Monday 12 May 2025
كتاب الرأي

محمد الطيار: الهيمنة والارتهان الاستراتيجي في النظام الدولي الجديد.. وحدود المناورة

محمد الطيار: الهيمنة والارتهان الاستراتيجي في النظام الدولي الجديد.. وحدود المناورة محمد الطيار
يشهد النظام الدولي تحولات جذرية تؤشر على نهاية مرحلة جديدة وتَشكُّل أخرى، حيث لم تعد مفاهيم مثل السيادة، والعدالة الدولية، والشرعية القانونية، تشكل ضمانات لمكانة الدول أو لحمايتها، بل أصبحت القوة - بمختلف أشكالها - العامل الحاسم في تحديد الأدوار والمواقع. في هذا السياق، تبرز إشكالية الارتهان الاستراتيجي كقدر سيكون شبه حتمي للدول الصغرى أو النامية، في ظل صراع الكبار على إعادة رسم خرائط المصالح والنفوذ.

أولًا: تحولات النظام الدولي
التطورات الدولية المتسارعة، كالحرب الروسية الأوكرانية، صعود الصين، فشل الأمم المتحدة، تراجع الدور الأوروبي، وانتشار منطق الأحزمة الأمنية، تؤكد أن العلاقات الدولية تُعاد هندستها على أسس القوة والمصلحة. لم تعد الحدود الجغرافية المرسومة بين الدول ثابتة، ولا القواعد الأممية ملزمة، بل كل شيء أصبح رهينًا بتغير موازين القوى.

ثانيًا: منطق الهيمنة والارتهان
التاريخ السياسي للعلاقات الدولية يبين أن النظام الدولي، عبر العصور، كان يقوم على منطق الهيمنة، وتَشكُّل التوازنات كان يتم غالبًا بعد حروب كبرى. في ظل هذا الواقع، تصبح مفاهيم كحقوق الإنسان، والقانون الدولي، أدوات لتزيين المشهد لا لتغييره، وتُستعمل أحيانًا كجزء من أدوات "القوة الناعمة" في اطار الصراع على بسط الهيمنة او توسيعها .

ثالثًا: الدول الصغرى والنامية وحدود المناورة
لم يعد أمام الدول الصغرى وتلك التي يطلق عليه اسم "الدول النامية" سوى خيارات محدودة: إما الاصطفاف المكشوف خلف قوة كبرى، أو الارتهان الاستراتيجي الذكي الذي يسمح لها بهامش مناورة محدود. فحتى الاستقلال السيادي بمفهومه المتعارف عليه بات رمزيًا، والاصطفاف الإيديولوجي لم يعد مجديًا في عالم تُحكمه منطق المصالح.
 
رابعًا: المغرب في التحولات الدولية
يُدير المغرب موقعه الجيوسياسي عبر سياسة توازن دقيقة بين القوى الكبرى: تحالف تقليدي مع الولايات المتحدة، انفتاح على الصين، علاقات مصلحية مع روسيا، وتنسيق دائم مع أوروبا، توسيع حزام مصالحه داخل افريقيا. كما يراهن على تعظيم قوته الذاتية وبناء عناصر قوة الدولة (الجيش، الاقتصاد، ...).

خامسًا: معضلة النخبة السياسية
يُلاحظ وجود فجوة بنيوية بين العقل الاستراتيجي للدولة، المُجسد في المؤسسة الملكية التي تواكب بفعالية التطورات والمتغيرات الدولية وتمتلك رؤية استراتيجية واضحة، وبين نخب حزبية أو سياسية أوالثقافية، تنشغل عادة في نقاشات هوياتية وتتنافس على تعبئة الشارع حول قضايا فوق وطنية. هذا الوضع قد يُضعف الجبهة الداخلية، ويؤثر على عملية تعبئة المجتمع حول الخيارات الاستراتيجية الكبرى.

خاتمة:
النظام الدولي الجديد يتجه نحو شكل من "إمبراطوريات المصالح"، حيث تصبح القوة، لا الشرعية، هي محدد النظام. في هذا السياق، يُصبح "الارتهان الاستراتيجي الذكي" واقعا سياسيا يفرض نفسه في التوازنات الدولية الجديدة، ويتطلب نخبة جديدة قادرة على التفكير الواقعي، والتصرف ضمن منطق القوة لا الرغبة او الاصطفاف العاطفي .