الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

حبيبي: الخريف ليس عنوانا لكراهية المدرسة

حبيبي: الخريف ليس عنوانا لكراهية المدرسة عبد الالاه حبيبي
في كل بقاع العالم يعيش الأطفال واليافعون والمراهقون حالة نفسية خاصة حينما يقترب موعد العودة إلى لقاء الطاولات وتتبع الدروس، والانقطاع المؤقت عن عالم اللعب والسمر والعشق والأسفار والتسلي الطويل بالهواتف النقالة، مع نسيان كل المسؤوليات باستثناء الحرص على نسج الأحلام التي تستبد بالروح وتشكل ملامح المستقبل المنشود..
لكن الخريف بدوره يطبع الدخول المدرسي بميسمه الخاص، حتى ولو تمدد الصيف بحرارته المرتفعة فلا يمكن أن يحجب عن الناس أن الوقت هو انطلاق فصل الخريف واستقبال سنة دراسية وسياسية جديدة بكل ما ينطوي عليه هذا الحال من انتظارات ومخاوف وشكوك قد تطبع الدخول بكثير من القلق والتوتر..
ينطق الدخول مع انطلاق فصل الخريف، يعني نهاية الاستجمام، والأسفار، والتحرر من كل التقاليد الرسمية، والعادات النمطية، والسلوكات العفوية، والعيش خارج كل الأنظمة الضابطة، ولعل هذا الشعور هو السبب في فرز حالة نفسية تتسم برفض هذا الموسم باطنيا، أي العودة إلى المدرسة، مما يجعل الإقبال عليه يطبعه شعور بنوع من الفتور المحفوف بالحنين إلى زمن الصيف المتواري خلف الشواطئ والجبال والوديان والمخيمات والفنادق وحتى الغابات والأزقة الشعبية التي تعرف في فصل الصيف حركة حياة لا تنقطع ليل نهار...
الخريف هو عنوان للركود والموت وبداية تساقط أوراق الشجر مع انتشار العواصف الرعدية مساء المصحوبة بزخات مطرية يليها أحيانا ارتفاع غير متزن في درجة الحرارة نهارا، مما قد يصيب الناس بنزلات برد قد تكون خطيرة حينما تجد أجسادا منهكة بالأمراض المزمنة...
الخريف هو بمعنى آخر عنوان للتوقف عن النشاط، وتغيير البوصلات الطبيعية والدماغية مع ما يفترض ذلك من استعداد نفسي واجتماعي له كلفة كبيرة حينما لا يكون الدخول مؤطرا من الناحية النفسية بشكل يسمح للصغار وحتى الكبار بالتحمس للقاء العمل والانتظام بسلاسة في إيقاعاته الثقيلة والمملة...
طبيعيا  جُبل الإنسان على كراهية العمل، والميل للتحلل من المسؤوليات والأنظمة التي تحد من حريته، وتفرض عليه بالمقابل الالتزام بضوابط تكبح سلوكه العفوي، وتزعج نزوعاته الفطرية نحو الكسل والنوم والابتعاد عن كل ما يعكر مزاجه وخاصة السلطة المفروضة التي تقدم نفسها كخصم لكل هذه الخصوصيات البشرية...الجنة هي الأصل والعمل هو نتيجة الطرد من حدائق هذه الجنة المفقودة...
اقتران الخريف بالدخول هو اقتران الضجر بالعمل، والفرح بالندم، والخوف بالحنين إلى ما قبل الخريف... للدخول المدرسي طقوس، وعلامات تجعله موسما بتوابل لا تساعد على بلع الوجبات المقترحة على التلاميذ، بل حتى المدرسين سرعان يا يشملهم هذا الحال حينما يسقطون تجاربهم الطفولية على وضعهم  المهني الحالي، حيث سيشعرون بالحسرة، وتعثر الخطى، وضعف الحماس، والتوجس من تلك الإدارة التي ستفرض عليهم نظاما خاصا، وتوقيتا معينا، وتنظيما محددا للدروس والمراقبة والعطل والحياة المدرسية عموما... كل شيء هو مشتق من القوانين والأنظمة المكرورة، حيث لا حضور  ولا استحضار لمشاعر وتطلعات المتعلمين والمعلمين في كل هذا الكرنفال الذي سيمر في بداية فصل سنوي طبعه المميز هو الاكتئاب والنفور من كل نشاط مهما كان  واجبا مهنيا ... كل هذا يجعل الخريف فصلا يعشقه الشعراء المنقطعون عن كل العادات النمطية، لأنه فصل تتجدد فيه الدورة الطبيعية، وتستأنف فيها أغلب الكائنات دورة الحياة،  في هذا الفصل المتعثر تشرع بعض السحب الرمادية في عبور سماء كانت زرقاء صافية لمدة شهور... لهذا أفضل أن يكون أول درس نستهل به السنة الدراسية هو قراءة وحفظ أي قصيدة شعرية تتغنى بالخريف وبالطبيعة التي ستحل معه وبالمشاعر التي ستصاحبه وذلك حتى  نسمح لكل مشاعر الكآبة والسوداوية بأن تجد تعبيرا جماليا لها قد يكون بلسما بيداغوجيا ومحفزا على الانتقال لمواضيع أخرى دون أن يشعر المتلعمون أنهم قد شرعوا فعلافي تلقي الدروس وحفظ النصوص...
كان أستاذ اللغة الفرنسية زمن الستينيات بمريرت يقترح علينا قصيدة الخريف للشاعر الفرنسي " الفونس دو لامارتين" نرددها بعدها كتابتها على السبورة جماعة ونحن  نتابع رفقة أستاذنا أطال الله عمره منظر طيور السنونو واللقالق وهي تحلق في سماء قريتنا، واستشعار حدث تساقط أوراق شجر الاوكالبيتوس وهي تغادر الأغصان في ساحة مدرستنا... لا زلت أحفظ القصيدة عن ظهر قلب.... لعل للخريف طعم آخر على المدرسين اكتشافه لتسهيل عشق المدرسة عند العودة إليها بعد صيف طويل وقاهر...
 
L'automne d'Alphonse de Lamartine Alphonse de Lamartine (1790-1869), grand poète romantique et lyrique, écrivain et homme politique, a publié Harmonies poétiques et religieuses en 1830. L'automne* (titre proposé pour la classe élémentaire) - extrait*

. Voilà les feuilles sans sève 
Qui tombent sur le gazon,
 Voilà le vent qui s'élève
 Et gémit dans le vallon,
 Voilà l'errante hirondelle 
Qui rase du bout de l'aile
 L'eau dormante des marais,
 Voilà l'enfant des chaumières 
Qui glane sur les bruyères 
Le bois tombé des forêts. 
L'onde n'a plus le murmure,
 Dont elle enchantait les bois;
 Sous des rameaux sans verdure 
Les oiseaux n'ont plus de voix; 
Le soir est près de l'aurore,
 L'astre à peine vient d'éclore
 Qu'il va terminer son tour, 
Il jette par intervalle 
Une heure de clarté pâle
 Qu'on appelle encore un jour.
Alphonse de Lamartine ("Harmonies poétiques et religieuses" - 1830)