السبت 20 إبريل 2024
مجتمع

خديجة مروازي: سمية العمراني عنوان المحبة المتدفقة والتقدير الأصيل

خديجة مروازي: سمية العمراني عنوان المحبة المتدفقة والتقدير الأصيل المرحومة سمية العمراني ( الثانية من اليمين) و خديجة مروازي ( الثانية من اليسار)
بحلول يوم 18 غشت 2022، يكون عام مضى على وفاة الحقوقية سمية العمراني، رئيسة تحالف الجمعيات العاملة في مجال إعاقة التوحد بالمغرب، والخبيرة المستقلة باللجنة الأممية المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والعضو سابقا بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان..
"أنفاس بريس" تنشر بهذه المناسبة، شهادات عن زميلاتها وزملائها من الحقل الحقوقي، الذين جايلوها وخبروا نضالها وترافعها لفائدة الأشخاص ذوي الإعاقة.. في هذا الإطار ننشر شهادة، الحقوقية خديجة مروازي، الكاتبة العامة السابقة لمؤسسة الوسيط:
 
بعض العلاقات الجميلة يمكن أن يبحث لها المرء طويلا دون أن يجد الجواب عن متى بدأت وكيف تخلقت ونسجت خيوطها وظلالها بالقلب، بعض العلاقات الجميلة يمكن أن نسترجع صورا لها دون أن نستطيع القبض على زمنيتها وترتيب معطياتها، هذا ما جرى ويجري بخصوص علاقتي بالفقيدة الغالية سمية العمراني، تعرفنا على بعض خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة، وحين أحاول ترتيب ذاكراتي وسل بعض الذكريات للقبض على بداية تعارفنا تحضرني فقط بعض الإشارات.
يحضرني من جهة كون شفيقة الهبطي صديقة مشتركة لنا معا، كما يحضرني أيضا  كون سعيد الحنصالي صديق مشترك  لنا معا، هل فعلا،  لا أتذكر كيف تعرفت على سمية، أم أن هناك بعض العلاقات الجميلة جدا ، بوعي أو غير وعي منا، نحن من يقاوم جعلها تخضع لمنطق الولادة والبداية الاعتيادية ، لأنه وببساطة يغمرنا عمرها الفعلي حين يقاس بميزان المحبة والأحاسيس النبيلة والثبات على التقدير، وليتجاوز هذا العمر الفعلي ذاك العمر الافتراضي المؤطر  بالأرقام.
هكذا هي سمية العمراني بالنسبة لي عنوان للمحبة المتدفقة والتقدير الأصيل.
سمية هي القطار المكوكي الذي لا يتعب وهو يخيط المسافات حتى في المناطق التي لا توجد بها سكك حديدية، يقف القطار في كل المحطات لينزل من ينزل ويصعد من يصعد.. 
لكن سمية لا تترك غرفة القيادة ولا تغير خط الرحلة، رحلة البحث عن معنى للإنصاف حين يكون الاختلاف اسما وفعلا يؤطر بشكل ملزم اليومي في حياتها.
ذات يوم من أيام سنة 2011، اتصلت بالعزيزة الغالية سمية، والتقينا بمقر جمعية الوسيط بزنقة الخطوات أنداك، وفاتحتها في موضوع ترشيح الوسيط لها بشأن عضويته بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وبسطت أمامها الحيثيات والأسباب،
ونحن نتجاذب أطراف الحديث والنقاش حول المؤسسة والعضوية والأدوار والوظائف والاختصاصات، كانت سمية مأخوذة بانشغالاتها التي تنهض من صميم التحديات التي تجابهها يوميا حركة حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة بمختلف روافدها، وتدفع بالنقاش حول ما ينبغي أن ينجز أولا من داخل الجمعيات ذات الصلة.
وفي لحظة، ما أزال أحمل وشمها في ذاكرتي، كان لا بد أن أستل كل الاعتبارات والسند لإقناع امرأة متمرسة أسريا وفكريا وعمليا، وفي اشتباك يومي مع الحالات والقضايا موضوع انشغالها، بجدوى الانتقال من النضال اليومي عن القضية من الموقع المدني، للدفاع عن نفس القضية من داخل مؤسسة دستورية من حجم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، 
وهو الانتقال الذي لا شيء يسقط معه  في الطريق حين تكون القناعات راسخة، وليغدو مجرد تركيب وتكامل  بين مستويي التموقع المدني و المؤسساتي، ومن دون أن يعني ذلك ترك مجال والالتحاق بمجال أخر.
كان لا بد من الدفع بالفكرة إلى أقصاها، وهو ما أطر حوارنا لتحديد ملامح الحلم ولتلتقط سمية المعنى والدلالة لضرورة انخراطها للنضال والدفاع من داخل المؤسسات.  
- فبدل أن تطرق سميتنا  هذا الباب وتدق ذاك الباب للترافع  من أجل المعنيين مباشرة وأصحاب المصلحة، فلتحاول بهذه العضوية أن تكون هي من يفتح الباب بدل أن  تتيبس أصابع يدها من الطرق والدق على باب قد يتعطل في تصريف فتحه وانفتاحه.
سمية بابتسامتها وبالبريق الجميل لعينيها وبذكائها الاستباقي، لم تكن لتترك النقاش  يتمدد أكثر، التقطت الرسالة وبصمت على خوض الرهان والمغامرة.
أقولها اليوم صراحة، كان رهانا وكانت مغامرة أن ترشح جمعية عامة في مجال حقوق الإنسان ممثلتها لتحمل قضية خاصة ولتعزز إلى جانب  أصدقاء لها حضور هذه القضية ضمن تركيبة المجلس، في الوسيط كنا  ندرك بأن رهان توطين قضية من مستوى الأشخاص في وضعية إعاقة بمؤسسة دستورية من قبيل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لن يكون سهلا ضمن مجال سيتواجد فيه حاملوا كل قضايا حقوق الإنسان في تدافع يصل حد التنافس المشروع، لكن غير الرحيم  أحينا كي تتبوأ انشغالات وقضايا كل من هذه التعبيرات جدول أعما ل المجلس.
غير أن هذا الرهان في تقديرنا كان محاطا بتحفيز  يؤكد على الضمانات بخصوص الأدوار والاختصاصات الجديدة لهذه المؤسسة، والمعززة للحقوق والحريات.
كما كان الرهان أيضا على رجل من حجم ادريس اليزمي كرئيس لهذه المؤسسة، وكمناضل أصيل  خبر النضال عن كل القضايا، وكمدافع شرس على كون الحقوق كلية لا تقبل التجزيئ. 
ولأن سمية ستتمكن من رفع التحدي في إسماع صوتها ضمن تعدد وتنوع الأصوات المتاحة داخل تشكيلة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، فإن منجز الفقيدة وأصدقاء لها بالحركة من داخل المجلس، والذي يسلط الضوء على جزء منه الصديق س عبد الرزاق الحنوشي في مساهمته، يشهد بحجم الجهود والتضحيات والمثابرة التي جعلت رفع التحدي وكسب الرهان ممكنا. 
مع سمية ورفاقها رفع التحدي وكسب الرهان، حيث لم تحضر القضية فقط جدول الأعمال بل تصدرته برنامجا ودراسات وملتقيات وحملات وأنشطة وتمثيلية دولية.
هل كان للموت عراب الأسى البشري أن يختطف منا كل هذا الضوء.
الموت لا يواجهنا، الموت فقط يفجعنا حين يفاجئنا، يتسلل خفية في المرض، في أقبية الجسد، وأبدا لا يرى.
 كل ما يمكننا تملكه لمواجهة الموت كحق وحقيقة، وكل هذا الغياب المفجع لفقيدتنا الغالية سمية، هو الوفاء للقيم وللقضايا التي وهبت حياتها لها، كأمانة تنتقل من يد ليد ومن  جيل لجيل."