحيرة زِيمَةْ، وعبر رِبَاطْ شَاكِرْ في أول الأمر".

وشدد مصطفى حمزة على أن "مجرى وادي كشكاط لم يكن مكانا فارغا، بل كان مستقرا للسكان، ومكانا للجوء، خاصة مع الهجوم البرتغالي على منطقة دكالة، حيث كانت ساكنة منطقة أولاد عمران بصفة عامة تلجأ لهذه المنطقة على ضفاف مجرى وادي كشكاط".

وأوضح في هذا السياق بأن مجرى وادي كشكاط كان سببا مهما في انتقالات الساكنة داخل المنطقة حيث ذكر بـ "الولي الصالح أحمد بن حرمة الله الذي انتقل من غرب هذه المنطقة إلى الشرق وتحديدا إلى مركز سيدي احمد (الكنتور) بسبب وفرة المياه بمجرى وادي كشكاط، حيث كانت المنطقة خصبة وغنية". ولهذه الأسباب قال موضحا بأن مجرى وادي كشكاط "كان ممرا للعبور، بحيث أن المنتوجات التي كانت تأتي من الغربية وأزمور (دكالة)، كانت تعبر هذا المجال الجغرافي، في اتجاه بحيرة زيمة وفي اتجاه رباط شاكر"، بمعنى أنه "كان معبرا استراتيجيا للرحلات التجارية".

بداية الإعلان عن إنتاج الفوسفاط

وعن تاريخ إعلان تواجد مادة الفوسفاط ذكر نفس المتحدث بالقول: "بعد تهيئة المدينة وتأسيسها سنة 1929، سيتم الإعلان من طرف فرنسا على أن الفوسفاط موجود بهذه المنطقة وبكميات وافرة، وأنه علينا أن نشرع في استخراجه".

رواية المقاوم الفقير العربي

واستحضارا للرواية الشفوية أوضح حمزة بأن هناك العديد من الروايات لمقاومين وطنيين مثل (الفقيه الفقير العربي) وهو أحد رواد الحركة الوطنية بالمنطقة وكان أمين سر هذه الحركة، حسب روايته "فإن هذا المجال الجغرافي الذي نتواجد فيه هو مجال كان يتمتع بوفرة المياه والنباتات والمغروسات ومختلف الأشجار ومجالا للصيد، لكن تم اجتثاث هذه المغروسات والأشجار والنباتات من أجل تهيئة مكان إحداث المدينة وتم الشروع في وضع اللبنات الأولى". وعن الشروع في تهيئة المدينة قال: "وسنجد بأن التصميم سيشرع في إنجازه ابتداء من سنة 1932،  بمواصفات حديثة وعصرية لمدينة جد متطورة على مستوى نمط العمار والهندسة الأوروبية".

عوامل أدت إلى توقف تطور ونمو المجال الحضري بالمدينة العمالية

وأرجع الباحث حمزة عدم تطور المدينة بشكل مسترسل وكبير ولم تعرف تغلغل هذا النمط المعماري خاصة في المجال الحضري، لعاملين:

العامل الأول: يرتبط بالأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 1929، بحيث أنها أثرت على الدول الكبرى بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، وكل الدول ذات الطباع الرأسمالي، باستثناء الاتحاد السوفياتي بطبيعة الحال الذي كان يصنف في خانة النظام الاشتراكي الذي له مميزاته، من بينها التخطيط وتدخل الدولة في توجيه الاقتصاد وهذا كان غائبا عند الدول الرأسمالية.

العامل الثاني: وهو عامل الحرب العالمية الثانية ( 1939 ـ 1945) التي أثرت على نمو وتطور المدينة الفوسفاطية، على اعتبار أن المستعمر كان يرسل الفرنسيين الأقوياء من المدينة نحو ميادين الحرب، واستبدالهم بالجنود المعطوبين والمصابين وأصحاب العاهات ليستقروا بالمدينة. حيث لم يعودوا قادرين على العمل والإنتاج بصفة عامة.

وأكد في هذا السياق بأن "تطور ونمو المدينة قد توقف لهذه الأسباب"، مشددا على أن "مستوى استخراج الفوسفاط بالمدينة ظل ضعيفا، وبدأ في التراجع" والدليل أن الفترة الممتدة من سنة 1932 إلى سنة 1945 لم يتجاوز فيها "استخراج الفوسفاط 26 مليون طن، وهي نسبة ضعيفة"، وفسّر حمزة ضعف الإنتاج كذلك بـ "استعمال تقنيات تقليدية التي كانت تعتمد على الجمال والأطفال في عملية تنشيف الفوسفاط"، ولم يعرف الإنتاج تطورا إلا "بعد سنة 1959 سيعرف الإنتاج تطورا كبيرا، وسيساهم في نماء وتطور المدينة" حسب قوله.

ومقارنة مع عاصمة الفوسفاط مدينة خريبكة أضاف قائلا بأن "بداية الإنتاج واستخراج الفوسفاط بخريبكة فقد كان في بداية (العشرينيات)، والحديث عن علاقة خريبكة بمدينة الدار البيضاء، معناه أن الإنتاج في هذه الفترة التاريخية إلى حدود الأزمة الاقتصادية التي انعكست على المغرب سنة 1939 ، ساهمت في تطور مدينة خريبكة بشكل أكبر من مدينة اليوسفية".

وفي سياق حديثه عن مقارنة خريبكة باليوسفية على مستوى التطور أوضح بأن "هذا لا يمنع بالنسبة لمدينة اليوسفية أن نتحدث عن إحداث عدة مرافق وفضاءات خلال فترة الاستعمار نذكر منها (مراكز ثقافية، قاعات السينما، المناطق الخضراء،  وملاعب رياضية، مراكز صحية ومستشفى...)".

إسماء في الذاكرة.. من رجالات الحركة الوطنية بالمنطقة

ولم يفت الباحث مصطفى حمزة أن يتحدث عن بروز رجالات الحركة الوطنية بالمنطقة خصوصا في فترة الحرب العالمية الثانية واحتلال فرنسا من طرف ألمانيا بالقول: " هذا سيطرح سؤال بالنسبة للوطنيين المغاربة، لذلك سنلاحظ حركة وطنية من خلال التنسيق بين السلطان وحركة المقاومة والتهييئ لوثيقة 11 يناير، لتقديمها من أجل المطالبة بالاستقلال، حيث برزت حركة وطنية بمجال منطقة اليوسفية والتي كان من أبرز عناصرها: (الحاج أحمد زغلول، والفقير العربي، والإخوان زغلول، والحاج أكني، ....) وهذه المجموعة لعبت دورا أساسيا في مواجهة المستعمر وكذلك في تمويل الوطنيين سواء في مراكش أو في مدينة أسفي".