السبت 20 إبريل 2024
فن وثقافة

الزرهوني يجيب عن سؤال: هل "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ هي نفسها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ (3)؟

الزرهوني يجيب عن سؤال: هل "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ هي نفسها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ (3)؟ الفنان حسن الزرهوني رفقة أحمد فردوس ( يسارا) إلى جانب لوحة تعبيرية

بساحل "الكاب" بشاطئ البدوزة، ومن فضاء محرابه الفني الذي يعكس مدى عشقه للثقافة والفن والموروث التراثي المتعدد والمتنوع، استقبل الموسيقي والفنان التشكيلي حسن الزرهوني جريدة "أنفاس بريس" بابتسامته العريضة التي تحكي عن مسار رجل طيب وإنساني، مواظب على خلق الحركة والنشاط والحيوية داخل مرسمه الفني.

حسن الزرهوني الذي خبر ركوب البحر وأمواجه، وامتطى صهوة الريشة والألوان الزاهية، ليترجم أحاسيسه إلى أنغام بأوتار تروي سيرة الإنسان والمجال في علاقة مع أحداث ووقائع التاريخ المحلي والوطني، التي كتبت بطولاتها وملاحمها فرسان أرض الحصبة في زمن الظاهرة القايدية.

في هذا السياق نقدم للقراء سلسلة حلقاتنا مع ضيف الجريدة الذي سيجيب من خلالها عن أسئلة تروم تصحيح الخلط الذي وقعت فيه المنابر الإعلامية وامتد إلى الإنتاج الدرامي والمسلسلات والأفلام والمسرحيات التي كتبت نصوصها وتم إنتاجها وتسويقها ارتباطا بشخصية وعيطة "خَرْبُوشَة"؟

لقد تحدثت منابر الإعلام السمعي والبصري والمكتوب عن "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ والمغنّية بإطناب، وتناولت علاقتها بالقائد الكبير عيسى بن عمر العبدي التمري البحتري، وانتفاضة أولاد زيد ضد نفس القائد، حيث تم إسقاط قصيدة بأكملها على أن الشِّيخَةْ "خَرْبُوشَةْ" هي صاحبتها، وامتد هذا الخلط والإسقاط إلى بعض المسلسلات والأفلام والمسرحيات التي تناولت الموضوع، حتى أصبح المتلقي يؤمن بأن "خَرْبُوشَةْ" هي صاحبة هذا الكلام. وقبل تصحيح هذا الخلط والإسقاط لابد أن نطرح مجموعة من الأسئلة الجوهرية ذات الصلة:

ـ هل فعلا "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ هي نفسها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ؟

ـ هل عيطة "خَرْبُوشَةْ" هي من إنتاج الشِّيخَةْ خَرْبُوشَةْ؟

ـ هل الأبيات الشعرية التي ألّفتها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ هي نفسها المذكورة في عيطة "خَرْبُوشَةْ"؟

ـ كيف تم تأليف عيطة خَرْبُوشَةْ؟

من هي حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ؟

من هي خَرْبُوشَةْ اَلشِّيخَةْ أو اَلْعِيَّاطَةْ أو اَلْمُغَنِّيَةْ؟

 

يقول الفيلسوف الألماني كارس ماركس في إحدى مقالاته بألمانيا سنة 1840: "إن الفلاسفة لا يخرجون من الأرض كالفطريات، بل هم ثمار عصرهم وشعبهم".

إن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي عرفتها منطقة الحصبة في تلك الفترة التاريخية، هي التي أفرزت لنا فن العيطة الحصباوية كغناء شفاهي بدوي تعبيري. فلا يمكن وضع العيطة الحصباوية في إطارها الزماني والمكاني، وتفكيك متونها، دون أن تكون للباحث نظرة فلسفية شمولية بكل هذه الظروف التي عرفتها منطقة الحصبة بصفة خاصة، وقبيلة عبدة بصفة عامة.

فحتى رواد ورائدات فن العيطة، هم ثمار عصرهم، نتيجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، أي المعاناة التي عاشتها ساكنة عبدة كمنطقة اَلْحَصْبَةْ وقَبِيلَةْ أَوْلَادْ زَيْدْ، على اعتبار أن هذه الظروف القاسية والمؤلمة هي التي ولّدت لنا رائدات ورواد فن العيطة الحصباوية، من عازفين على آلة لَوْتَارْ، أو ضباط الإيقاع، على آلة الدّف، و الطَّعْرِيجَةْ كمرحلة أولى. ثم انضاف العنصر النسوي المتمثل في الشِّيخَاتْ بعدما كان مستقلا عن الرجال لاعتبارات دينية، فتشكلت "اَلرْبَاعَةْ" التي تتكوّن من شيخ عازف على آلة لَوْتَارْ، وضابط الإيقاع، والشِّيخَةْ الطَّبَّاعَةْ ثم الشِّيخَةْ الْمُصَاحِبَةْ.

لقد عاش هؤلاء الفلاحين والمهنيين والحرفيين في حقول الحصبة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس معاناة إنسانية كثيرة، ولنسيان ذلك الألم و تلك المعاناة كانوا يجتمعون ليلا في اَلْخِيَّمْ أو النّْوَيْلْ للعزف بالآلات البسيطة ونظم بعض المتن العيطية بناء على الوقائع والاحداث التي يعيشها الإنسان في علاقته مع الآخر ومع محيطه البيئي، لأن المعاناة هي أم الإبداع. فلا يمكن أن تبدع أو تعطي منتوجا فنيا خالصا دون أن تكون لديك حمولة من المعاناة والاكراهات والاصطدامات...إضافة إلى علاقات الجوار ما بين الساكنة والموسيقيين والفنانة الوافدين من مناطق مختلفة وخصوصا من منطقة أحمر وحوز أسفي حيث يتم انصهار وتلاقح الثقافات فيما بينها.

النمط العيطي الحصباوي له علاقة جدلية بالحصبة خلال نهاية النصف الثاني من القرن التاسع عشر أي خلال حكم القائد الكبير عيسى بن عمر العبدي، فهناك مجموعة من الباحثين والمثقفين يؤكدون أن بداية العيطة الحصباوية أو الإرهاصات الأولى لها تجلت زمن الموحدين وتهجير قبائل بني هلال وبني سليم وبني معقل إلى المغرب، لتوطينهم وملئ الفراغ الذي عرفته بعض المناطق كدكالة بعد مواجهة الأمازيغ ونزوحهم إلى المناطق الجبلية سوس وغيرها، لأن المتون التي تغنى في العيطة الحصباوية هي وليدة القرن التاسع عشر وفترة حكم القائد عيسى بن عمر وأبنائه وعلى سبيل الذكر نسوق الأمثلة التالية:

(لَعْبَادِي الصَّايْلَا عْلِيكْ. الزَّايْدَةْ وَالِدِيكْ. أَعَبْدَةْ جِيبُوا الزِّينْ / اَلْحَصْبَةْ وَلَّافَةْ سْرُوتْ لَعْبَادِي صَالُوا اَلْيُومْ / هَا هُوَ يَا سِيدِي أَحْمَدْ ـ هَا هُوَ يَا سِيدِي ادْرِيسْ / شْرِيفِي سِيدِي حَسَنْ ـ الْبَاشَا بَنْ دَحَّانْ / تْكَبَّتْ عَبْدَةْ عْلَى أحْمَرْ...).

إن قبيلة عبدة لم تكن معروفة خلال فترة المرابطين والموحدين والمرينيين، وكانت تسمى سابقا بدكالة الحمراء ودكالة البيضاء، وهي دكالة حاليا، وأثناء الاستعمار البرتغالي لمدينة أسفي سنة 1508، نظرا للصراعات الكبيرة بين الأهالي والبرتغاليين اضطر البرتغال لتقسيم التجمعات السكنية إلى مجموعات يمكن التحكم فيها، فأُطلق اسم عبدة على المنطقة الجنوبية لأسفي أي فَخْذَةْ أَوْلَادْ سَلْمَانْ والدْرَابْلَةْ ولَغْيَاثْ، وهي التي سميت فيما بعد بالَبْحَاثْرَةْ الجنوبية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر ثم توسعت عبدة في عهد المولى إسماعيل خلال القرن السابع عشر، وأصبحت تضم اَلْعَامَرْ والرْبِيعَةْ والَبْحَاثْرَةْ فأصبحت دكالة الحمراء هي عبدة حاليا.