أينما التقيت أحدهم، وفي أي وقت، سواء في المقهى، في الشارع، أو حتى في مكالمة هاتفية، ستجد نفسك أمام موضوع جاهز: الزحام: "الطريق مزدحم هذا الصباح…" - "لا يمكن أن تتحرك…الناس كُثر." - "كل الطرق مغلقة، السيارات كالنمل."
يتحول الحديث عن الزحام إلى طقس مقدس، كأننا نشكو من أمر يتجاوز قدرتنا، كأن المدينة تآمرت علينا، وكأننا…لسنا نحن من نملأ الطرق.
لكن ما الذي نفعله فعلا حين نتحدث عن الزحام؟ هل نشكو حقا؟ أم فقط نبحث عن شيء نقوله؟ هل نحن غاضبون؟ أم فقط نكرر الجمل كي نملأ الصمت؟
كأن الزحام في الخارج، لكنه في الحقيقة يسكن في الداخل. تلك الأرواح التي تتزاحم فينا دون أن تجد طريقا، أفكار تندفع، مخاوف تتصارع، قلوب تبحث عن مساحات أوسع… فتغلق الطرق قبل أن نخرج إلى الشوارع.
حين كان إيكهارت تول يتحدث عن اللحظة الحاضرة، كان يرى أن الزحام لا يبدأ من الخارج، بل من تلك الرغبة المجنونة في الوصول إلى مكان آخر، إلى زمان آخر، إلى حياة أخرى. "التوتر يبدأ حين تكون هنا… لكنك تريد أن تكون هناك."
هل حقا نكره الزحام؟ أم فقط نحتاجه كذريعة لنشكو؟ هل نحن غاضبون من ضجيج السيارات، أم من ذلك الصمت الداخلي الذي لا نحتمله؟
في كتب الصوفية، كان الزحام يعاش كاحتفال، كانت الطرق الضيقة مليئة بالوجوه، لكن القلب كان فسيحا…لأنهم لم ينسوا أن الطريق إلى الداخل أهم من الطريق إلى الخارج.
في زحام المدينة، تتصادم السيارات، لكن الأرواح تتوه. وكل حديث عن الزحام، هو حديث عن ضياع صغير…عن شعور بالعجز أمام حياة لا نعرف كيف نهدئها.
هل نشتكي من الزحام لأن الطريق مزدحم، أم لأننا لا نجد في داخلنا مساحة كافية للهدوء؟