الثلاثاء 16 إبريل 2024
مجتمع

أيت ابراهيم: الراحلة سمية العمراني قدمت نموذجا للترافع الحقوقي المبني على تملك المعرفة

أيت ابراهيم: الراحلة سمية العمراني قدمت نموذجا للترافع الحقوقي المبني على تملك المعرفة أحمد أيت إبراهيم رفقة الفقيدة سمية العمراني
بحلول يوم 18 غشت 2022، يكون عام مضى على وفاة الحقوقية سمية العمراني رئيسة تحالف الجمعيات العاملة في مجال إعاقة التوحد بالمغرب، والخبيرة المستقلة باللجنة الأممية المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والعضو سابقا بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان..
"
أنفاس بريس" تنشر بهذه الذكرى الأليمة، شهادات عن زميلات الراحلة وزملائها من الحقل الحقوقي، الذين جايلوها وخبروا نضالها وترافعها لفائدة الأشخاص ذوي الإعاقة..
شهادة اليوم، لأحمد أيت ابراهيم، خبير قضايا الإعاقة: 

يوم الأربعاء 18 غشت 2021، رحلت الصديقة سمية العمراني، امرأة كرست مسار حياتها للنهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، وجعلت من قضايا الإعاقة انشغالا مركزيا في حياتها، مساهمة بذلك في رسم سياسة جديدة في التعاطي الحقوقي مع الأشخاص في وضعية إعاقة، التي ينبغي أن تُصان وتُحمى كرامتهم المتأصلة كما كانت دائما تقول.
ونحن نستحضر روح الراحلة سمية، المرأة المعالجة لقضايا الإعاقة بفكر حقوقي٬ ومنظور اجتماعي متنور٬ وكم تفانت  في خدمة قضايا الإعاقة التي كانت تستحوذ على كل مشاعرها٬ ولاسيما حقوق الأشخاص ذوي التوحد.
تعرفت على الراحلة سمية، أواخر التسعينات، كأم قلقة على مستقبل ابنتها، تريدها أن  تعيش بكرامة كباقي أقرانها، والراحلة لم تكن تدري أنها سترسم مسارا نضاليا متميزا للتراقع من أجل جعل إعاقة التوحد في المغرب أكثر منظورية في السياسات العمومية.
لقد كرست الراحلة حياتها للمساهمة في بناء مجتمع دامج٬ مجتمع الكرامة والمواطنة وحقوق الإنسان،  فأوفت بما عاهدت عليه ضميرها، دفاعا عن حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة. 
في التسعينيات، واجهت الراحلة سمية حاجزين،   الحاجز الأول ويتعلق بسلبية   التمثلات المنتشرة حول  إعاقة التوحد، والحاجز الثاني  وهو الرفض الممنهج العنيد  للمدرسة في استقبال الأطفال ذوي التوحد.
نهجت الراحلة سمية أسلوب  الترافع المباشر مع الفاعلين العموميين، ولا سيما القطاعات المعنية، وهي مرحلة اتسمت بالصدامية، بل كانت تحرج  الفاعلين وهي تدافع عن الحقوق الأساسية للأشخاص في وضعية إعاقة، ومبدأ احترام التنوع في السياسات والبرامج العمومية، و لم يكن المسار ميسرا لها.
مرت الراحلة سمية بسياق ترافعي صعب جدا، وأتذكر أن   التدرج في إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كان يزعجها، وكانت تعتبر أن الفاعل العمومي سيجد دائما الذريعة للتماطل في الإعمال.
بعد مرحلة المواجهة، قررت الراحلة أن تنتقل إلى مرحلة الترافع المؤسساتي، حينها اقتنعت بأن الدفاع عن حقوق الأشخاص ذوي التوحد  يمر عبر الفعل الجمعوي، وهكذا أسست، بمعية أمهات وآباء معنيين بالإعاقة، جمعية تُعنى بالنهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، وبعد ذلك بسنوات دخلت في مسار التخصص الحقوقي الفئوي، حيث أسست أول تحالف جمعوي خاص بإعاقة التوحد.
لقد اقتنعت الراحلة سمية أن فعالية الترافع مقرونة بإذكاء الوعي الحقوقي، وأن الهامش الترافعي، وإن كان ضيقا،  يمكن من خلاله تحقيق إعمال  الحقوق، كما اقتنعت الراحلة  أن الطريق الوحيد لمساءلة الفاعل العمومي، هو الترافع على أساس معرفي علمي، وهو ماجعلها تساهم في دراسات وبحوث ونقل الخبرات والممارسات الفضلى الدولية  إلى المغرب. وقد كان لها الفضل في نقل تجارب وخبرات دولية، من قبيل برامج العلاج السلوكي، وكثيرا ما واجهت ردود فعل عنيفة  من بعض المختصين الممارسين المنزعجين من  الطرق والممارسات المستجدة.
وما زاد من وجاهة ونجاعة الترافع لدى الراحلة في العقد الأخير، هو السياق السياسي الذي عرفه المغرب، ولاسيما بعد المصادقة على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة  في 2009، ودستور 2011  الذي كرس في ديباجته وفي أحكامه إعمال حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، وقد شكل ذلك سندا سياسيا قويا للمساءلة والترافع من جهة، كما أن عضويتها في المجلس الوطني لحقوق الإنسان ساهم في الارتقاء  بقدراتها الترافعية من جهة أخرى، وقد صرحت لي بأنها مدينة لهذه المؤسسة الوطنية،  التي مكنتها من التمرس على   الترافع الحقوقي، كما ساهمت الثقة الشخصية لكل من رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان ورئيس ديوانه في منظورية قضايا الإعاقة داخل أجندة المجلس، وهو ما مكن  الراحلة سمية من التعريف بقضايا الإعاقة من داخل أجهزة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وتجلى ذلك في العديد من التقارير الموضوعاتية والآراء الاستشارية.
جمعتني بالراحلة سلسلة لقاءات واستشارات ودراسات، وإجمالا ساور الراحلة قلق كبير  حول أربعة مواضيع حقوقية، وهي الحق في الحماية الاجتماعية، والاعتراف بالأهلية القانونية والحق في التربية والتعليم، وأخلاقيات الممارسة المهنية.
لقد كانت تترافع من أجل حماية اجتماعية شاملة ودامجة protection sociale inclusive ، لأن  الإعاقة تُضعف المستوى الاقتصادي والاجتماعي   للأشخاص والأسر، كما كانت تعتبر أن المدرسة هي مجال  التمكين  الحقيقي، وكانت الراحلة ترفض تصنيف الأشخاص، وربط ولوج المدرسة بدرجة الإعاقة، كانت تعتبر الحق في التربية حقا مطلقا، كما كانت للراحلة سمية  قناعة راسخة، وهي  أن الأهلية القانونية تترجم الكرامة المتأصلة للشخص.
وقبل رحيلها بسنة، تواصلنا حول فكرة مشروع حول  موضوع  الممارسات والأخلاقيات في مجال الإعاقة، وفي هذا الإطار كنا نجتمع لإنجاز هذا المشروع  المشترك، وكان يشاركنا  الاستاذ سعيد الحنصالي، لكن لم يسعف الزمن لإنجاز ذلك،  وتوقف المسار بفعل انتشار وباء كوفيد 19 من جهة وتزاحم الانشغالات. 
وختاما، لقد  تميزت الراحلة سمية بقدرتها على الإبداع والابتكار والتجديد، أدخلت مفاهيم وبرامج جديدة، من قبيل العلاج السلوكي للتوحد، وكذلك مفهوم المناصرة الذاتية autoreprésentativité  للشباب ذوي التوحد، كما تميزت بتوظيفها للفن كأسلوب في إذكاء الوعي، وصاغت شعارات متميزة، كانت كافية لنقل رسائل قوية، من قبيل  ( توحدي أنا مختلف مثلك)، وغيرها من الشعارات.
تميزت الراحلة سمية بالتثقيف الذاتي المستمر، وكانت لها  قدرة كبيرة  على الكتابة، كما كانت لها  منهجية ترافعية متميزة؛ تتحرى صدقية المعلومة أولا، ثم تبحث عن التأصيل المعرفي لموضوع المعلومة، لتشرع بعد ذلك في صياغة رد أو بيان أو توضيح حسب طبيعة الموضوع، وكم كانت حريصة على الاستشارة، من خلال تواصلها المستمر مع مختلف المختصين، لتسأل عن مضمون معرفي أو فكرة أو  مصطلح أو موضوع ما، حريصة أن لا تقدم مغالطات أو أخطاء في ترافعها.
وقبل دخول الراحلة  للاستشفاء بأيام، تواصلنا معا  حول إعداد أوراق لملتقى علمي مع اليونسكو، ويتعلق بإعداد ميثاق وطني للنهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة في المغرب، وكانت تتواصل وتناقش تفاصيل المشروع، ونظم اللقاء يوم 28 يوليوز 2021 بالرباط، ولم تحضر  سمية هذا اللقاء، كانت تخضع يومها للعلاج، بل كانت  تستعد  للرحيل.
كانت سمية العمراني طاقة متجددة لا تتحمل الفراغ الزمني، سخرت جهدها ووقتها وصحتها للنهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، وعلى طول درب هذا العطاء نسيت الراحلة نفسها٬ ولم تبال بما كان يهدد صحتها.
الراحلة  سمية، اقتسمت معها مسارا فكريا وجمعتنا نقاشات في محطات متميزة، ظل يحترمها سواء من اشترك معها الفكر والمواقف، أو من  اختلف معها، وقدمت نموذجا للترافع الحقوقي المبني على تملك المعرفة، امرأة لها قدرات ومقومات متميزة  لا توفرها المدارس والمعاهد.
“نامي مطمئنة، راضية، مرضية، هكذا ترحل الخالدات”.