Tuesday 17 June 2025
فن وثقافة

من يحمي صناعة السروج التقليدية المغربية الأصيلة من التشويه ؟

من يحمي صناعة السروج التقليدية المغربية الأصيلة من التشويه ؟ السرج التقليدي المغربي الأصيل الذي يليق بنخوة الخيول

في سياق ما بات يعرف باليقظة الثقافية والتراثية في زمن تحصين وتثمين تراثنا اللامادي، نجد أن كثيرا من منتوجات صناعتنا التقليدية التي تبصم على تاريخ رموز وعلامات هويتنا ودلالاتها الإبداعية والفنية والتقنية والهندسية، التي تعرضت للتشويه والسرقة والتقليد بهدف تحويلها إلى رافد من روافد التكسب المالي والإغتناء غير المشروع على حساب الحضارة والتاريخ والتراث المغربي.

من هنا ينتصب سؤال (أسئلة): من يتحمل مسؤولية مراقبة ومتابعة كل المنتوجات الحرفية بقطاع الصناعة التقليدية ذات الصلة بالتبوريدة؟ من هي الجهة الموكول لها حماية وتحصين كل الحرف والصناعات التقليدية الخاصة بمستلزمات الخيل والبارود؟ من هي الوزارة (أو الوزارات/القطاعات) التي تتحمل مسؤولية رعاية وتحصين فن التبوريدة بعيدا عن التشويه والتطوير السلبي الذي اقتحم هذا المجال؟ من هي الجهة المتدخلة في هذا الشأن؟

ما يهمنا في هذه الورقة هو منتوجات الصناعة التقليدية ذات الصلة بفن التبوريدة المغربية التي أضحت اليوم علامة أساسية من علامات التراث اللامادي الكوني، نظرا للتشويه الذي يطال منتوج صناعة السروج التقليدية المغربية الخاصة بالتبوريدة، ومن بينها صناعة السروج التقليدية الأصيلة.

لقد تسللت واكتسحت مجال الصناعة التقليدية المتخصصة في السروج المغربية الخاصة بالتبوريدة منتوجات بمقاييس دخيلة غيرت من حجم وشكل أجزاء مكوناتها المعروفة والمعلومة، ( "التَّرْشِيحْ" و "السْقَطْ" و "الَعْظَمْ" و "الدِّيرْ" و " الدْجَاجَةْ") مسّت جمالية السرج المغربي التقليدي الأصيل، وطمست معالم روعة وأناقة وجمال الخيول، بفعل التطوير السلبي الذي عرفه هذا المنتوج.

كيف يمكن تحديد مواصفات السرج التقليدي المغربي وما هي خاصيته؟

للإجابة عن هذا السؤال كان ولابد أن نبحث في ما نتوفر عليه من وثائق ومن إفادات وشهادات، وركزنا في هذا السياق على ورقة بحثية قام بها "الرامي" يونس عاشق الذي استنطق مجموعة من اللوحات الفنية والصور المرتبطة بفنون التبوريدة المغربية قديما حيث أوضح قائلا: "لقد بحثت بخصوصها (أي السروج المغربية التقليدية المغربية) في الصور القديمة، واللوحات الفنية التي تؤرخ لحقبة معينة من تاريخ المغرب. وكان أبرزها يعود للفنان الفرنسي Eugène Delacroix..".

ومن خلال هذه المعاينة والفحص الدقيق خلص عاشق إلى أن منتوج هذه الصناعة التقليدية الأصيلة قد عرف "تطورا كبير للسروج المغربية نحو الأسوأ".

إليكم تفاصيل التطوير السلبي للسروج المغربية التقليدية نحو الأسوأ:

ـ أولا: "التَّرْشِيحْ" (طبقات لبدة الصوف)

يقول يونس عاشق "في أغلب اللوحات والصور، لاحظت بأن (التَّرْشِيحْ) كان يتكون فقط من ثلاث طبقات من لَبْدَةْ الصّوف، في حين أصبح اليوم يتكون من ثمانية طبقات وبعض الأحيان من عشرة طبقات من لبدة الصوف". وأوضح بأن هذه الإضافات على مستوى طبقات لبدات الصوف، أصبحت تشكل "العائق الأول الذي يحول دون التصاق السّرج بحارك(garrot) الحصان، وبالتالي يكون سببا في انزلاق السّرج".

لقد ساهم هذا التطوير السلبي في زيادة عدد طبقات لبدة الصوف، إلى ارتفاع منسوب السقوط من فوق صهوة الحصان، منذ أن أدخل هذا التغيير على صناعة السروج التقليدي الخاص بالتبوريدة، والسبب في ذلك سنعود إليه

ـ ثانيا: "السْقَطْ" وهو غطاء "التَّرْشِيحْ"

بالنسبة لـ "السقط" فقد لاحظ يونس عاشق من خلال فحص اللوحات والصور بأنه "لا يغطي معظم ظهر الحصان، الذي يطلق عليه عند أهل الميدان بـ (الْمَادَّةْ)، في حين أصبح "السقط" في ويمنا هذا، يغطي حتى ثلث (الْكْفَلْ) الذي هو عجز الحصان، مما ساهم في طمس كل معالم الجمال في جسد الخيول" .

ـ ثالثا: "الَعْظَمْ" وهو هيكل السّرج

الطامة الكبرى في التشوهات التي تسللت للمنتوجات الحرفية ذات الصلة بالتبوريدة هي التي عرفها (العظم) أو هيكل السرج المصنوع من خشب الجوز والمغلف بالجلد، وهو نوعان:

1 ـ الشرقي كما هو موضح في الصورة، يستعمله فرسان المنطقة الشرقية.

2 ـ الحوزي. استعملته معظم مناطق المغرب وينسب لمنطقة حوز مراكش.

لقد حل محل "الَعْظَمْ" التقليدي الأصيل شيء يشبه (الْعَمَّارِيَةْ) التي تُزَفُّ عليها العروسة يوم زفافها، وأطلق عليه في ميدان التبوريدة أسم "الَعْظَمْ الَعْمِيرِي". والذي اكتسح ميدان التبوريدة أمام أعين الجهات المسؤولة والوصية دون اعتراض. حيث يقول يونس عاشق في هذا الصدد: "(الَعْظَمْ الَعْمِيرِي)، اخترعه أشباه الفرسان، لا لشيء إلا ليغطي عجزهم عن الركوب بطريقة صحيحة وسليمة يطلق عليها أهل التبوريدة "التَّسْبَاتْ" أو "النَّصْبَةْ". تختلف التسمية حسب مناطق المغرب - (montée suspendue ) ليظهروا بمظهر مهيب فوق الحصان .

وبحكم الاحتكاك والمتابعة الميدانية لعروض التبوريدة المغربية في مختلف المهرجانات الوطنية أتقاسم ملاحظة (الرامي) يونس عاشق الذي أشار بالقول: "لكن الأمر أخطر من ذلك حيث أصبح هذا النوع من الهياكل (الَعْظَمْ الَعْمِيرِي) هو السبب الرئيس في معظم حوادث السّقوط خلال عروض التبوريدة"، على اعتبار أن هذا التطوير السلبي في الهيكل "يصعب معه التوازن فوق الحصان، وكذلك يغيب بسببه التواصل الحسي والحركي بين الفارس والحصان".

ـ رابعا: "الدِّيرْ" أو غطاء الصدر

في سياق تفحص اللوحات الفنية والصور استنتج عاشق بأن (الدير) كان سابقا بحجم صغير نسبيا، حيث تظهر للعيان عضلات صدر الحصان جليّا، لكن اليوم استبدل بآخر (حجم كبير) يغطي الصدر تماما، كما أنه مذيل بهذبات تزينه، في حين أنها تغطي معالم الجمال عند الحصان.

ـ خامسا: "الدْجَاجَةْ" وهي غطاء هيكل السرج

نفس الشيء انطلى على "الدْجَاجَةْ" والتي كانت تشكل قطعة موحدة مع "السْقَطْ"، في حين أصبحت في يومنا هذا مثل قبعة توضع فوق رأس أصلع، وتشكل قطعة متنافرة مع القطعة الأصل (السْقَطْ)، وسبب ذلك هو (الَعْظَمْ الَعْمِيرِي) الذي أقبر كل معالم الجمال والأصالة في السرج المغربي.

ملاحظة: "التَّرْشِيحْ" و "السْقَطْ" و "الَعْظَمْ" و "الدِّيرْ" و " الدْجَاجَةْ"، هي كلمات متداولة وتستعمل في التعريف بمكونات السرج التقليدي المغربي الأصيل وهي مفردات بالدارجة المغربية يستعملها أهل التبوريدة في لغة الخيل والبارود.