الخميس 25 إبريل 2024
سياسة

الطيب دكار: " لماذا رفض الملك الراحل الحسن الثاني الذهاب إلى الجزائر!" (8) 

الطيب دكار: " لماذا رفض الملك الراحل الحسن الثاني الذهاب إلى الجزائر!" (8)  الطيب دكار (يمينا) والراحلان الملك الحسن الثاني والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد
ليظهر كم العداء الكبير الذي يمتلئ به المسؤولون الجزائريون تجاه جارهم المغرب، يدرج الطيب دكار، الخبير في العلاقات المغربية الجزائرية، واقعة انسحاب ديبلوماسي من لقاء نظمه مجلس الشورى المغاربي بالجزائر، وقال: "انسحب ديبلوماسي مغربي عشية يوم دراسي نظمته بالجزائر العاصمة السكرتارية العامة لمجلس الشورى المغاربي (مقره الجزائر)، الذي يضم برلمانيين ينتمون للدول الأعضاء في اتحاد المغرب العربي، وذلك بسبب تحول هذا اليوم الدراسي إلى ندوة صحافية، بدل إدراج النقط المسطرة سلفا في جدول الأعمال".
وأضاف: "في سياق التوتر الذي تشهده المنطقة، والذي ازداد حدة بعد سقطة تلفزيون "الشروق"، لا يمكن ليوم دراسي حول مشروع ميت أن يكون ملائما، إلا إذا كان ذلك لتعبئة الصحافة الجزائرية المناهضة للمغرب لمنحها فرصة جديدة للتهجم على المملكة". ذلك أنه "ليس من الصعب في الجزائر العثور على منصة تكن العداء للمغرب، ما دام المنظمون اختاروا، خلال هذا اليوم الدراسي، يومية "الشعب"، الموروثة عن الدعاية الإعلامية للحزب الوحيد، والمعروفة بعدائها الشديد لكل ما هو مغربي.  أضف إلى ذلك أن جدول أعمال هذا اليوم الدراسي، الذي دعي إليه ديبلوماسيون معتمدون من الدول المغاربية، فضلا عن أساتذة جامعيين، كان يضم عرضا يقدمه الكاتب العام (الجزائر)، إلى جانب مداخلات لديبلوماسيين أو جامعيين، وذلك من أجل صياغة شهادة وفاة اتحاد المغرب العربي، بعد إقرار الوفاة، وذلك بمناسبة ذكرى تأسيس هذه المؤسسة في 17 فبراير 1989 بمراكش".
وتابع مؤلف كتاب "الجزائر/ اللاستقرار السياسي يطيل أمد القطيعة مع المغرب" : "كان هذا في نظري أمرا  محرجا في سياق التوتر الحالي والشلل الذي يعيشه اتحاد الدول المغاربية. إنها سبة في دعاة الوحدة المغاربية أن يتم التوقف، في هذا اليوم الدراسي، عند لا جدوى التبادلات بين دول المغرب العربي، وذلك في سياق جمود سياسي مطلق. إذ كان الأجدى أن يخصص مجلس الشورى المغاربي هذا اليوم لقراءة وتحليل الأثار السلبية، المهينة والضارة، للصحافة الجزائرية، على بناء  المغرب العربي، وعلى الصداقة المغاربية، وعلى التقارب بين الشعوب المغاربية. كما كان الأنسب أيضا مناقشة العقبات الدائمة والمستمرة التي تقف دون هذا المشروع الطموح، أولا بسبب عدم الاستقرار الدائم الذي يسود في الجزائر منذ 1989، ثم بسبب إصرار هذا البلد على خلق جمهورية للموز بالجنوب المغربي، والحال أن بلدا شاسعا مثل الجزائر بمساحته وساكنته وثرواته الطبيعية،  ما زال يواجه مشاكل ضخمة في تأمين الأمن الغذائي لساكنته".
وبخصوص تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون التي يراد منها، كما لا يخفى على جميع المتتبعين لملف الصحراء، تعقيد الأزمة مع المغرب، في محاولة من لصرف الانتباه عما يحدث داخل الجزائر من مشاكل جمة، على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي، والديبلوماسي أيضا، أكد صاحب الكتاب أنه "في أعقاب التصريحات الجديدة للرئيس تبون حول الصحراء، طالب مغاربة بسحب سفير المملكة بالجزائر، واستدعاء القائم بالأعمال الديبلوماسية الجزائرية بالرباط".
وأضاف: "في نظري، تندرج هذه التصريحات في إطار الاستمرارية، ولا تحمل أي جديد بالنسبة إلينا نحن المغاربة الذين تعودنا على مثل هذه التصريحات من طرف المسؤولين، على جميع المستويات ومن محتلف الدرجات، وفي جميع المنتديات الدولية.
إن الصدمة التي تعتري المواطنين المغاربة تكمن أساسا في تكرار مثل هذه التصريحات من طرف أعلى سلطة في الجزائر، والتي انطلقت منذ الحملة الانتخابية، ويتم تأكيدها في كل مناسبة، بما فيها حين توجه تبون إلى مواطنيه عشية الاحتفال بالذكرى الثانية للحراك "المبارك "، للإعلان عن سلسلة من الإجراءات بخصوص السياسة الداخلية، لثني الحراك عن التظاهر".
لقد اعتبر الرئيس تبون أنه "منذ فترة طويلة والمغرب هو المعتدي دائما"، وأن "القطيعة تأتي من المغرب، وبالضبط من النظام الملكي وليس الشعب المغربي الذي نحترمه".  كما كان لافتا قوله: "نحن لن نهاجم قَطّ جارنا، لكننا سننتقم إذا تعرضنا للهجوم، لكني أشك في أن المغرب سيحاول ذلك، خاصة وأن ميزان القوى على ما هو عليه". وهذا يوضح أن نظام العسكر الجزائري، الذي يختفي وراء الجالس في قصر المرادية، يناور من أجل تشتيت الانتباه عن الحراك الذي يطالب بدولة مدنية لا عسكرية، من خلال التصعيد مع المغرب لـ"إظهار عدو خارجي متربص بالجزائر، ويعمل من أجل زعزعة استقراره ونشر الفوضى فيه". والحال، كما يعرف الجميع أن الاحتجاجات الشعبية، التي تطالب بإنهاء الفساد والإطاحة بالنخبة الحاكمة القديمة وانسحاب الجيش من السياسة، لم تتوقف إلا في مارس 2020 عندما فرضت الجزائر إجراءات التباعد العام بسبب جائحة كوفيد-19 التي ضربت العالم"، وأنقذت الزعماء الجزائريين من قبضة حراك كان يتكرر أسبوعيا ويطالب بالإطاحة برموز الفساد في الجزائر.
 وذكر الطيب دكار، بخصوص عقيدة العداء المستحكمة في زعماء الجزائر، بما كان يفعله بوتفليقة أثناء استقباله لرؤساء الدول والمبعوثين الدوليين والديبلوماسيين، ذلك أن الرئيس الجزائري السابق "لم يكن يتردد، كلما استقبل رؤساء الدول الأجنبية، في إثارة قضية الصحراء أو ما يسميه الجزائريون "ثوابت" السياسة الخارجية لهذا البلد الجار. كما كان يقوم بالشيء نفسه أمام أعضاء السلك الديبلوماسي، بمن فيهم السفير المغربي". 
واستطرد الطيب دكار قائلا: "بالنسبة للمغاربة الذين لم يذهبوا قط إلى الجزائر، عليهم أن يعرفوا أن سفارة "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" تقع على بعد أمتار قليلة من مقر سفارة المملكة، علما أنه تعاقب على مقر  السفارة المغربية، التي تم تجديدها بشكل تام في بداية التسعينيات، ديبلوماسيون مرموقون، ورجال دولة، مثل وزير الشؤون لخارجية السابق، والوزير الأول السابق عبد اللطيف الفيلالي، والممثل الدائم للمغرب في الأمم المتحدة أحمد السنوسي، ووزير المالية السابق عبد القادر بنسليمان، والكاتب الدائم السابق لأكاديمية المملكة المغربية عبد اللطيف بربيش".
وتابع: "في سنة 1988، قام المغرب والجزائر بتطبيع علاقاتهما الديبلوماسية، عشية انعقاد القمة العربية غير العادية، بعد قطيعة بين البلدين استغرقت 14 سنة، وكانت قد قررتها المملكة بعد اعتراف النظام الجزائري بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية. ذلك أن الملك الراحل الذي استقبل مبعوثين جزائريين لتسليمه دعوة لحضور القمة، قال إنه لن يحضر قمة الجزائر، مادامت لا تربط بين البلدين أي علاقات ديبلوماسية. حينذاك سارعت الجزائر، التي كانت قد تعرضت لهزة سياسية واجتماعية عنيفة (أعمال الشغب الدامية في أكتوبر1988)، إضافة إلى المغرب، إلى انتهاز هذه الفرصة من أجل تطبيع علاقاتهما وتعيين سفيرين من الصف الأول في عاصمتي الدولتين.  ذلك أن العالم العربي كان محتاجا للظهور بمظهر المتحد والمتضامن. كانت تلك هي بداية التطبيع بين البلدين، ثم تبعها إنشاء اتحاد المغرب العربي. بيد أنه رغم تقدم  مسلسل بناء الاتحاد المغاربي، وخاصة وضع آليات الاتحاد، فإن ذلك لم يدفع الجزائر  إلى مراجعة موقفها من قضية الصحراء، بل ظلت، للأسف، سجينة شعارات وديماغوجية سنوات السبعينيات. إنه لمن المؤسف حقا أن نلاحظ أن هذه الإيديولوجيا منتشرة، حتى في صفوف النخبة الجزائرية. ذلك أن الجزائر التي دشنت أول حلقة من سلسلة متاجر "ماكدونالدز" (2021)، لم تفطن دون شك إلى أنه تم في ضواحي موسكو  افتتاح أسواق ممتازة ألمانية وأوربية، وأن تلك الدولة تنتهج، منذ سنوات، سياسة انفتاح اقتصادية حقيقية نحو الغرب. أما الجزائر التي تتوفر على ثروات طبيعية، فقد ظلت عاجزة بسبب اختياراتها السياسية والاقتصادية، بما فيها السياسة الخارجية، عن ذلك. لقد كان حريا بالجزائر، نظريا، أن تختار مسارا جديدا لتسوية مسألة الصحراء، وأن تتخلى، بكل جرأة، عن الإرث الكارثي والمدمر الذي خلفه النظام السابق، وذلك من أجل الشعب الجزائري، ومن أجل كل الشعوب المغاربية".