الخميس 25 إبريل 2024
فن وثقافة

الحبيب بلكوش: كتاب الحنوشي مساهمة في تأصيل ثقافة حقوق الإنسان

الحبيب بلكوش: كتاب الحنوشي مساهمة  في تأصيل ثقافة حقوق الإنسان الحبيب بلكوش، رئيس مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية ومدير المجلة المتخصصة "دراسات" الصادرة عن المركز
صدر مؤخرا كتاب: «البرلمان وحقوق الإنسان: مرجعيات وممارسات» للباحث عبدالرزاق الحنوشي، وقد حظي المؤلف باهتمام لافت عكسته اللقاءات المتعددة التي نظمت في عدة مدن (نحو 20 لقاء في ظرف أربعة أشهر)، وكذا القراءات النقدية والتحليلية التي أنجزتها العديد من الفعاليات الأكاديمية والحقوقية. وسبق لنا في «الوطن الآن» و«أنفاس بريس» أن نشرنا بعضها. ومواكبة للدخول الثقافي الجديد، نواصل نشر مساهمات جديدة. في هذا العدد ننشر مساهمة الأستاذ الحبيب بلكوش، رئيس مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية ومدير المجلة المتخصصة "دراسات" الصادرة عن المركز.
 
يعد هذا الكتاب عملا متفردا يستحق مثل هذه الوقفة لأنه يشكل إضافة نوعية نحن في أمس الحاجة إليها لكي ننتقل من مبادئ وشعارات حقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها في الساحة وفي تاريخ الحركة الحقوقية، إلى إنتاج ثقافة متأصلة في التربة المحلية، مرتبطة بانشغالات الممارسين وخاصة الفئات الوازنة في التأثير في السياسات العمومية في مجال حقوق الإنسان، وهذا ليس غريبا على شخص مارس داخل المؤسسة التشريعية وفي وظائف  بمؤسسات أخرى لها علاقة بالمؤسسة التشريعية؛ كما راكم على مستوى الممارسة العملية والمهنية في هذا المجال، بالإضافة إلى التمكن في المجال الحقوقي من خلال اشتغاله بمنظمات حقوقية عدة أو داخل المجلس الوطني لحقوق الإنسان وهذا ما يعطى لهذا العمل أهمية  متميزة.
فمن حيث المضامين، يقدم الكتاب المنظومة الحقوقية من خلال آلياتها ومرجعاتها الدولية وفي علاقتها بالعمل التشريعي ومؤسسات البرلمان والمبادئ المؤطرة لدورها في مجال حقوق الإنسان. كما يعتبر الكتاب عملا ذا أهمية بالغة إذ يقدم حصيلة ولاية تشريعية سواء على مستوى الأسئلة المطروحة أو على مستوى لجان التقصي أو غيرها من الجوانب التي تشكل إضافة نوعية للفاعل الحقوقي نفسه، وهو ما يقربه من ما يتم إنجازه داخل هذه المؤسسة، كما يضع، في نفس الوقت أداة رهن إشارة الباحثين للمزيد من الدراسة والبحث الجامعي بخصوص منتوج صادر عن فئات يفترض أن لها أدوارا أساسية على مستوى التشريع وعلى مستوى بناء الضمانات القانونية المطلوبة لحماية حقوق الإنسان. واعتبر ان الجانب الذي له أهمية كبيرة، ونأمل أن يجد ترجمته على مستوى إعطاء القيمة الفعلية لهذا المجهود، هو كيف يصبح هذا المؤلف أداة في يد أعضاء المؤسسة التشريعية لكي يطوروا الأداء، لأن ثقافة حقوق الإنسان في بلدنا، رغم هذا الزخم والمحطات الكبرى التي عرفتها كهيئة الإنصاف والمصالحة والإجراءات السياسية وتنصيص الدستور عليها إلخ، تبقى ثقافة حديثة داخل مجتمعنا، ولذا وجب علينا الخروج من الشعار إلى تأصيل الثقافة -كما أشرت سابقا-. لذلك فإننا في حاجة أولا إلى تملك هذه الثقافة لتصبح أداة لتقييم وتتبع أدوار مختلف المؤسسات المنوط بها الاطلاع بجانب من الجوانب في هذه السياسات على المستوى الحكومي أو على المستوى التشريعي أو على مستوى المؤسسات الوطنية، أو على مستوى المجتمع المدني بدوره هو أيضا، حتى نخرج من ترديد المبادئ العامة والمواد المرتبطة بهذه الاتفاقية أو تلك، إلى جعلها ثقافة نتملكها، لكي ننتج كذلك ثقافة تتأصّل في كل حقل وفي العمل المطلوب، على المستوى السياسي، والبرلماني، والمؤسسات التشريعية الخ...، لتصبح بدورها منتجة للثقافة الحقوقية، وننتقل بذلك من الدعوة إلى حقوق الإنسان إلى تملك ثقافة حقوق الإنسان.
الجانب الثاني في العلاقة مع المؤسسة التشريعية هو أنها في حاجة إلى تطوير خبرة الأعضاء داخل هذه المؤسسات وهذا ليس عيبا. فعندما نؤكد أن البرلمان في حاجة إلى تملك ثقافة حقوق الإنسان في أبعادها التشريعية، والفلسفية والسياسية، فذلك لكي يضطلع البرلمانيون بأدوارهم على الوجه المطلوب في مساءلة الحكومة حول التزاماتها من خلال مصادقتها على الاتفاقيات، وحول ما يصدر من توصيات موجهة للبلد. ومعلوم أن المغرب منخرط في جل ديناميات الاتفاقيات الدولية المصادق عليها كآليات لتتبع الأوضاع في جل المجالات، وان هذه الآليات تصدر تقارير وتوصيات توجه لبلدنا، وبالتالي ستكون الفائدة أكبر إذا كان صناع التشريع داخل البلد يسائلون السياسات العمومية من زاوية المعرفة، وقد يشكل ذلك قفزة نوعية في أداء المؤسسة التشريعية بدون أن يعتبر هذا قدحا أو تنقيصا من دور الفاعلين بها.
وكما تعلمون، فقد سجلنا خلال العشر سنوات الأخيرة، على الأقل، دينامية من داخل منظومات التكوين، <على سبيل المثال: مؤسسات تكوين الشرطة، والدرك، والقوات المساعدة، والقضاة إلخ ،حيث عملت كلها على إعادة النظر في منظومتها التكوينية لإدراج بعد حقوق الإنسان كمكون رئيسي ضمنها، وحتى داخل الجامعات المغربية يبدو أنه آن الأوان لإعادة النظر في المنظور الكلاسيكي الذي ظل سائدا، والذي يربط حقوق الإنسان بالحريات العامة، والعمل على تطوير هذا المنظور نحو مقابرة حقوقية متكاملة ومندمجة، خاصة مع ظهور عدد من الوحدات المتخصصة على امتداد الجامعات المغربية التي تنقصها فضاءات ضرورية للبحث كالخزانات الجامعية، إذ ان الكثير منها لا تتوفر على رصيد وثائقي نوعي يعتمده الطالب الباحث في هذا المجال.
وحسب دراسة أنجزناها في مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية حول "مدى حضور التكوين في مجال حقوق الإنسان في المغرب" في تكوين القضاة، حيث استهدفنا فئتين باعتبار دورهما الرئيسي في مجال حماية الحقوق والحريات، وخلصنا بشكل عام إلى أن هناك ضعف في هذه الثقافة لدى هذه الفئة التي يفترض أنها تحمي حقوق الإنسان.  وعندما تنقص هذه الثقافة داخل التكوين الأصلي لهؤلاء بالجامعة و/أو مراكز التكوين المتخصص-، فإن ذلك لا يساعد على ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان في الممارسة المهنية؛ أي من خلال الاجتهاد القضائي، ومن خلال ترافع المحامين أمام القضاء بالاعتماد على الالتزامات الدولية، واجتهادات القضاء الدولي. وهذا ما ينطبق أيضا على البرلمانيين. صحيح أنه تم اليوم إحداث (والأخ عبد الرزاق يحيل على هذا المعطى الجديد) مركزين للبحوث القانونية داخل هذه المؤسسة، ولكن ربما نحن في حاجة إلى رجة تجعل الاضطلاع بأدوار أكبر، ليس فقط لتقديم المشورة بل لجعل صناع التشريع  يتملكون الأدوات اللازمة للاضطلاع بأدوارهم على أحسن وجه، وهذا ما ينطبق على مختلف الفئات المهنية والسياسية وغيرها.
كما أعتبر أيضا أن هذا المنتوج الذي قدمه الصديق عبد الرزاق الحنوشي قد يصبح دليلا له حضور أقوى إن هو ارتبط ببرنامج تعزيز قدرات داخل المؤسسة التشريعية للبرلمانيين وللخبراء المشتغلين معهم ومع فرقهم.
هذه بعض العناصر التي ارتأيت أن أتقاسمها معكم، لكن هذا لا يعني أن هذا الكتاب يهم فقط هذه الفئة بل إنه يهم أيضا نشطاء حقوق الإنسان في علاقتهم بالمؤسسة التشريعية. فقد أصبحت للمجتمع المدني أدوار جديدة في علاقة مع مختلف مؤسسات الدولة سواء في المراقبة، وتقديم العرائض، وتقييم السياسات العمومية وحتى في المساهمة في وضع برامج التنمية الجهوية الخ، كمقتضيات دستورية جديدة، ومن ضمنها أدوار المؤسسة التشريعية. لذلك أعتقد أنه أيضا عمل موجه لهذه الفئة أيضا، حتى تتمكن من مرافقة العمل الذي تضطلع به هذه المؤسسة، لإثارة الانتباه للاختلالات التي قد تطبع بعض النصوص من حيث الصياغة أو من حيث الملاءمة مع الالتزامات الدولية لبلادنا، فضلا عن أهمية بلورة استراتيجية ناجعة ترتقي بأداء المجتمع المدني في علاقته بالمؤسسة التشريعية إلى مستوى أحسن في مرافقة السياسات العمومية والمخرجات القانونية.