الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد المذكوري:حول تدبير فضاءات تنشيط الأطفال والشباب

محمد المذكوري:حول تدبير فضاءات تنشيط الأطفال والشباب محمد المذكوري
1-لكل حي ملعبه
على مر العصور والأعراف ولدى مختلف الشعوب تعارف الناس على مواقع وفضاءات وساحات للعب الجماعي والتفرج والتجمع لأسباب وغايات، لأنه حاجة "مجتمعية" باتفاق الجميع كبارا وصغارا، ويتم بالتوافق في الغالب ترتيب الفضاء وتنظيفه وتجهيزه بما يحتاج له حسب المقرر له من طرف الفاعلين مباشرة قبيل الحدث نفسه بجانب السوق المحلي أو السويقة، ساحة الموسم أو التبوريدة، بجانب أسوار المدينة أو القرية أو بجانب سقاية الدوار..
-2منشئات ومنشئات
اليوم في بلدنا هناك أكثر من 2000 ملعب قرب شيدتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وحوالي 1000 شيدتها وزارة الشباب والرياضة (حسب تصريحات السيد رشيد الطالبي العلمي أيام كان وزيرا للشباب والرياضة).
وهناك 1032 مؤسسة للشباب (دور الشباب والأندية النسوية)، (حسب تصريحات السيد المهدي بنسعيد وزير الشباب).
منها دور الشباب التي تعد اليوم بحوالي 650 دار منها التي تشتغل بشكل طبيعي والتي تحتاج الى إصلاحات واعادة هيكلة واعادة نظر حتى في موقعها ومحتوياتها، ومنها ال 47 مخيم اليتيمة.
والعديد من دور الثقافة والمكتبات وفضاءات (حدائق) ألعاب في الهواء الطلق لا يدخل في هذا الجرد.
-3المجلس الاقتصادي والاجتماعي (اقتصاديات الثقافة)
وضع إطار قانوني مناسـب أنسـنة أحـواض عيـش المواطنيـن والمواطنـات وإعـداد التـراب، والتعميـر والسـكن، والثقافـة، وذلـك ببنـاء منشـآت ثقافيـة) معاهـد موسـيقية، ومسـارح، وخزانـات، ومركبــات متعــددة الوســائط، ودور الشــباب..)، وتخصيــص مناطــق خضــراء، وملاعب رياضيــة للأطفال والشـباب؛
التأكيـد علـى الحـق فـي ولـوج خدمـات الثقافـة وإنتاجاتهـا وتحويـل الفضـاء المدرسـي إلـى مناسـبة لاكتساب التكوينــات الرئيسية، معــززة بالفضول المعرفي لدى المتعلمين، حول تاريخهـم، وهويتهم، وتنوعهم الثقافي، وتشـجيعهم علــى الانفتاح والتواصــل وفضائــل العلــم، والعمــل والابتكار؛
-4الدستور..
الفصل 26 يؤكد على دعم " السلطات العمومية بالوسائل الملائمة، تنمية الابداع الثقافي والفني، والبحث العلمي والتقني والنهوض بالرياضة. كما تسعى لتطوير تلك المجالات وتنظيمها، بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية ومهنية مضبوطة."
ومقتضيات الفصل 33 الذي يدعو السلطات العمومية إلى " اتخاذ التدابير الملائمة لتحقيق:
-توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد؛
-مساعدة الشباب على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية،
-تقديم المساعدة لأولئك الذين تعترضهم صعوبة في التكيف المدرسي أو الاجتماعي أو المهني؛
-تيسير ولوج الشباب للثقافة والعلم والتكنولوجيا، والفن والرياضة والانشطة الترفيهية،
- توفير الظروف المواتية لتفتق طاقاتهم الخالقة والابداعية في كل هذه المجالات"
هي فقط مراجعة لبعض الأرقام الرسمية بالأساس حول المركبات السوسيوثقافية- الرياضية وملاعب القرب ومؤسسات الشباب، أتينا بها اليوم لنستدل على أن تواجدها كثيف - ما شاء الله - ببلادنا ولو انه يعرف سوء توزيع صارخ ولا عدالة مجالية فيه، وجئنا بما جاء به الدستور وما جاء به تقرير اقتصاديات الثقافة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي (والذي يقارب كذلك موضوعنا)، وذلك لكي نعرض لمقترحنا قبل أن تعم الفوضى، حول تدبير هذه الفضاءات وهذه المنشئات وجعلها فاعلة ونقلها الى موقع مجتمعي تؤدي فيه دورها بشكل يساهم في تطور الشعب بانفتاحها على محيطها وأحواض عيش المواطنين كما سماها المجلس الاقتصادي والاجتماعي، انفتاحا يكون فيه المواطن فاعلا مسؤولا وليس مستفيدا فقط أو متفرجا لا غير أو مفعولا لأجله، ولا يتم ابتزازه وتقزيمه وجعل دوره فقط كمستفيد بينما هو المنتج وهو المستفيد، وما أنشئت تلك المنشئات الا لذلك.
لقد تطورت الديمقراطيات في عمق اختياراتها وفلسفتها بأن أصبح المواطن الذي هو موضوعها، مصدرها والفاعل الرئيسي فيها، فكما تطور أداء الإدارة في مواضيع شتى الى مؤسسات وهيئات مواطنة ينتخب المواطنون فيها من يمثلهم ليسيرها ويراقبها، حيث أصبحت السياسات تفوض الى الجماعات المنتخبة تدبير الكثير من الشؤون والأمور الحياتية المباشرة محليا وحتى غير المباشرة وطنيا، وأصبحت تمثيلية المواطنين مرتكز للتسيير، فقد حان الوقت لاعتماد نظام تقوم فيه الهيئات العاملة في قطاعات الرياضة والثقافة والتنشيط التربوي والفني والشبابي بتسيير المنشئات المخصصة لذلك بعيدا عن تسيير إداري جامد لا يراعي متطلبات المستفيدين ولا يأخذ في الاعتبار الا مردودية إدارية محضة تحتسب بالمداخيل أو تقاس بها والتي يتم التلاعب بها وتصبح لدى العديد هدفا رئيسيا، إن صيغ المشاركة في التدبير بنفسها قد تصلح في مؤسسات وقطاعات بها إنتاجية مادية معينة وتحتاج الى طواقم فنية متخصصة، ولكن القطاعات الاجتماعية الثقافية والرياضية والفنية لا يجب أن تدار بمفهوم ومنطق الربح والتجارة لان التدبير المقاولاتي يتناقض مع التدبير الجمعوي الذي يتميز بالعمل والبحث عن النتائج بارتباط مع الأهداف بدون التركيز على نتائج الربح بالأساس، فمعلوم أن اقتباس طرق وأنماط التدبير العقلاني والمؤسساتي هي مسألة مرغوب فيها ولكن ليس الى مستوى جعل التدبير المالي المحض فقط كمؤشر عن النجاح والتقدم،
ان انشاء مؤسسات خاصة لتدبير التنشيط - كشركة الرباط للتنشيط وتنمية - بغض النظر عن الاطناب في قانونها المؤسس، قد تجعل من المستخدمين مؤطرين أو تقنيين هم المتفرغون لعمل محدد وباستمرار من حيث الزمن المخصص عوض منتخبين جماعيين غير متفرغين، ولا يقوم هؤلاء الا بمراقبة في اطار هيئات محددة بحكم القانون وليس الاشراف والتنشيط، قد تكون هذه الصيغة مناسبة للتدبير ولكنها لن تستطيع أن تؤدي رسالتها في تنشيط يستجيب لحاجيات وتطلعات متجددة للمواطنين، وتجربة تدبير ملاعب القرب والتعامل مع جمعيات الاحياء والأندية الرياضية الجامعية ومختلف المؤسسات التعليمية أو مجموعات الراغبين في ذلك تؤكد على أن نمط التدبير يجب أن يراجع في تجاه تحمل الجمعيات مسؤوليتها في الاشراف والتدبير والتسيير بشكل مباشر وعن طريق التعاقد مع تقنيين ومختصين، (والمراجعة ليست فقط في تدبير الحراسة والحجز واستخلاص الواجبات، بل في برمجة الأنشطة والتكوين والتدبير اليومي..)
مثالنا الذي سقناه الآن ليس حصريا لهذه الفكرة، بل اننا ندعو لجعل ملاعب القرب والملاعب الرياضية ودور الشباب ودور الثقافة والمخيمات وكذا الأندية النسوية ودور الحضانة تحت الاشراف المباشر للمستفيدين عن طريق جمعياتهم، وليس فقط بالتنسيق معهم بل بإسناد مهام التدبير والتنشيط والتكوين قانونا الى هيأة منتخبة للموضوع، حسب قانون يحدد الالتزامات المشتركة والواجبات على كل الأطراف المتعاقدة، والإبقاء على الطواقم الإدارية بها لتأكيد مسؤوليات القطاع المشرف ودعم ذلك بجزء ميزانيات ومنح رسمية، حيث يجب الرقي بمجالس دور الشباب من شريك الى مسؤول مباشر وأن يبقى على ممثل القطاع كمشرف وضامن ومؤطر للتدبير وليس للتنشيط والتسيير، حيث يجب إعادة النظر في مهام الإدارة والدولة والدفع بفعاليات المجتمع المدني الى مواقع التدبير المباشر وتتبع كل ذلك برقابة ومحاسبة مع مواكبة وتأطير، فعلى الرغم من أهمية عقد لقاء خاص بمديري دور الشباب الذي يهدف إلى الخروج بتصورات ومقترحات بشأن الارتقاء أكثر بالخدمات التي تقدمها دور الشباب فيما يخص المجالات الثقافية، التكوينية، الرياضية، الترفيهية والتأطيرية، فانه في غياب المستفيدين أو الفاعلين أو أصحاب الحقوق سيبقى اداريو الدور إياها غير قادرين على تفعيل أكثر المشاريع إيجابية وتطورا خصوصا في ظل ضعف الموارد البشرية - وكاستطراد هامشي في الحديث فهل هناك جواب عن عدم عقد تقييم رسمي لمديري المخيمات الصيفية لحد الآن! فكيف لا يعتد بآراء المستهدفين أو يؤخذ بطريقة انتقائية من خلال علاقات.
هذا المقترح ينسحب كذلك حتى على الملاعب الكبرى التي تخصص لفرق معينة وعلى كل المنشئات التي يكون الفاعل فيها هو هيئات أخرى غير الإدارة كدولة، ومن هنا تأتي مقارنتنا بالجماعة الترابية، فالتدبير المباشر وتحت الوصاية والمراقبة لشؤون الجماعة والمواطنين يطابق مقاربتنا لمنشئات ومؤسسات تستعمل من طرف هيئات ومنظمات وأنشئت في الأصل لذلك، يجب أن تخضع لقانون منظم للعرض والطلب وللالتزامات والعقود وللواجبات، ولو أن أغلب الجمعيات مكونة من ناشطين يعملون بها موازاة مع أعمالهم المعيشية الحياتية، كاهتمام إضافي والتزام فكري وأخلاقي وهواياتي، فإن التفرغ لهذا العمل الجمعوي قد يأخذ طابعا رسميا ومرخصا به استثناء لمدة الانتداب كما يجري بذلك أمر المستشارين الجماعيين ومستخدمي ومنتسبي فرق الرياضات المنظمة في إطار احترافي بالخصوص، ولو كمساهمة في فراغ التأطير التربوي الذي يلاحظ في أغلب هذه المنشئات.
لقد تطور العمل الجمعوي، وتطورت منطلقاته الفكرية ومرتكزاته، ولم يعد فقط هو ذاك الوقت الفائض الذي يقضيه البعض في أعمال لا يقوم بها آخرون، بل هو حاجة مجتمعية مكملة ومصححة لأعمال المؤسسات المجتمعية الأخرى، وأكدت مصداقيتها وأحقيتها في تكوين المواطن وفي التنشئة الاجتماعية الجماعية للأفراد والجماعات، وعرف تطورا ملحوظا ومتسارعا ليس فقط عند استقالة الدولة من أداء مهامها بل انطلاقا من إعادة توزيع الأدوار داخل المجتمع، ولا ننظر الى الامر فقط من باب التطوع بكل قدسيته وقوته كمحرك و محفز بل كمشاركة مواطنة في ميادين يكون فيها المستفيد فاعل والمتلقي عنصر من العمل نفسه. ولن نقحم هنا مناقشة موضوع التطوع التعاقدي وتأجير المتطوعين ولا حتى الانزلاقات التي يعرفها العمل الجمعوي في هذا الموضوع، إن تقاسم المسؤوليات واعادة توزيع الأدوار في اطار تعاقد جديد يفرض نفسه بشكل متطور من خلال التطور المجتمعي كله، وعليه يجب أن نبحث عن صيغ تحمل هذا التطور وتسمح بتجديد مجتمع يحتاج الى ابداع مشترك، وسيخلق هذا التطور دينامية متجددة لدور العمل المدني وتقويته بجعله في صلب عمليات التنشئة والإنتاج وضمن مسلسل مجتمعي وليس على هامشه.
ان اعتماد نظام تدبير مختلف مؤسسات وفضاءات التنشيط التربوي الاجتماعي الثقافي الرياضي والفني، بإسناد الأمر للجمعيات العاملة كشركاء مستهدفين وذوي حقوق، سيكون بشكل ما كما هو الحال فيما يتعلق بتدبير الجماعات الترابية الموكول الى الأحزاب والتكتلات السياسية، وقد يحتاج الى تأهيل وترتيبات وتطوير للمناهج والطرق وقوانين وتحديث، ولكنه سيكون في صلب الديمقراطية التشاركية والمواطنة الحقة، كنوع من التسيير المشترك والذاتي في مرحلة أولى وتدبير مفوض لاحقا وصولا الى استقلال في التدبير، لأن الدولة الاجتماعية لا تبنى فقط بالتأمين عن المرض بل بكل الخدمات الاجتماعية.