الخميس 25 إبريل 2024
خارج الحدود

مؤتمر عالمي بالعاصمة الألمانية يهدف إلى تحطيم جدار الإعدام كما حطمت برلين جدارها   

مؤتمر عالمي بالعاصمة الألمانية يهدف إلى تحطيم جدار الإعدام كما حطمت برلين جدارها     مصطفى العراقي وابنته أميمة

 كان عددهم 1200 شخصا جاؤوا من 126 دولة، احتضنتهم العاصمة الألمانية برلين في الفترة ما بين 15 و18 نونبر 2022. لهم هدف واحد: التعبئة من أجل الإطاحة بعقوبة الإعدام وإلغاءها من الترسانة القانونية للدول التي لازالت تحتفظ بها كما تم الإطاحة سنة 1989 بجدار فصل هذه المدينة الى شطرين لأكثر من أربعة عقود.

هو المؤتمر العالمي الثامن الذي تنظمه منظمة "جميعا ضد عقوبة الإعدام" ومقرها باريس بشركائها في مختلف القارات. فقبل عقدين كانت أول خطوة لهذا المؤتمر الذي يعقد كل ثلاث سنوات بستراسبورغ ولم يخرج من القارة الاوربية إلا مرة واحدة احتضنته مدينة مونريال الكندية في خطوته الثانية سنة 2004. وعلى امتداد عقدين اقتنعت دول بأن عقوبة الإعدام بشعة ولا إنسانية ولا تحقق أي ردع. وفي كل سنة كان أنصار الإلغاء يحققون نصرا ويحصلون على مكسب ويوسعون من ترافعهم ومن تنظيماتهم المحلية والجهوية. وضمن هذا النضال هناك المكون المغربي الذي يكمن في الائتلاف والشبكات وكان حضورهم متميزا في مؤتمر برلين بوفد تكون من 50 مشاركة ومشارك من بينهم النقيب الأستاذ عبد الرحيم الجامعي والوزيرة السابقة نزهة الصقلي. ساهموا في المناقشات وقدموا مقترحات وتبادلوا الخبرات وهم يحملون الامل في أن يطهر المغرب ترسانته التشريعية من هذه العقوبة بعد أن أوقف تنفيذها منذ أربعة عقود.

تميز برنامج المؤتمر بتنوعه في مواضيعه وجلساته. فبين جلستي الافتتاح والاختتام كانت هناك أكثر من 30 نشاطا توزعت على ورشات واجتماعات تنظيمية وجلسات عامة وعروض سينمائية. قدمت الوفود تجاربها واكراهات عمل تنظيماتها وشهدت الورشات نقاشات مثمرة حول أدوار الاعلام والقضاة والمحامين والمجتمع المدني في مواجهة هذه العقوبة. وأوضاع المنتظرين بممرات الموت في غياهب السجون ومعاناة النساء والفئات الهشة عموما هناك.  وقدم محكومون سابقون شهادات المعاناة والظلم الذي لحقهم. وكما في المؤتمرات السابقة توج المؤتمر بعرض لوحة ضخمة تحمل شعار "لا لعقوبة الإعدام " أمام مقر بلدية برلين الرحبة.

  أبرز ما يمكن استخلاصه من هذا المؤتمر:

أولا؛ كان مؤتمر افريقيا بامتياز في عروض الوفود القادمة من هذه القارة وفي نوعية المقاربات لقضية الإعدام. وقد كانت جلسة الاختتام مؤكدة لذلك حيث نال مناضلو إفريقيا الوسطى جائزة الترافع الذي أفضى الى الغاء هذه العقوبة من هذا البلد في ماي الماضي لتكون بذلك الدولة الافريقية ال 24 التي أقدمت على هذه الخطوة. وتقاسمت جائزة الدفاع منظمة «راكوبيم" للمحامين الكامرونيين  (تأسست سنة 2015) مع منظمة باكستانية. كانت لحظة إنسانية من جهة أن الذي قدم الجائزة سجين كيني حكم عليه بالإعدام سنة 2001 وقضى رهن الاعتقال 18 سنة في زنزانة مساحتها 4 متر مربع مع 13 محكومين بنفس العقوبة. أطلق سراحه بعد أن ثبتت براءته من تهمة قتل زوجته لكنه فقد أجمل سنوات العمر في قيد يربطه مع سجين آخر لمدة 23 ساعة ونصف كل يوم. ومن جهة ثانية الكلمة المؤثرة لمحامية قيادية بالمنظمة الكاميرونية أبرزت فيها كم هي صعبة ظروف الاشتغال ومعاناة المحكومين...

 افريقيا شهدت خلال السنتين الماضيتين إلغاء عقوبة الإعدام في كل من تشاد وملاوي وسيراليون ...كما أن هناك مشروع قانون بزامبيا ومن المنتظر ان تلغي ليبيريا هذه العقوبة. وأن من الدول التي الغت صادقت 16 منها على البروتوكول الثاني الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

ثانيا ؛ أن الدول الافريقية التي الغت الحكم  الإعدام في السنوات الأخيرة اتخذت قرارها بقناعة ان هذه العقوبة لا إنسانية تنتهك حقوق الانسان وتمس بالكرامة البشرية .اتخذت قرارها هذا بالرغم من أن أوضاعها ليست بنفس الاستقرار الذي تعرفه دول أخرى بالقارة .

 ثالثا؛ حضور قوي للنساء وللشباب في هذا المؤتمر عكس انخراطهما في مسيرة المطالبة والتعبئة من اجل الغاء عقوبة الإعدام. فهناك أكثر من 800 امرأة في ممرات الموت بسجون العالم. كما ان العشر سنوات الأخيرة شهدت إعدام أكثر من 100 منهن.. وقد حفلت قرية المؤتمر  بوثائق وتقارير تبرز أن النساء ضحايا كمحكوم عليهن وكزوجات معتقلين وهن اليوم ينخرطن في الجبهة العالمية من أجل الإلغاء كعضوات وكقياديات في التنظيمات الوطنية والجهوية والعالمية..

 ولابد من الإشارة ان هناك شابة وشاب مغربيان من مدرسة الفنون الجميلة شاركا في المؤتمر بدعم من المجلس الوطني لحقوق الانسان ورسما لوحتين جميلتين معبرتين بأحد أروقة القرية . كما أن جائزة البحت عادت الى برنامج تحت اسم "39 – أ" بأحد جامعات الهند يقوده طلبة شباب. وترمز التسمية الى فصل في الدستور الهندي يحمل عنوان " العدالة المتساوية والمساعدة القانونية المجانية. وينص على أن " الدولة تضمن تفعيل النظام القانوني لتعزيز العدالة، على أساس تكافؤ الفرص، وتوفير، على وجه الخصوص، المساعدة القانونية المجانية، من خلال تشريعات مناسبة أو خطط أو بأية طريقة أخرى، لضمان أنه لا يتم حرمان أي مواطن من فرص توفير العدالة بسبب عدم القدرات الاقتصادية أو نحوها".

رابعا؛ أن هذا المؤتمر يأتي غداة احتفال العالم باليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام (10 أكتوبر) وعشية عرض موراتوار الأمم المتحدة للتصويت بالجمعية العامة في 16 دجنبر المقبل. وهو قرار  يطالب الدول بتعليق تنفيذ عقوبة الإعدام . وينتظر الراي العام المغربي أن تتقدم الحكومة المغربية خطوة تتمثل في التصويت الإيجابي بعد ان ركن المغرب الى الامتناع خلال الثماني مرات السابقة .وللإشارة ان هذا المراتوار احرز في اول مرة تم التصويت عليه سنة 2007 على دعم 104 دولة وارتفع العدد سنة 2020 الى 123 دولة .كما تجدر الإشارة ان الائتلاف المغربي لمناهضة عقوبة الإعدام وشبكات البرلمانيات والبرلمانيين والمحاميات والمحاميين والصحافيات والصحافيين ونساء ورجال التعليم والمقاولات والمقاولين وجهت قبل أسابيع رسالة الى الحكومة المغربية تحثها على التصويت بنعم انسجاما مع وقف بلادنا عملية التنفيذ منذ سنة 1993.

 خامسا؛ بقدر ما أبرز المؤتمرون الأمل الذي يحدوهم في ان حركة الإلغاء ستتسارع بفعل نضال القوى الحقوقية، بقدر ما تم بسط خرائط الدول التي تزهق أرواح مواطنيها بالجملة وبالتقسيط. عربيا   السوسيولوجية اللبنانية اوغاريت يونان (وهي من المؤسسين لجامعة لا للعنف ببيروت) قدمت عرضا أعلنت فيه بان المجتمع المدني ببلدها تقدم خطوة من المحتمل جدا ان تفضي الى مناقشة البرلمان مشروع قرار    ينص على الإلغاء.

لكن ونحن في اليوم الثاني من المؤتمر حملت الينا الاخبار اعدام الكويت لسبعة أشخاص وعودة جز الرأس في السعودية بشكل يومي منذ بداية نونبر إذ تم اعدام حوالي 18 شخصا. واسبوعا بعد انتهاء المؤتمر أصدرت محكمة جزائرية الحكم بالإعدام على 49 شخصا. وفي منظمة التعاون الإسلامي التي تضم 47 عضوا (ألغت 19 منها عقوبة الإعدام) تبرز إيران بكثرة احكامها وتنفيذها. ونشير الى ان المؤتمر الثامن منح جائزة روبيرت بادنتير(وهو اشتراكي فرنسي تقلد وزارة العدل في حكومة الرئيس فرنسوا ميتيران وساهم بشكل كبير في الغاء عقوبة الإعدام سنة 1981 بفرنسا)منحت الى نسرين ستوده المحامية الإيرانية التي حكم عليها بالجلد والسجن 38 عاماً   . وتسلم الجائزة من يد وزيرة العدل الفرنسية السابقة كريستيان توبيرا أحد مسؤولي المنظمة الإيرانية لحقوق الانسان.

من اللحظات المؤثرة هي شهادة أحد السجناء الأمريكيين واسمه كيت لامار ادلى بها من زنزانته بأحد المعتقلات بولاية اوهيو وهو ينتظر تنفيذ حكم الإعدام بعد ان قبع بالسجن منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي وعمره 23 سنة. وقد انجز البومات فن الجاز مع أحد الفنانين الاسبان بكتالانيا والذي سلمت له بالمناسبة جائزة التعاون من طرف المؤتمر.

هذه بعض خلاصات مؤتمر التئم ضد عقوبة الإعدام، من أجل الحق في الحياة. وحتى لا تصبح الدولة أداة قتل للافراد . هي رحلة الالف ميل من أجل هذه القضية وفي كل سنة يتم الإطاحة بمقصلة ويحتفي "الإلغائيون" بإنجاز حققوه من أجل الكرامة الإنسانية.