الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

عائشة ادويهي: سياسة خارجية فطنة ورهان تنموي واعد.. سلاح المغرب مقابل مناورات الجزائر

عائشة ادويهي: سياسة خارجية فطنة ورهان تنموي واعد.. سلاح المغرب مقابل مناورات الجزائر عائشة ادويهي
قرابة نصف قرن والمغرب يواجه مناورات الجزائر! 
فلا أحد يجادل في الدور المفضوح لدولة الجزائر في نزاع الصحراء المغربية، فهي المسؤول الرئيسي عن خلق النزاع الإقليمي حول الصحراء المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو، كحاضنة وراعية وممولة وداعمة كما انها تتحمل كامل المسؤولية بإدامة المشكل على كل المستويات أخلاقيا، قانونيا، ديبلوماسيا، سياسيا وعسكريا وقانونيا. حيث كلفها هذا الأمر مئات ملايير الدولارات بما فيها التمويل والتسليح الكامل لتنظيم البوليساريو!
فالجزائر هي التي أصرت وبشكل رسمي منذ اتفاقية مدريد لسنة 1975 على التمتع بصفة طرف معني ومهتم بملف الصحراء المغربية، كما أنها كانت تقف خلف الحرب التي انخرط فيها تنظيم البوليساريو ضد المملكة المغربية سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي من فوق التراب الجزائري بالتدريب والعتاد والتمويل والمشاركة المكثفة لعناصر الجيش الجزائري.
كما أنه بعد اتفاقية وقف إطلاق النار لسنة 1991 كانت مناورات الجزائر حاضرة في كل مرحلة من مراحل المسلسل السياسي داخل دواليب الأمم المتحدة، لطرح مبادرة باسم تنظيم البوليساريو والتي لم تحظى باهتمام المنتظم الدولي ولم يسمع عنها أي خبر عكس المبادرة المغربية التي لقيت ترحيبا كبيرا واشادة واسعة لدى الدول وكذلك من خلال قرارات مجلس الأمن منذ القرارين الصادرين سنة 2007 سنة طرح المبادرة الى غاية سنة 2021 مع صدور القرار 2654 بوصفها كحل واقعي وجاد وذو مصداقية. 
استمر الموقف الجزائري في محاولة عرقلة التفاوض بكل الوسائل الممكنة، بهدف إفشاله والعودة إلى خطة الأمم المتحدة، حول تنظيم استفتاء تقرير المصير، التي فشلت في الأصل وفتحت المجال أمام الدعوة إلى الحل السياسي المتفاوض عليه، متجاهلة بذلك تقرير المبعوث الأممي السابق إلى الصحراء "فان فالسوم" المقدم إلى مجلس الأمن الذي أكد على عدم واقعية إنشاء كيان مستقل في الصحراء وكذلك التطور الحاصل على مستوى العلاقات الدولية في الثلاثة عقود الأخيرة الذي مكن من التعاطي مع مبدأ تقرير المصير بنوع من المرونة والواقعية.
عرف ملف النزاع حول الصحراء بعد هذه المرحلة عديد التطورات المتسارعة محدثة تباينا بين الموقف الجزائري الذي عرف خفوتا كبيرا لبريقه بدءا من تواجده بالإتحاد الإفريقي وفقدانه لكثير من الحلفاء ناهيك عن المشاكل السياسية الداخلية التي يعيش على وقعها منذ مقترح الولاية الخامسة للرئيس السابق الجزائري؛ كما ازداد الخناق أكثر على الجزائر مع الوعي المتنامي للمنتظم الدولي حول إقليمية النزاع والذي انعكس من خلال قرار مجلس الأمن 2494  المكرس لدولة الجزائر كطرف رئيسي في النزاع حول الصحراء وحضورها الطاوليتنين المستديرتين جنيف 1 وجنيف 2 بهاته الصفة وليس كملاحظ؛ بالإضافة الى قرارات الأمم المتحدة وتقارير آلياتها المعنية بحقوق الانسان وكذلك تلك الصادرة عن الإتحاد الأوروبي التي رصدت انتهاكات حقوق الإنسان بالجزائر وحملتها كذلك مسؤولية ما يحدث على مخيمات تندوف من انتهاكات تطال الانسان الصحراوي وسائلتها عن نقلها لكل اختصاصاتها، عكس ما تنص عليه قواعد القانون الدولي، لتنظيم البوليساريو الذي أصبح يتمتع بحصانتها كبلد مضيف ليبتز المنتظم الدولي. عبر عملية عرقلة حركة المعبر الحدودي الكركارات وفق خطة سيئة الإخراج ومفضوحة الغايات تخطت حدود الممكن كما سماها أعتى مناصريها، ليخرج بعد فشل خطته بقرار أكثر جزافية والمتمثل في إعلانه للحرب وتنصله من اتفاقية وقف إطلاق النار لسنة 1991 حاسما بذلك على عزلته السياسية بشكل نهائي مكشوفا أمام العالم كتنظيم مارق منغلق ومتملص من كل رقابة دولية.
قراءة العديد من التطورات والأحداث المرتبطة بمسار ملف الصحراء، تبين أن الملف دخل مرحلة حاسمة على مستوى الحل النهائي، منعطف جديد دخله نزاع الصحراء المغربية؛ فبعد التضامن الدولي الواسع مع تحرير معبر الكركرات، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية اعترافها رسمياً بالسيادة الكاملة للمملكة المغربية على الصحراء؛ ينضاف الى كل ذلك، الزخم الديبلوماسي الكبير والذي تمثل في تزايد الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء من خلال اقبال العديد من الدول على فتح قنصليات لها بكل من مدينة العيون والداخلة مؤطرا باتفاقية فيينا للمعاهدات الديبلوماسية، ليتضح التوجه الجديد والذي يدعم بدون شك مقترح الحكم الذاتي والتسريع في اتجاهه من أجل طي صفحة النزاع المفتعل؛ كمشروع نضجت كل الشروط اللازمة له من أجل القيام بأجرأته. وهو ما تفطنت له الجزائر لتغير من استراتيجيتها في التعاطي مع ملف كرست له كل جهودها بالدفع بتنظيم البوليساريو لخلق مشكل في معبر الكركارات، والتصعيد بإعلان الحرب كما بدورها اتخذت الجزائر عديد الخطوات التصعيدية والعدائية بدءا من قطع العلاقات الديبلوماسية مرورا بغلق المجال الجوي في وجه الطيران المغربي ووصولا الى وقف تجديد اتفاقية أنبوب الغاز المغاربي منطلقة من ادعاءات، اتهامات وتبريرات من دون أساس ولا أدلة جاعلة من نفسها أضحوكة أمام العالم والذي وصفها إعلامه بأنها مصابة "بالهوس المغربي". 
فالجزائر تحاول العودة إلى خطة ميتة أصلا حتى تتهرب من استحقاقات الحل السياسي، وهي التي لا ترغب أساسا في أن يتم التوصل إلى حل للنزاع المفتعل، بل إنها تعمل على تغذيته، بمختلف الطرق والوسائل إلى درجة يمكن معها التساؤل حول مدى دعمها لجبهة البوليساريو ذاتها والتي تسخرها الجزائر كذراع بلطجي لا غير لمعاكسة ومشاكسة المملكة المغربية بين فينة والأخرى خاصة عندما تواجه طريقا مسدودا، لابتزاز المغرب والمجتمع الدولي من أجل للحصول على بعض التنازلات التي تستطيع استخدامها للخروج من مأزقها التكتيكي أو السياسي الاستراتيجي. 
الأمر الذي يدعونا أن نتساءل اليوم بحدة كيف يمكن لدولة الجزائر أن تبقى غير محرجة بكشفها عن ذلك الباراديغم كلما تعلق الأمر بقضية الصحراء، فالمنتظم الدولي من خلال القرار2652 والقرار 2654 برهن أنه لم يعد يقبل منها ازدواجية المواقف التي تشهرها من وقت لآخر في تباين مفضوح بين الواقع والمعلن عنه.
والأكيد أن هاته الإنجازات لصالح المغرب والاخفاقات المتوالية للجزائر في علاقة بملف النزاع حول الصحراء تعكس التوجه الجديد والذي لا يمكن اعتباره طارئا بل تحولا مفصليا دشنت له الكثير من التحولات الجوهرية في الموقف الدولي كمرحلة جديدة من قضية النزاع حول الصحراء المغربية؛ تسلح المغرب فيها لكسب قضيته العادلة  بسياسة خارجية ذكية وبرفعه لتحدي الرهان التنموي كجزأ لا يتجزأ عن الحل والمتمثل في مبادرة الحكم الذاتي كسقف لا محيد عنه.
 
عائشة ادويهي/ رئيسة المرصد الصحراوي للسلم والديمقراطية وحقوق الإنسان