السبت 26 أكتوبر 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي : عندما تعطي رئيسة وزراء إيطاليا الدروس لباقي قادة دول السبع؟

يوسف لهلالي : عندما تعطي رئيسة وزراء إيطاليا الدروس لباقي قادة دول السبع؟ يوسف لهلالي

عند استقبال قادة مجموعة السبع (الولايات المتحدة، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، بريطانيا، كندا، اليابان) في بوليا بايطاليا، لم تتردد رئيسة وزراء ايطاليا جورجيا ميلوني في القول خاصة للقادة الأوربيين بالإضافة الى رئيسة المفوضية الاوربية ارسولا فوندير لاين برغبتها ان أن يكون الاتحاد الأوروبي قد تفهم "الرسالة" التي بعث بها الناخبون في الانتخابات التي جرت نهاية الأسبوع الماضي وحققت فيها أحزاب اليمين المتطرف مثل حزبها مكاسب هامة للبرلمان الاوربي.

 

وقالت في مؤتمر صحافي في ختام قمة مجموعة السبع في بوليا "إذا أردنا استخلاص الدروس من الانتخابات بأن كل شيء على ما يرام، أخشى أن تكون هذه القراءة مشوهة قليلا". وأضافت "المواطنون الأوروبيون يطالبون بالبراغماتية، ويطالبون بمقاربة أقل عقائدية في العديد من القضايا الرئيسية".

 

وهذه الرسالة كانت موجهة بالخصوص لرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي حقق تحالفه نتائج مخيبة دفعت به الى حل الجمعية الوطنية، واجراء انتخابات تشريعية مبكرة. والمستشار الألماني أولاف شولتس الذي تعرض حزبه الديموقراطي الاجتماعي لهزيمة غير مسبوقة في الانتخابات الأوروبية واحتل في الانتخابات الاوربية المركز التالت وتقدم عليه المحافظون واليمين المتطرف الألماني. في حين تتمتع أورسولا فون دير لايين بفرص جيدة للحفاظ على منصبها كمرشحة عن حزب الشعب الأوروبي (يمين) الذي حل في المركز الأول في هذه الانتخابات بحصوله على 190 مقعدا (بزيادة 14 مقعدا في البرلمان الجديد)، وفقا للنتائج المعلنة.

 

هذه الوضعية جعلت جورجيا ميلوني رئيسة حزب إخوة إيطاليا الذي كان أداؤه جيدا بشكل خاص في الانتخابات الاوربية ان تعطي الدروس لزملائها من فرنسا وألمانيا حول ضرورة الاستماع لشعوبهما واستخلاص الدروس. وهو ربما نفس الوضع لباقي قادة مجموعة دول السبع. ذلك لان جو بايدن تنتظره حملة للانتخابات الرئاسية غير مضمونة النتائج أمام دونالد ترامب الذي مازالت حظوظه قوية رغم مشاكله القضائية.

 

وعاد بايدن إلى الولايات المتحدة، بعد ان اختتم جولة دولية طويلة شملت الاحتفالات بذكرى الإنزال بشواطئ النورمندي بفرنسا مند اسبوعين وقمة لمجموعة السبع في إيطاليا انتهت مند اسبوع.

 

روشي سوناك رئيس وزراء بريطانيا المحافظ تنتظره انتخابات صعبة ببلده وغير مضمونة، ونفس الوضعية يعانيها جوستين كريدو رئيس وزراء كندا الذي قضى تسع سنوات بالسلطة ولم يعد يثير شغف الكنديين كما كان الحال في بداية ولايته، بالإضافة الى كيميو كيشيدا رئيس وزراء اليابان الذي مازال امامه مسار يمكن ان يطول لأنه قضى فقط سنتين على راس اليابان.

 

هذه هي الصورة اليوم، الصعوبات السياسية وعدم الاستقرار وتصاعد المد الشعبوي باغلب بلدان مجموعة السبع الأكثر غنى في العالم، خاصة بالولايات المتحدة، فرنسا والمانيا وهي وضعية جديدة لم تكن تقدمها هذه البلدان الصناعية الى باقي العالم خاصة انه نادي للبلدان الغنية والناجحة مند أكثر من نصف قرن. لكن هذا النادي الذي لم يعد يهيمن لوحده على اقتصاد العالم ويوجهه، بل هناك قوى جديدة ومنافسة سواء الهند او الصين التي طالبتها مجموعة السبع في بيانها الختامي بعدم تهديد الاقتصاد العالمي وهو ما ردت عليه بكين بقوة وقالت إنه بيان «مليء بالغطرسة والتحيز والأكاذيب". نفس الوضع ونفس العلاقة المتوترة مع روسيا الاتحادية بسبب الحرب على أوكرانيا. هذا دون الحديث عن   بلدان أخرى تشكل ما يسمى اليوم بالجنوب الشامل، وهي بلدان مثل الهند والبرازيل وعدد من البلدان الافريقية والاسيوية بينت عن خلافها مع الغرب والبلدان السبع الغنية سواء خلال الحرب الروسية على أوكرانيا او خلال حرب الإبادة التي تقوم بها إسرائيل على الفلسطينيين. وهو ما يجعل بلدان مجموعة السبع تعيش العزلة الدولية في مواقفها وتناقض حول القيم التي تدافع عليها بالإضافة الى سياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع عدد من بؤر الصراع عبر العالم، ويضاف اليها وضعية عدم الاستقرار السياسي من خلال الفورة القوية لشعبوية حتى داخل نادي الأغنياء وتصاعد قوة اليمين المتطرف الذي له تصور مخالف للعالم والعلاقات الدولية.وهو اتجاه سوف يعرف ازدهارا كبيرا في حالة عودة دونالد ترامب الى البيت الأبيض.

 

هذا الوضع العالمي الجديد، هو الذي سمح لجورجيا ميلوني بإعطاء الدروس لزملائها في مجموعة قادة السبع ومطالبتهم بضرورة الاستماع أكثر لشعوبهم. يبد انه لم يفهم قصدها بشكل واضح، هل تلمح الى مقولة الباحث الفرنسي بيرترون بديع ان القوة العسكرية لم تعد قادرة على حسم المواقف بل الصراعات الاجتماعية وهو ما يجعل الضعيف يتحكم في المقاربة أكثر من القوي، او انها تلمح الى موقفها المحافظ ومطالبتها بتعديل مسودة البيان الختامي لتتضمن موقفها امام اندهاش الرئيس الفرنسي.

 

هذا وضع جيوسياسي جديد في طور التشكل، سواء بالبلدان الصناعية الغنية والتي تمثلها مجموعة السبع وهي بلدان هيمنت على العالم اقتصاديا وسياسيا مند سبعة عقود لكنها اليوم، اصبحت مجبرة على المنافسة مع باقي العالم او ما أصبح يطلق عليه اليوم في ادبيات العلاقات الدولية "الجنوب الشامل" الذي يتشكل من بلدان من الشرق والجنوب، (المفهوم تمت صناعته في الغرب). وهو تكتل أصبحت له كلمته في العلاقات الدولية.