السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

الصادق العثماني:جماعات الإسلام السياسي والتفسير الثوري للقرآن الكريم 

الصادق العثماني:جماعات الإسلام السياسي والتفسير الثوري للقرآن الكريم  الصادق العثماني
بعض المؤدلجين من التيارات الدينية المعاصرة الذين يفسرون كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم تفسيرا ثوريا دمويا لا يقبلون منك أي فكرة أو شرح تجنح به إلى السلم والمحبة والتعايش بين كافة البشر؛ بغض النظر عن عقائدهم وأديانهم وقبائلهم وطوائفهم، فبمجرد ما تأتي لهم بهذه الأمور وتغوص معم في فلسفة السلم والسلام والتعايش في الإسلام يبدأون في ترتيل  بعض الآيات القرآنية الذين لا يفهمون معانيها وسياقاتها وأسباب نزولها، كقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ، بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {المائدة: 51}.  فهذه الآية بما تحويه من معان وأسباب نزول هي أبعد ما تكون عما فهمه هؤلاء القوم منها؛ بل إن المسلمين جميعا - منذ نزول الوحي إلى الآن - لم يقل أحد أنه هذه الآية تحرم علينا التعاون والتعامل مع اليهود والنصارى المسالمين للمسلمين، لا أبدا، . فالإسلام يربي أبناءه على التعاون والمحبة والتعايش والعطاء في سبيل البر والإحسان والعمل الصالح والتقوى، أي: الخوف من الله، ولا يكون التعاون في الإثم أو العدوان، أو إهدار حقوق الآخرين، أو الاعتداء عليهم، وإنما التعاون في سبيل الخير العام والصالح العام، وصالح الإنسانية جمعاء. ومن المعاني السامية لهذه الآية الكريمة: أنه لا ينبغي أن يحملكم بغض أو كراهية، أو عدوان قوم عليكم، كالذين صدوكم عن المسجد الحرام، فلم تصلوا إليه في عام الحديبية، على أن تقتصوا
 وتثأروا أو تنتقموا منهم ظلما وعدوانا...فالنهي عن موالاة اليهود والنصارى في هذه الآية وفي غيرها؛ نهي عن نصرتهم في الباطل،  لا بد من تصحيح المفاهيم المغلوطة التي تقدم من بعض الدعاة المأدلجين لشبابنا المسلم في الداخل والخارج  عن قوله عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء.." ويوضح هذا المعنى الامام القرطبي في تفسير هذه الآية فيقول: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض.. قيل: المراد بها المنافقون، وكانوا يوالون المشركين ويخبرونهم بأسرار المسلمين، قال السدي: نزلت في قصة يوم أحد حين خاف المسلمون، حتى هم قوم منهم أن يوالوا اليهود والنصارى، وقيل: نزلت في عبادة بن الصامت، وعبد الله بن أبي بن سلول، فتبرأ عبادة - رضي الله عنه - من موالاة اليهود، وتمسك عبد الله بن أبي بن سلول، وقال: إني أخاف أن تدور الدوائر، ولهذا قال - عز وجل - في الآية التالية:  "فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة"  (المائدة:52)، أي أن الآية نزلت بخصوص المنافقين، وفي وقت الحرب، فهي تنهى عن موالاة اليهود والنصارى الذين يناصبون الإسلام العداء فليس من المقبول أن تكون الحرب دائرة بين المسلمين وأعدائهم، ثم يوالي بعض المسلمين هؤلاء الأعداء؛ لأن في ذلك خيانة للإسلام والمسلمين. أما في غير الحرب أو مع اليهود والنصارى المسالمين للإسلام، فإن أساس العلاقة قائم على التعارف
والمودة لا القطيعة والخصام يقول عز وجل: "لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين " (الممتحنة). أما هؤلاء الذين يناصبون الإسلام العداء فيقول - عز وجل - فيهم: "إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون"  (الممتحنة).
علما أن زواج المسلم بالكتابية دليل على انفتاح المسلمين على الآخر: إن الإسلام في إباحته زواج المسلم من غير المسلمة من أهل الكتاب - سواء كانت من اليهود أو النصارى - لهو أكبر دليل على أن العلاقة التي تحكم المسلمين بغيرهم هي علاقة التعايش السلمي والتعاون والتحاور لا علاقة التقاطع والتدابر والتناحر والانغلاق على الذات والتعصب ضد الآخرين؛ إذ كيف يدعو الإسلام إلى هذه القطيعة بين المسلمين وغيرهم ثم يسمح للمسلمين بالتزوج من أهل الكتاب؟ إذ يقول عز وجل: "اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب" (المائدة قال ابن المنذر ولا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك. ولا شك أن علاقة الزواج هي قمة العلاقات الإنسانية القائمة على المودة والرحمة والتفاهم؛ إذ يقول عز وجل: "خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة "  (الروم )، وإنما أباح الإسلام الزواج من أهل الكتاب ليزيل الحواجز بين أهل الكتاب وبين المسلمين فالزواج معاشرة وتفاهم ومودة ورحمة، ليس بين الزوجين فحسب، بل بين الأسر والقبائل بعضها وبعض؛ فهو فرصة للتلاقي بين المسلمين وغيرهم من أهل الكتاب، وهو تقريب عملي بين المسلمين وغيرهم، بل هو قمة التقارب والانفتاح على الغير، وهدم جميع الحواجز سواء المادية منها والنفسية بين المسلمين وغيرهم من أهل الكتاب ..احذروا هؤلاء الجهلة الخوارج الجدد الذين يفسرون القرآن الكريم تفسيرا ثوريا دمويا؛ معتمدين في ذلك على نظرية كارل ماركس الشيوعي  في التفسير المادي للتاريخ .. 
 
الصادق العثماني، باحث في الفكر الإسلامي وقضايا التطرف الديني