الأربعاء 24 إبريل 2024
مجتمع

الحنوشي: سمية العمراني.. 10 محطات في مسيرة امرأة استثنائية

الحنوشي: سمية العمراني.. 10 محطات في مسيرة امرأة استثنائية المرحومة سمية العمراني رفقة عبدالرزاق الحنوشي في دورة تدريبية لجمعية الوسيط. بوزنيقة 2012
بحلول يوم 18 غشت 2022، يكون عام مضى على وفاة الحقوقية سمية العمراني، رئيسة تحالف الجمعيات العاملة في مجال إعاقة التوحد بالمغرب، والخبيرة المستقلة باللجنة الأممية المعنية بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والعضو سابقا بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان..
"أنفاس بريس" تنشر بهذه المناسبة، شهادات لزميلاتها وزملائها من الحقل الحقوقي، الذين جايلوها وخبروا نضالها وترافعها لفائدة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة..
شهادة اليوم، للحقوقي عبدالرزاق الحنوشي، والتي صدرت ضمن مؤلف جماعي تكريما للمرحومين: سمية العمراني ومحمد الخاديري، تحت عنوان: "المحن والآمال"، تحت إشراف إدريس اليزمي، الرئيس السابق للمجلس الوطني لحقوق الانسان، عن دار النشر ملتقى الطرق 2022: 

 
رغم أن القدر لم يمهلها الوقت اللازم لتنجز كل ما كانت تصبو إليه وتسعى لتحقيقه، فقد تمكنت الفقيدة العزيزة سمية العمراني (55 سنة) من أن تساهم في تعزيز جهود الحركة الحقوقية عامة والنسيج الجمعوي المنشغل بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة بشكل خاص، وسيكون من الصعب علي شخصيا الإحاطة بمجمل منجزها في هذا المجال، لذلك سأقتصر فقط على ما سميته "محطات " في مسيرة هذه المناضلة الفذة، سأتناول المبادرات والإسهامات التي أتيحت لي فيها الفرصة لأكون إلى جانب الفقيدة، شاهدا أو مواكبا أو شريكا أو محاورا. 

لقد تعرفت على المرحومة أول مرة في جمعية "الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان " سنتين تقريبا بعد تأسيسها سنة 2007، ويرجع الفضل في ذلك إلى الصديقة العزيزة خديجة مروازي، الكاتبة العامة السابقة لمؤسسة "الوسيط"، والتي كانت أيضا صاحبة المبادرة في ترشيح المرحومة لعضوية المجلس الوطني لحقوق الإنسان سنة 2011، ومنذ ذلك التاريخ توطدت علاقتي بالمرحومة في إطار مهني، بحكم المهمة التي كنت أضطلع بها مديرا لديوان رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الصديق ذ. إدريس اليزمي (2011-2018).
 
- المحطة الأولى: كان أول إسهام نوعي للمرحومة سمية العمراني (رفقة زملائها الآخرين)، الحرص على أن تحظى حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة بأقصى درجات الاهتمام في خطة عمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان ولذلك عملت على أن يتصدر هذا الموضوع الاستراتيجية التي تبناها المجلس وكانت المرجع في كل مبادراته اللاحقة، وأساسها اعتبار حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة جزء أصيل في منظومة حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، واليقظة المستمرة بخصوص كل السياسات العمومية والتشريعات التي لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بهذه الفئة من المجتمع.

- المحطة الثانية: المساهمة الوازنة للفقيدة في مجمل الآراء والدراسات والتقارير والمذكرات التي أصدرها المجلس الوطني لحقوق الإنسان خلال الولاية المنصرمة، وأخص بالذكر هنا: المجهود الاستثنائي الذي بذلته المرحومة (بمعية زملاء آخرين) في الإعداد وتأطير كل محطات التشاور مع طيف واسع من المهتمين وأصحاب المصلحة غطى مجمل التراب الوطني، تمهيدا لبلورة الرأي الاستشاري للمجلس الوطني لحقوق الانسان بشأن مشروع القانون-الإطار رقم 97-13 المتعلق بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها الصادر سنة 2016.

- المحطة الثالثة: المشاركة المتميزة والقوية للمرحومة في تنظيم وإنجاح الدورة الثانية للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان بمراكش في نونبر 2014، ولاسيما مساهمتها الكبيرة في إعداد وتنفيذ مختلف الورشات والندوات والأنشطة ذات الصلة بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، وكانت مناسبة لتبادل التجارب والخبرات بين عدة فاعلات وفاعلين في مجال الإعاقة من مختلف البلدان واستكشاف إمكانيات جديدة للعمل المشترك والتشبيك وهو ما حرصت المرحومة على الاهتمام بها وتيسير استفادة أكبر عدد من الجمعيات في هذا المنتدى العالمي الذي شهد مشاركة ما لا يقل عن عشرة آلاف مشارك (ة) من مختلف بقاع العالم. 

- المحطة الرابعة: حرص المرحومة سمية العمراني خلال مختلف محطات إعداد المجلس الوطني لحقوق الانسان لمسودة قانونه (الذي سيحمل رقم 76-15  لاحقا بعد أن يصل إلى الحكومة والبرلمان، حرصها الشديد بأن تتوفر للآلية الوطنية المعنية بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والمحدثة ضمن هذا القانون، كل الضمانات والوسائل للقيام بمهامها وذلك بملاءمة المقتضيات ذات الصلة مع ما نصت عليه الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي صادق عليها المغرب، وحرصت المرحومة ألا يبقى النقاش حول هذه الآلية محصورا في إطار ضيق، ولذلك عملت على تنظيم وتأطير مجموعة من اللقاءات والورشات التشاورية والتواصلية والترافعية. 

- المحطة الخامسة: انشغال المرحومة سمية العمراني بمجمل القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان بشكل عام، لم يجعلها تغفل قضيتها الأولى والأساسية وهي الاهتمام بالتوحد، وقد كان لها في هذا المجال مبادرات وأعمال نوعية ومهيكلة، ويمكنني أن أزعم أن إليها يرجع الفضل بالأساس في تصحيح الفهم الذي كان سائدا ومهيمنا حول التوحد.

يرجع إليها الفضل أيضا في جعل المجلس الوطني لحقوق الانسان، لا يكتفي بدعم ومواكبة عمل الجمعيات العامة في هذا المجال، بل أن يصبح فاعلا وشريكا أساسيا في المجهود الجماعي لإذكاء الوعي بشأن هذا الموضوع ولا أدل على ذلك قدرتها على إقناع المجلس في تبني الحملة الوطنية التواصلية حول التوحد في دورتها الأولى في أبريل 2014، والترافع بقوة لجعل المجلس طرفا أساسيًا في المؤتمر الدولي الأول حول التوحد الذي نظم في نفس التوقيت من قبل تحالف الجمعيات العاملة في مجال التوحد ووزارة التضامن والأسرة والتنمية الاجتماعية، ولعل بعض الصديقات والأصدقاء يتذكرون حجم الصعوبات و العوائق  والمحن التي واجهتها المرحومة في هذا السياق والتي لا يسمح المقام للخوض فيها. 

- المحطة السادسة: الاهتمام الخاص الذي أولته الفقيدة سمية العمراني لموضوع المشاركة السياسية للأشخاص في وضعية إعاقة، والذي كرست له جهدا معتبرا خاصة من خلال مساهمتها القيمة في إغناء المذكرة التي أصدرها المجلس الوطني لحقوق الانسان في 11 فبراير 2015 بعنوان: "45 توصية من أجل انتخابات أكثر إدماجا وقربا من المواطنات والمواطنين"، وقد تضمنت مجموعة من التوصيات تهم إقرار ما يعرف بالتدابير التيسيرية والتحفيزية لضمان الحق في المشاركة لهذه الفئة. نفس الجهد بذلته المرحومة داخل المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مجال الترافع والسعي إلى التأثير في القرار العمومي ومن ذلك التوصل إلى إقناع السلطة الحكومية المكلفة بتنظيم وإدارة العمليات الانتخابية (وزارة الداخلية) بإدماج مجموعة من التدابير التي كانت موضوع مذكرة خاصة أعدها المجلس لهذه الغاية، والتي سبقتها ورشات تشاورية مع عينة تمثيلية لمختلف الجمعيات والمعنيين بمجمل أصناف الإعاقة (الإعاقة الحركية، المكفوفون وضعاف البصر، الصم والبكم.. إلخ)، وكان للمرحومة دور هام وحاسم في هذا المجال. 

- المحطة السابعة: المجهودات المقدرة التي بذلتها المرحومة سمية العمراني لإنجاح مشاركة المجلس الوطني لحقوق الإنسان في الدورة 22  للمعرض الدولي للكتاب والنشر بالدارالبيضاء في فبراير 2016، والتي خصصت لموضوع حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة واتخذت شعارا لها : "إعاقة، حقوق ومواطنة "، وتوجت بحصول رواق المجلس على الجائزة الكبرى لأفضل رواق سهل الولوج وملائم للأشخاص في وضعية إعاقة، وقد حرصت المرحومة على تملك الجمعيات لفضاء المجلس وجعله منصة لتلاقح التجارب وتخصيبها وتقديم نماذج من التجارب الناجحة أيضا للإكراهات والصعوبات التي تواجه عمل الجمعيات العاملة في مجال الإعاقة. 

- المحطة الثامنة: من الحقوق الأساسية التي ناضلت المرحومة سمية العمراني من أجل تكريسها لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة ولاسيما الأطفال منهم، الحق في التعليم والتكوين، وفي هذا الإطار يمكن اعتبار المرحومة من بين أقوى المدافعات عن المقاربة الدامجة والقطع مع تجارب البنيات المغلقة (الغيتو) والتي تبينت عدم جدواها ونجاعتها، وقد حملت الفقيدة معها هذا الهم إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان وكان لها مساهمتها الفعالة في العديد من المبادرات لعل أهمها المذكرتين التي أعدهما المجلس الأولى بعنوان: "إعمال الحق في التربية والتكوين للأشخاص في وضعية إعاقة " - فبراير 2015 ، والثانية بعنوان: "من أجل إعمال متساو ومنصف للحق في التربية والتكوين" - فبراير 2016. والتي وجهت في وقتها للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي وتم نشرهما ضمن سلسلة: "مساهمة في النقاش العمومي".  

- المحطة التاسعة: من المؤكد أن للمرحومة إسهامات ومبادرات تتجاوز بكثير ما أشرت إليه في هذه السطور، وإضافة إلى ما سبق من محطات لابد أن أشير إلى الحضور الوازن والمتميز للمرحومة سمية العمراني على الساحة الدولية وخاصة على مستوى تمثيل المجلس الوطني لحقوق الإنسان في عدة دورات مجلس حقوق الإنسان بجنيف ونيويورك وفي منتديات دولية وقارية وجهوية متعددة. وما انتخبها في 30 نونبر 2020 عضوا في اللجنة الأممية للدول الأطراف في اتفاقية حقوق الاشخاص ذوي الإعاقة، إلا تتويجا لعملها واعترافا بجهودها لفائدة حقوق هذه الفئة.

- المحطة العاشرة: لعل أن أهم إنجازات المرحومة سمية العمراني ريادتها في توحيد جهود أسر الأطفال التوحديين وتنظيم عملهم في إطار جمعيات أولا تم في إطار تحالف الجمعيات العاملة في إعاقة التوحد الذي تأسس سنة 2006 بفضل مجهود جماعي أكيد، لكن بمساهمة فارقة ووازنة للمرحومة، وأعتقد أن أهم إنجاز لهذا التحالف، ضمن إنجازات عديدة، هو نجاحه في إذكاء وعي المجتمع حول إعاقة التوحد التي وإلى وقت قريب، كانت غير معروفة بالكيفية الصحيحة، بل إن النظرة المهيمنة كانت هي اعتبار التوحد مرضا نفسيا (مرض الدهان) بناء على آراء بعض الأخصائيين النفسانيين، ونتيجة للعديد من المبادرات التي قام بها التحالف ثم ترسيخ التعريف المتعارف عليه دوليا للتوحد باعتباره "اضطراب نمائي يؤثر على مهارات التفاعل الاجتماعي والتواصل والسلوك ولا يعالج بالأدوية والعقاقير (كما كان الأمر لدى الأطباء النفسانيين) بل يعالج بالتدريب والتأهيل والدمج". 

وانطلاقا من ذلك توجه اهتمام التحالف إلى مجال التربية والتعليم كأولوية مدافعا عن خدمة عمومية دامجة في هذا المجال والقطع مع ما كان سائدا (ولا يزال للأسف) من حرمان هذه الفئة من حقها في التمدرس أو عزلها فيما يسمى بالبنيات المتخصصة (أو ما يمكن اعتباره غيتو).

هذا التوجه هو ما سبق أن تنبهت إلى خطورته اللجنة الأممية المعنية بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة وضمنته في ملاحظاتها الختامية بشأن التقرير الأولي للمغرب في شهر غشت 2017 ، إذ أعربت عن قلقها بشأن: "انتشار تعليم خاص منفصل في الدولة الطرف وتدني عدد المتمدرسين ذوي الإعاقة في نظام التعليم العادي، وفصوله الدراسية والحواجز التي يواجهها الطلاب ذوو الإعاقة فيما يتعلق بالوصول إلى المدارس العادية مثل طول المسافة، ونقص المعلمين المدربين في مجال التعليم الجامع (الدامج)، ونقص المناهج الدراسية الميسرة الاستعمال وضعف الإلمام بلغة الإشارة والمواقف السلبية في المجتمع المناهضة لالتحاق الأطفال ذوي الإعاقة بالمداس العادية، وعدم اتخاذ تدابير لتوفير الترتيبات التيسيرية المعقولة في مجال التعليم، وعدم وجود آلية للإبلاغ يلجأ إليها الآباء والأطفال ذوو الإعاقة الذين يحرمون من إمكانية الحصول على التعليم أو الترتيبات التيسيرية المعقولة ضمانا.