الجمعة 19 إبريل 2024
فن وثقافة

الزرهوني يجيب عن سؤال: هل "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ هي نفسها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ (5)؟

الزرهوني يجيب عن سؤال: هل "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ هي نفسها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ (5)؟ الباحث حسن الزرهوني رفقة الزميل أحمد فردوس ولوحة فنية تعبيرية

بساحل "الكاب" بشاطئ البدوزة، ومن فضاء محرابه الفني الذي يعكس مدى عشقه للثقافة والفن والموروث التراثي المتعدد والمتنوع، استقبل الموسيقي والفنان التشكيلي حسن الزرهوني جريدة "أنفاس بريس" بابتسامته العريضة التي تحكي عن مسار رجل طيب وإنساني، مواظب على خلق الحركة والنشاط والحيوية داخل مرسمه الفني.

حسن الزرهوني الذي خبر ركوب البحر وأمواجه، وامتطى صهوة الريشة والألوان الزاهية، ليترجم أحاسيسه إلى أنغام بأوتار تروي سيرة الإنسان والمجال في علاقة مع أحداث ووقائع التاريخ المحلي والوطني، التي كتبت بطولاتها وملاحمها فرسان أرض الحصبة في زمن الظاهرة القايدية.

في هذا السياق نقدم للقراء سلسلة حلقاتنا مع ضيف الجريدة الذي سيجيب من خلالها عن أسئلة تروم تصحيح الخلط الذي وقعت فيه المنابر الإعلامية وامتد إلى الإنتاج الدرامي والمسلسلات والأفلام والمسرحيات التي كتبت نصوصها وتم إنتاجها وتسويقها ارتباطا بشخصية وعيطة "خَرْبُوشَة"؟

لقد تحدثت منابر الإعلام السمعي والبصري والمكتوب عن "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ والمغنّية بإطناب، وتناولت علاقتها بالقائد الكبير عيسى بن عمر العبدي التمري البحتري، وانتفاضة أولاد زيد ضد نفس القائد، حيث تم إسقاط قصيدة بأكملها على أن الشِّيخَةْ "خَرْبُوشَةْ" هي صاحبتها، وامتد هذا الخلط والإسقاط إلى بعض المسلسلات والأفلام والمسرحيات التي تناولت الموضوع، حتى أصبح المتلقي يؤمن بأن "خَرْبُوشَةْ" هي صاحبة هذا الكلام. وقبل تصحيح هذا الخلط والإسقاط لابد أن نطرح مجموعة من الأسئلة الجوهرية ذات الصلة:

هل فعلا "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ هي نفسها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ؟ وهل عيطة "خَرْبُوشَةْ" هي من إنتاج الشِّيخَةْ خَرْبُوشَةْ؟ وهل الأبيات الشعرية التي ألّفتها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ هي نفسها المذكورة في عيطة "خَرْبُوشَةْ"؟ وكيف تم تأليف عيطة خَرْبُوشَةْ؟ ومن هي حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ؟ ومن هي خَرْبُوشَةْ اَلشِّيخَةْ أو اَلْعِيَّاطَةْ أو اَلْمُغَنِّيَةْ؟

يقول مطلع قصيدة عيطة خربوشة:

"خَرْبُوشَةْ واَلْحَمْرَةْ وزَرْوَالَةْ ولَكْرَيْدَةْ وُهُمَا رَبْعَةْ مَحْسُوبِينْ".

من المعلوم أنه في تلك الفترة التاريخية كانت النساء تغني بشكل مستقل عن الرجال، لاعتبارات دينية تتحكم فيها الزوايا في منطقة عبدة، كالزّاوية التّيجانية بفَخْذَةْ تَمْرَةْ، والتي كانت مدعمة ماديا ومعنويا من طرف القائد عيسى بن عمر، ومعفاة كذلك من الرسوم و الواجبات التي تؤديها الزوايا الأخرى في قبيلة عبدة.

لم تكن الزّاوية التّيجانية متشدّدة بتراكمات السلف الصّالح، بل كانت تتميز بالليونة والعمومية، حيث راكمت رأسمالا رمزيا وشرعيا بالمقارنة مع الزوايا الأخرى، وأصبحت زاوية منفتحة على المستوى المذهبي والطرقي وحتى التنظيمي.

في سياق متصل، كانت الفرق الموسيقية النسوية منتشرة في كل من مدن فاس ومراكش والرباط، مثل فرقة الشّيخة بْرَيْكَةْ بَنْتْ عَلَّالْ، والشّيخة لَفْرٍيزَةْ، والشّيخة التُّونْيَةْ، والشّيخة زِينَبْ الرْبَاطِيَةْ، والشّيخة لَحْوِيجَةْ، وغيرهن من المجموعات الموسيقية. وكانت كل هذه الفرق الموسيقية النسوية مطلوبة في الأفراح والمناسبات المخزنية، حيث تقدم عروضها الفنية ذات الصلة بنمط غناء الملحون والشْـﯕُورِي وطرب الآلة، وحتى نمط الحوزي حسب التوزيع المجالي الجغرافي.

 "رْبَاعَةْ" الشِّيخَةْ خَرْبُوشَةْ التي حملت اسمها الفني

في هذه الفترة التاريخية تميزت الفرقة الموسيقية النسوية برآسة الشّيخة خَرْبُوشَةْ بإتقانها العيطة الحصباوية خصوصا عيطة "خَرْبُوشَةْ" التي حملت اسمها .

 اسم خربوشة هو وَصْفٌ، اكتسب رسمية حضوره، بعد كثرة تداوله كاسم شخصي للشيخة الطبَّاعَةْ "خَرْبُوشَةْ"، ويطلق هذا الوصف على المرأة التي تنتشر في أطراف جسمها وجهها نقط سوداء، وبنِّية، خفيفة، تشبه النقط التي تنتشر على قشرة بيض بعض الطّيور. وهكذا اشتق من وصف "خَرْبُوشَةْ" الاسم العائلي: "خَرْبُوشْ"، الذي نجده منتشرا في بعض الدّواوير المحيطة بدوّار كَاسِينْ، خصوصا بدوّار اَلْوِيدَانْ، ودوّار لْوَانْ بأوْلَادْ زِيدْ، الشيء الذي يوضح أن الفردية القائلة بأن الشيخة خربوشة "كانت قد أصيبت بداء الجدري الذي خلف آثار البقع السوداء في وجهها" كما أشارت إليه مجموعة من كتابات الباحثين وبعض الفنانين في تحليلهم لعيطة خربوشة، حيث تبقى هذه الفرضية غير منطقية وغير مقبولة.

أما بخصوص الشِّيخَةْ "اَلْحَمْرَةْ" والشِّيخَةْ "لَكْرَيْدَةْ" والشِّيخَةْ "زَرْوَالَةْ" فإننا نجد هذه الأسماء تتردد في بعض متون عيطة "هَنِّينِي هَنِّينِي"، نذكر من على سبيل المثال متن: (اَلْحَمْرَةْ إِلَا تْسَلْحَتْ. كِيفْ اَلْبَرْﯕِي سَنْحُو مُولَاهْ وَدَّاهْ لَجْمَاعَةْ يَتْعَنَّى بِيهْ).

واسم "اَلْحَمْرَةْ" هو كذلك وصف، وهو أيضا إسم شخصي يطلق على المرأة السمراء (اللون الأسمر)، مثله مثل اسم "اَلْبَيْضَا" الذي يعتبر وصفا، ويطلق على المرأة ذات اللون الأبيض، حيث أصبح بدوره اسما شخصيا، نجده متداولا وسط العديد من العائلات بقبيلة عبدة. وفي هذا السياق فإن القائد عيسى بن عمر لما تزوج لَالَّةْ مَحْجُوبَةْ بَنْتْ الشِيخْ اَلْحَاجْ محمد بن ملوك الزرهوني وأخت القائد الحاج محمد الزرهوني الذي تولى القيادة بعد القائد عيسى بن عمر خلف هذا الأخير بنتا، وأطلق عليها اسم "اَلْبَيْضَا"، وهي بالمناسبة كانت زوجة مراقب سجن "اَلْبِرْدَوْزْ" بقصبة القائد وهو "أبَّا عَلَّالْ"، إلا أن زوجته "اَلْبَيْضَا" لم تخلف منه أبناء حيث قامت بتربية طفلين (بالتبني) هما حسن وأمينة، وقد توفيت "اَلْبَيْضَا" بمنزل القائد الحاج محمد الزرهوني بأسفي سنة 1969، وأمها لالة محجوبة توفيت قبلها سنة 1960.

ونستحضر هنا، بعض المتون التي ذُكِرَ فيها اسم "اَلْبَيْضَا" مثلا: في عيطة "هَنِّينِي هَنِّينِي" و "خَرْبُوشَةْ" و "رْجَانَا فِي اَلْعَالِي"، المتن القائل: (اَلْبَيْضَا إِلَا تْسَلْحَتْ. كِيفْ اَلْقَالَبْ هَرْسُو مُولَاهْ وُأَدَّاهْ لَجْمَاعَةْ يَتْعَنَّى بِيهْ)، أيضا متن أخر يقول: (خُرْجُوا يَا لَحْمَادَاتْ. رَجَّالَةْ وَعْيَالَاتْ. حَمْرَاتْ وَ زَرْوَالَاتْ. بَيْضَاتْ وَ مُوشُومَاتْ).

(اَلْحَمْرَةْ إِلَا تْسَلْحَتْ. كِيفْ اَلْبَرْﯕِي سَنْحُو مُولَاهْ وَدَّاهْ لَجْمَاعَةْ يَتْعَنَّى بِيهْ).

لقد كانت الشِّيخَةْ "اَلْحَمْرَةْ"، تتمتع ببنية جسمانية قوية تشبه بنية الرجل، وكانت بدورها تتردد على ثوار ومنتفضي قبيلة أولاد زيد، بدوّار كَاسِينْ، للمشاركة في الهجمات على قصبة القائد عيسى بن عمر، وعلى أتباعه وحاشيته.

من المعلوم أن الشاعر تختلف نظرته لجمال المرأة باختلاف بنيته وقيّمه وتاريخه، فهناك من يرى في جمال المرأة حسن الوجه والشَّعْر، وهناك من يرى جمالها في تناسق أطراف الجسم في علاقة مع الأنوثة الطاغية، وهناك من يرى في جمالها الرّقة ورجاحة العقل. والشاعر في هذا البيت الشعري (اَلْحَمْرَةْ إِلَا تْسَلْحَتْ. كِيفْ اَلْبَرْﯕِي سَنْحُو مُولَاهْ وَدَّاهْ لَجْمَاعَةْ يَتْعَنَّى بِيهْ)، كان له خيال خاص في الغزل الحسّي، المتمثل في التشبيه والربط بين صفات الجمال في جسد المرأة وفي شخصيتها القوية حيث نعتها بـ "اَلْبَرْﯕِي" كرمز للكبرياء والجموح وصعوبة الحصول عليها والنيل منها.

والتشبيه بالحصان "اَلْبَرْﯕِي" في العيطة الحصباوية، يرتبط بأشهر الخيول وأقواها حضورا وتميزا في منطقة عبدة، لذلك تغنت به مجموعة من متن العيطة الحصباوية/ العبدية، ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر: (اَلْبَرْﯕِي عْرِيسْ اَلْخَيْلْ ـ نَظْرَةْ فِي اَلْبَرْﯕِي كَعْلَا يَجْرِي ـ خَيْلْ لَبْرَاﯕَةْ ﯕَاعْ سَبَّاﯕَةْ ـ اَلْبَرْﯕِي سَاسْ لْجَامُو ـ اَلْعَوْدْ اَلْبَرْﯕِي فِي اَلْغَابَةْ يَجْرِي كُونْ شَافُو حْبِيبِي هُوَ يْسَرْجُو لِيَّا ـ نُوضِي نُوضِي سَلْحِي لَبْرِيـﯕِي ..). بالإضافة إلى المثل الشعبي المتداول في ثقافة الخيل: (اَلْبَرْﯕِي خَارَجْ مَنْ تَحْتْ أمُّو، وَلَزْرَﯕْ حْتَى يَجْمَعْ فُمُّو ـ وَلَدْهَمْ مَا تَرْفَدْ هَمُّو).

إن  الحصان "البري" يتميز بلونه البنّي، أو البنّي اللمّاع الذي ينعت بـ "اَلْبَرْﯕِي اَلْمَحْرُوﯕْ" والذي يجمع بين لوني الأدهم واَلْبَرْﯕِي "كْحَلْ الرْكَابِي"، والذي يتميز ذيله وعرفه باللون الأسود. دون أن ننسى "اَلْبَرْﯕِي السْلِيمَانِي" والذي يطغى عليه اللون الأحمر.

لكل ما سبق ذكره فقد توفق الشاعر/ الناظم في وصفه الدقيق للشّيخة "اَلْحَمْرَةْ" حينما شبهها بالحصان "اَلْبَرْﯕِي".