الثلاثاء 30 إبريل 2024
مجتمع

والد طالب بكلية الطب: ينبغي تجنب لغة التخوين وبناء جسور الثقة لتجاوز الأزمة

والد طالب بكلية الطب: ينبغي تجنب لغة التخوين وبناء جسور الثقة لتجاوز الأزمة جانب من وقفة احتجاجية سابقة لطلبة الطب
يدخل إضراب طلبة كليات الطب والصيدلة شهره الرابع، من مقاطعة الدراسة والتداريب الاستشفائية، وهو ما يدق ناقوس الخطر من شبح السنة البيضاء..
أزمة كليات الطب والصيدلة لايعيشها فقط مكونات الكليات من طلبة وأساتذة وإدارة، بل يعيشها الآباء والأمهات، وهم يرون أبناءهم وبناتهم في هذه الوضعية..
الحاج الزاهد، إضافة إلى كونه والد طالب بكلية الطب والصيدلة، فهو أستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط، فيما يلي وجهة نظره حول هذا المشكل:


" من ضرورات الحياة في المجتمع التعاون والتشارك بين الأفراد والجماعات من أجل تحقيق عمران متوازن، يُمكن من تحقيق الأمن والرفاهية والكرامة والمقاصد العليا التي يبتغيها المجتمع. من البديهي أن الأفراد والجماعات ليس لهم نفس المنطلق والرؤية والمصالح، مما يعني عدم التفاهم حول الوسائل، وبالتالي التنافر في اختيار الطرق التي يقترحونها لتحقيق الغايات التي يمكن الاتفاق عليها. 

 
فمثلا قد نتفق على تحسين جودة التكوين، لكن قد نتعارض على كيفية تحقيق ذلك. من أسباب الاختلاف، تعارض أدوار مختلف الأطراف في المجتمع، فالنقابة العمالية تدافع عن مصالح العمال، ونقابة الرأسماليين تدافع عن مصالح أرباب الأعمال. من جهة أخرى تدافع الحكومة عن مشاريع قوانين تقدمها كنتيجة لالتزاماتها والمعارضة قد ترفضها نتيجة لتوجهاتها.
 
يمنح المجتمع الحي والنابض بالحياة الأفراد والجماعات القدرة على المشاركة وإبداء الرأي ومعارضة الرؤى السائدة. أكثر من ذلك فإن المجتمعات تمنح الأفراد، الحق في التنظيم من أجل الاحتجاج والمطالبة بالحقوق وموازنة سيطرة وتحكم الحكومة أو أي طرف على المنظومة المؤسسية. الهدف هو ضمان الحقوق وتحقيق شروط مجتمع حي ومفتوح دون سيطرة أو سطوة أو احتكار أي طرف. من أدوات الاحتجاج السلمي العرائض والوقفات والمسيرات والإضرابات والمقاطعات والعصيان المدني وغيرها من الأدوات التي يبتكرها الناس لإسماع صوتهم وقول كفى. 
  
إن ممارسة الاحتجاج السلمي تعني أن المجتمع معافى وبأنه يتوفر عل قوى لم يتم تدجينها، ولديها القدرة على التعبئة وعلى الاقناع وعلى اقتراح تصورات أخرى حول تدبير الشأن العام. قدرة أي فئة على أن تنظم نفسها وتطلب الحوار من جهات مسؤولة، هو دليل على بزوغ قادة تمكنوا من اكتساب مهارات ناعمة تتعلق بالتنسيق والعمل الجماعي والقيادة وتركيب المطالب والقدرة على التفاوض وغيرها. كل مجتمع ينمو بقدر توفره على قادة أحرار لهم القدرة على الابتكار والاقتراح والتنظيم. 

 
 إن هذا الاقتناع حول أهمية وجود الترافع والتدافع والاحتجاج داخل المجتمع يفترض أن نمكن كل أطياف المجتمع (شباب، مهندسون، عمال، أساتذة، طلبة..) من كل الأدوات التي تمكنهم من التنسيق فيما بينهم وتكوين جسور للنقاش مع المسؤولين. ثمرة ذلك هو قادة جدد يتحملون المسؤولية ويقومون بتسهيل اشتغال المجتمع عبر آليات المناقشة العابرة للمؤسسات. الرأسمال الرمزي أو اللامادي يمنح المجتمع قدرات للتعبير عن نفسه بكل سلاسة وكفاءة فرادى وجماعات عبر قادته الذين يبزغون عبر آليات طبيعية وليس قادة مصطنعين استرزاقيين.
 
وجود الاحتجاج الجماعي المنظم هو كذلك معين لإنماء الرأسمال الاجتماعي عبر خلق أرضية لتبلور رؤى جديدة. 
تنطلق هذه المقاربة من الاقتناع بأن الحوار والمناقشة والمرافعة والتواصل الجاد والبناء، هي الأدوات الوحيدة القمينة بإيجاد حلول متوافق عليها بين الأطراف المكونة للأمة. طبعا لا نستبعد وجود أطراف داخل الدولة أو المؤسسات الأخرى للأمة التي قد تستغل الحق في الاحتجاج لعرقلة التغيير. يبقى النقاش العام ووجود مجتمع حي يراقب، وقادة ناضجين من الضمانات في مواجهة النتائج السلبية الثانوية للحق في الاحتجاج. 

 
في هذا الإطار يجب أن ننظر لاحتجاجات طلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان في المغرب. أن يستطيع الطلبة تنظيم أنفسهم عبر تنسيقيات ومكاتب وترتيب جموع عامة والتصويت على مطالب بشكل متوافق عليه، وصياغتها بشكل واضح ومحاولة إيصالها للمسؤولين، يعنى أن المغرب لديه شباب واع ومنخرط في نقاشات فوق فردية. يجب أن نقر بأن الرأسمال الاجتماعي للمغاربة بخير ويزداد في هذه الحالة. مواجهة هذا المد بالتخوين والتهديد والتوقيف والتأديب والترهيب ينم عن شيء واحد هو عدم القدرة على التواصل وعن ابتكار الحلول وعن الاستماع والحوار بشكل مفتوح من أجل الاقناع خصوصا من طرف الحكومة التي يجب أن تكون لها القدرة على الاستيعاب وعلى الاحتفاظ وتقوية الذخر الاستراتيجي للمغرب الثي يتمثل في كل شبابه الحي والطموح والذي يشهد له بالنبوغ. 
 
إن تموجات الأحداث التي تشكل العقل الجمعي للأفراد وأمزجتهم، تتأثر بكيفيات معالجة المشاكل الكبرى مما ينحت مسارات الأفراد ومواقفهم. أخشى أن عقلية العصا ليس فقط غير ذات جدوى ولكنها قد تؤدي إلى أن يضيع المغرب فرصة بناء التوحد الاستراتيجي لمواجهة المخاطر المقبلة في عالم متشابك فاقد للبوصلة يتسابق لجذب العقول والشباب، وفي حالة غليان قيمي يتميز بانهيار اليقينيات التقليدية. من هنا يجب أن يكون المهم هو تقوية مغرب حاضن لأبنائه مما يخلق لديهم الحافز على العطاء وعلى المشاركة وعلى عدم الإحساس بالغبن. 
في تعاملي مع الشباب من مختلف الفئات أشعر بمدى إحساسهم بعدم التقدير من طرف ذوي السلطة وبمدى رفضهم لعقلية الوصاية التي يمارسها المسؤولين. 

 
من ناحية هندسة حل متوافق عليه في الحالة الراهنة بين تنسيقية طلبة الطب ووزارة التعليم العالي، فإنني أرى أن ذلك ممكن وواجب. يكفي أن تبنى جسور الثقة بترك لغة التخوين، ووضع نصب أعيننا حزمة متكاملة من الإجراءات التي تهيكل رؤية كاملة حول مسار التكوين الطبي والصيدلي في المغرب. 
 
باعتبار قربي من هذا الملف في الأسابيع السابقة واستماعي لأساتذة الطب والأطباء والطلبة، يكفي حسن النية والانفتاح والقدرة على الحوار بين الأطراف من أجل هندسة حل جيد ومتين ومرضي لكل الأطراف. 
في هذا الإطار قد يكون وضع تصور متكامل وواضح ومتين لهذه الروية متضمن في وثيقة متفاهم عليها تتجاوز المرحلي والصراعات التكتيكية هو نقطة البدء."