Thursday 10 July 2025
كتاب الرأي

مولاي عبد الحكيم الزاوي: أَسيرُ حرب.. السَّرد الجريح

مولاي عبد الحكيم الزاوي: أَسيرُ حرب.. السَّرد الجريح مولاي عبد الحكيم الزاوي
أَجيالُ اليوم قد لا تهتدي إلى أن تستعيد سردية الاعتقال والأَسْر التي اعتملت في ماضي الأمس القريب...الزَّمن وَقتها سَبعينيٌّ، والصِّراع بين المغرب وجبهة البوليساريو آخِذٌ نحو انعراج خطير، والعالم لَحْظتها يموج في انقسام حاد بين معسكرين متناقضين...

قَد تُصرف الأنظار تحت يافطة النسيان عن مآسي وعذابات عَددٍ من مغاربة الأمس الذين أُقبروا ردحًا من الزمن ضمن أقبية الاعتقال، وضاقوا صُنوفا من العذاب بإسم الواجب والوطن والتراب والأرض...لكن، الأدب يتدخل بسلطته ليعيد الحياة إلى مشاهد الماضي...ويُصَوِّر لحظاتها الأليمة من قلب مخيمات تندوف وسجون النظام الجزائري...

اشتراط المقام صدور رواية للطيار المغربي علي عثمان، بعنوان "أسير حرب". وهي رواية عن أدب السجون، وعن وَحشية الانسان وعِشقه للتعذيب...مِحنة طيَّارٍ مغربي مع سراديب الاعتقال في الجزائر والمخيمات...وشهادة حَيَّة لرجل سقط أسيرًا في الاعتقال، لمدة ناهزت الستة وعشرين سنة، مُتنقِّلاً في جغرافيا الاعتقال...وحِكاية أليمة تقف عند توقف دورة الحياة بأكملها منذ اعتقاله في 24 غشت 1977...

علي عثمان، إبن دوار برام بنواحي مدينة ميدلت، أبصر النور يوم الفاتح من يناير من سنة 1947، وعايش أحداث المغرب الكبرى بعد استقلاله...خلالها، فتح عينيه على حرب نعتها المؤرخون ب"حرب الرمال" بين المغرب والجزائر 1963...كان يَحلم بأن يَلج المدرسة الوطنية للفلاحة، لكن أحداث 1965 التلاميذية، وما رافقها من مخاضات، ستغلق المدرسة في وجهه، وستصرف اهتمامه نحو المدرسة الملكية العسكرية، ليصبح مهندس طيران.

كُتب لعلي عثمان أن يكون ربانا لطائرة ف 5، وهي "الطائرة الملعونة" التي توجَّس منها الحسن الثاني خلال الانقلاب العسكري عليه في القنيطرة سنة 1971. سيبدأ مشوراه المهني يوم 18 فبراير 1978 كطيار مقاتل في مواجهة القبعات السود الجزائرية، في كل من بير لحلو وتيفاريتي وأمغالا... إلى أن سقط أسيرًا في جحيم الاعتقال، مُتنقلاً بين مخيم الرابوني وسجن البليدة بالجزائر...

يحكي بمرارة عن لحظة الأسر "أُصيبت الطائرة بصاروخ أرض-جو، فلم تعد مُحركاتها قادرة على الاشتغال، وأصبح من المستحيل التحكم فيها، لم يكن أمامي سوى خيار القفز في الوقت الذي أصبحت قريبا من الأرض، لم يتملكني الذعر بما أن القوات المغربية كانت في المنطقة، وكنت أراهم أثناء نزولي بالمظلة، غير أن الريح كانت قوية، أدت بي إلى الهبوط بعيدا عن المغاربة، فضلا عن كوني أصبت بكسر في الساق، إلى حد وجدت صعوبة في التخلص من المظلة، بدأت الرصاصات تتهاطل على بعد سنتمترات مني، هنا رأيت شاحنة للبوليساريو تتجه نحوي بسرعة، فكرت حينها في الانتحار، غير أن صورة زوجتي وأبنائي منعتني من ذلك، كان الأمل بأن أراهم مرة أخرى يستحق الاعتقال".

تُمعن الرواية بشكل كثيف في تصوير وحشية الاعتقال، وتَرصد خبايا النظام الجزائري في تعامله مع قضية الصحراء المغربية. يقول علي عثمان: "مَرَّة سألني ضابط عسكري: هل تعتقد بأنك تخوض حربًا ضد البوليساريو، وحين أجبته بنعم، ردَّ علي بالقول: أنتم أغبياء حقا، نحن من نتحارب معكم، البوليساريو لا توجد".

في الفاتح من شتنبر 2003، كتب لعلي عثمان أن يتحرر من الأَسْر". يقول: نزلت بأگادير، فوجئت بأن بلدي تطور بشكل كبير، لكن لحظات الاستمتاع توقفت، والباقي لم يكن إلا إحباطا". "نجوت من الجنون بقدرة قادر، حياتي توقفت يوم 24 غشت 1977، وأصبحت أملك حرية مُرَّة، ربما ينتظر المسؤولون أن نموت مرة أخرى...".