الجمعة 19 إبريل 2024
مجتمع

إدريس الأندلسي: الحاجة ماسة لتغيير مسار آسفي ..فأين مركز القرار؟

إدريس الأندلسي: الحاجة ماسة لتغيير مسار آسفي ..فأين مركز القرار؟ إدريس الأندلسي ومشاهد من آسفي
حينما أرافق بعض أصدقائي من أبناء مدينة آسفي في جولات داخل الأسوار التاريخية يخيل إلى أن الفناء قد عمها وهدمها وأوقف ساعتها منذ سنين. عشنا هم الاعتداء على قصر البحر البرتغالي الذي قاوم أمواج المحيط ولكنه استسلم أمام أمواج من مسيري الشأن العام الذين حان الوقت لكي يعطون الحساب.
دستور المملكة المغربية ينص بكل وضوح على ربط المسؤولية بالمحاسبة وعاهل البلاد يخاطب سكان القطاع العام والقاطنين في الحكومة والبرلمان والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية بكثير من الحث على خدمة المواطن.
وأشك بكثير من اليقين أن من تولوا أمر هذه المدينة يعرفون ماذا قال بن خلدون لسان الدين بن الخطيب عن حاضرة المحيط. من يسيطرون اليوم على صناديق الاقتراع لا علاقة لهم بقيم تتجاوز مستوى تعليمهم ومدى قدرتهم على تفكيك واقع عمقه صعب على من اكتفى بما تيسر من تعليم.
ويمكن القول بكثير من الأسف أن الاستهتار بالشأن العام وصل إلى درجة تحتم الكثير من المراجعات المؤسساتية والقانونية. إذا أصبحنا نعيش في غابة بدل مدينة بمفهومها الحضاري والسلوكي والقانوني، فلنتأكد أننا نسلك طريق الانحطاط.
زار ملك البلاد هذه المدينة واستمع إلى ممثليها وحكمائها وأصدر تعليماته لإعطائها وسائل إعادة هيكلتها. ولمن يريد أن يتأكد من فشل من دبروا أغلفة مالية كبيرة لإعادة هيكلة أزقة وأحياء زيارة المدينة في يومها البئيس والموغل في كل مظاهر النسيان والتهميش والفقر.
صرفت الملايين ونجح بعضهم في إعادة إنتاج القرية وسط مدينة آسفي العتيقة. ولو تحركت المفتشية العامة للإدارة الترابية لوقفت على أعلى تكلفة لخشب في العالم.
وقد تقف على تشويه صورة مدينة كانت هي الأولى التي صنفها المؤرخون كحاضرة وليس كقرية كما أراد لها أن تكون بعض من لم يعرفوا تاريخها ولكنهم استولوا على مركز القرار في تدبير شؤونها.
قال أحد الباحثين أن هذه المدينة تولاها من وصل إليها باسم "أيام نهاية الأسبوع" أي الويكاند في إشارة إلى جمعة سحيم وسبت جزولة وحد حرارة وغيرها من القرى المحيطة.
لعل الوضع حقيقي كما قد يكون نتيجة لتطور مدينة تحول محيطها إلى مركز القرار فيها. وللحقيقة وجب التأكيد أن كل الأحزاب مسؤولة عن تدهور المدينة.
من يجب أن نحاسب وكيف نحاسبه وهل يمكن ربط المسؤولية بالمحاسبة وهذه الأخيرة بمن دخل المدينة مثقلا بهموم الزمن ويعيش حاضرها بكثير من الانتهازية وقد أصبح من الوجهاء وذوي الثروات. خلال تدهور البنيات التاريخية، وصل جمع منسجم إلى مراكز القرار وكان القرار أن " ادخلوا واعبثوا وراكموا وتوغلوا " وكان القول أن المشكل في من أدلى بصوته وحتى من لم يدلي بصوته. وأصبح صاحب الصوت الهائج وصاحب المال القادم من غياهب واقع غريب من محتلي هذا الزمن الرديء الذي يشهد على التردي الحضاري وباستعمال قانون رديء يشوه كل شيء يشهد على تاريخ مدينة.
جمعيات المجتمع المدني التي لا قدرة لها إلا على العمل التطوعي والتضحية بوقتها وجهدها وشيء من مواردها، تحاول التصدي لحركة تدميرية ممنهجة.
كانت إثارة الرأي العام للاهتمام بقضية الهجوم على المعلمة التاريخية " قصر البحر " مجرد تلك القشة التي قصمت ظهر البعير. الأمر محزن فعلا ويتطلب تدخلا عاجلا للحكومة وخصوصا لوزارة الداخلية والوزارة الوصية على قطاع الثقافة. استهجان المواطنين للاعتداء على تاريخ مدينة، ودولة كانت، أدى إلى إعادة الأمر إلى نقطة الصفر. وهذا الصفر كلف الملايين في عملية البناء وعملية الهدم. ومن المسؤول على هدر المال العام. سؤال يجب أن يستفز مؤسسات المراقبة على مستوى وزارة الداخلية ووزارة الاقتصاد والمالية.
كل من يمر بساحة الاستقلال وساحة سيدي بو ذهب ينزعج لوجود ورش مجهول الهوية. الورش يخضع في كل جماعات وإقليم المغرب إلى القانون. حركة في وسط المدينة تدبرها مجموعة من العمال دون وجود أية إشارة إلى المشروع وتكلفته ومكوناته وشكله المعماري وآليات مراقبته. من المسؤول عن هذا الغياب المؤسساتي والقانوني. يشتغل بعض العمال بطريقة بدائية لتشييد نافورات في وسط ساحة الاستقلال وعدد هذه النافورات قد يتجاوز الستة في زمن صعب يتطلب تعبئة كبيرة للمحافظة على المياه.
رأيت هذه الساحة قبل سنين وكانت جميلة وبدل أن يعاد التوجه إلى إعادة ترميمها، هجم الإسمنت المسلح ليدمر ماضيها. وكم من تهيئة عمرانية جاءت بردا وسلاما على أصحاب مصلحة تمكنوا من تثمين موقعهم بواسطة صرف المال العام. ولو تحركت آليات التدقيق لتبين أن الصفقة العمومية تشوبها عدة ممارسات قد تكون خارجة عن القانون. وإذا تم التحقق، فقد يتبين أن المقاولة التي تنفذ المشروع قد تكون لا علاقة لها بالمنفذ الحقيقي للمشروع.
لا أدري إن كان لدى المصالح الترابية إمكانيات للمراقبة والتتبع والتقييم. الأمر الواقع هو أن البشاعة أقصت الجمال. ولمن يشك وجب عليه النظر بجلاء إلى صور قديمة لساحة الاستقلال للتأكد من غياب أي ابتكار فيما يتم ارتكابه من أخطاء جسيمة في حق مدينة من أعرق وأقدم مدن المغرب. لقد حان الوقت لتغيير أسلوب النظر في قضايا العمران والتاريخ ببلادنا. بعض التقنوقراط غير المهتمين بالتاريخ أو بالآثار، وجدوا أنفسهم امام قضايا تتجاوز إمكانياتهم ومساحة ثقافتهم وطمستواها. وكان ما كان من تهميش طاقات ومؤسسات تلعب الدور الكبير في استمرارية التحكيم المجتمعي.
وبدون الرجوع إلى الوراء وجب التركيز على تفعيل مقتضيات الدستور كقانون أسمى. من خالف المرجعية المرضاة من طرف المغاربة، عليه أن يعرف أن دوام الحال من المحال. سيأتي يوم تضع فيه الدولة قواعد المحاسبة فوق كل المقاييس وتكون صارمة جدا في محاسبة المسؤولين عن الشأن العام. نخبة تدبر الشأن العام يجب أن تتم محاسبتها وفقا للقانون الأسمى للبلاد ولمدى احترامها للظهائر الشريفة. والمحاسبة لا تعني العقاب فقط بل تعني كذلك الترقية كاعتراف بجهود العاملين الصادقين من غير المرتشين.
مدينة أسفي تستغيث لكي لا يضيع كنز من كنوز المغرب بسبب اللامبالاة. أهم معلمة تاريخية قد تتهدم في غد قريب ومؤسسات وزارية وترابية تلعب على إيقاع النسيان. منذ سنوات وقصر البحر ينتظر قوة الفعل ولكن لأصحاب القرار رأي آخر. هل بلغ بنا الاستهتار أشده وعجزنا جميعا على تنزيل خطة تمويلية لمشروع كبير. يا سبحان الله مهرجان يجمع كل أعمدة التفاهة يتفوق على مهرجانات لإنقاذ التراث التاريخي. نجد الأموال بسهولة لأشباه الفنانين ونترك معالما تاريخية عرضة للنسيان والإهمال بل ونبصم على التخلي على تقييم أثر الفعل الترابي على حساب.
حاضرة المحيط تعيش أزمة البقاء أو الدمار ولا يوجد مسؤول يساعد على إكمال بنية لتمويل إنقاذ مدينة. يا للعجب ويا مرحبا بالنكرات في موقع القرار السلبي ولله لك أيتها المدينة التي وقفت وحيدة أمام الغزاة بأسوارها حين كان المحيط لا يسجل إلا حضورا للمستعمر عبر مراكز لتسهيل حركة تجارته. ولكل ما سبق، سميت آسفي بحاضرة المحيط. قبل شهور احتفلت جمعيات آسفي بذكرى رحلة راع التي قطعت المحيط والتي رعاها ملك البلاد.حضرت سفيرة بلد منظم الرحلة وغابت السلطة المحلية بكل مكوناتها. ولكل هذا وجب أن تقود الدولة الورش الكبير لإعادة إعمار آسفي عبر وكالة وطنية لا تخضع إلا لسلطة مركزية. الأمر وطني بامتياز ولذاك وجب استحضار التاريخ بعيدا عن قواعد اللعب المحلي والإقليمي والجهوي.
وهذا المشروع الكبير يجب أن ترافقه كل آليات الرقابة والتقييم.
ولقد أصبح من الملح محاسبة الذين اغتنوا من خلال صفقات يعلم محتواها القاصي والداني في مدينة الإمام الجزولي. ومن يرفض المحاسبة فقد خان مبادئ العروة الوثقى. والبينة على من لا يمكن أن يثبت مصدر ثرواته التي لم تتراكم إلا من خلال الوصول إلى مركز قرار. والله المستعان على فضح كل من خانوا الأمانة واستغلوا بالمال الحرام.
ولكن الدولة تزيد قوتها وحصانتها بمعاقبة من كان معدما فصار غنيا لأنه لم يعر لقيم الدولة أي قيمة. غير هذا نذير شؤم موعد مع الفوضى واندثار للثقة والأمل المشترك في غد أفضل.