يقترح عبد الناصر ناجي، وهو خبير تربوي، المداخل الأساسية لاستعادة الثّقة بين الأساتذة والحكومة بعد سلسلة إضرابات واحتجاجات ومسيرات ووقفات فجّرت احتقانانا في قطاع التربية الوطنية وهدر ملايين ساعات التعلمات".
وأوضح الخبير التربوي ناجي، في حوار مع "أنفاس بريس" وأسبوعية "الوطن الآن"، أن "تاريخ التعليم ببلادنا مليء بالمحطات النضالية التي يشكل الإضراب عن العمل أحد سماتها البارزة، ويكون ضحيتها الأساسية هو المتعلم الذي يجد نفسه محروما من حقه في التعليم". وفيما يلي نص الحوار:
وأوضح الخبير التربوي ناجي، في حوار مع "أنفاس بريس" وأسبوعية "الوطن الآن"، أن "تاريخ التعليم ببلادنا مليء بالمحطات النضالية التي يشكل الإضراب عن العمل أحد سماتها البارزة، ويكون ضحيتها الأساسية هو المتعلم الذي يجد نفسه محروما من حقه في التعليم". وفيما يلي نص الحوار:
- بعد سلسلة إضرابات واحتجاجات ومسيرات ووقفات فجرت احتقانا في قطاع التربية الوطنية وهدر ملايين ساعات التعلمات. من يتحمّل المسؤولية فيما حصل ويحصل؟
الواقع أمامنا يكشف عن توتر كبير في صفوف رجال ونساء التعليم واحتقان في الساحة التربوية يدفع ثمنه التلاميذ المغاربة في التعليم العمومي الذي يعيش أصلا في أزمة مزمنة، في حين يستمر التعليم الخاص في أداء مهامه بشكل عادي تجسيدا لمقولة مصائب قوم عند قوم فوائد، وهو ما يكرس ازدواجية منظومتنا التربوية في ضرب صارخ لكل مبادئ الإنصاف وتكافؤ الفرص.
إن تاريخ التعليم ببلادنا مليء بالمحطات النضالية التي يشكل الإضراب عن العمل أحد سماتها البارزة، ويكون ضحيتها الأساسية هو المتعلم الذي يجد نفسه محروما من حقه في التعليم. لكن في السنوات السبع الأخيرة تضاعفت وتيرة الاحتجاج بسبب تبنّي الحكومة توّجها جديدا في التوظيف يعوض الوظيفة العمومية بالتعاقد. وبغض النظر عن التطورات التي عرفها هذا الملف فينبغي الاعتراف بأن الحكومة لم تبلور بشأنه تصورا شاملا يسمح بتقديم الحلول الجذرية لكل الإشكالات التي طرحها. فانتقلنا بالمعنيين بالأمر من منطق الأساتذة المتعاقدين إلى منطق الأساتذة أطر الأكاديميات، مع تأكيد الوزارة أنهم يتمتعون بجميع الحقوق التي يتمتع بها الموظف العمومي. لكن في الحقيقة كانت تحاول فقط تسكين الآلام وليس تقديم الحلّ النهائي لقضية الأساتذة المتعاقدين. عندما أتت الحكومة الحالية قبل أكثر من سنتين التزمت بمعالجة هذا الملف من خلال إخراج نظام أساسي جديد ينصف جميع رجال ونساء التعليم، بل والتزمت بالرفع من أجورهم الشيء الذي رفع من سقف الانتظارات. ما حصل هو أن المنتوج الذي تمخض عن جلسات الحوار بين الوزارة والنقابات الأربع لم يحقّق مبدأ الإنصاف ولم يرق إلى مستوى الالتزامات الحكومية. وتسرعت الحكومة في المصادقة على المرسوم في تجاهل لتعديلات النقابات التي شاركت في إعداده، وفق ما ورد في بيانها المشترك، ونشر المرسوم في الجريدة الرسمية خمسة أيام بعد الاحتجاجات الكبيرة لرجال ونساء التعليم يوم 5 أكتوبر، كل ذلك أدى إلى تأجيج الوضع والرفع من وتيرة الإضرابات. كما أن استمرار الوزارة في دفاعها عن جودة النظام الأساسي مع اتهامها المنتقدين بأنهم إما لم يفهموا النص أو لم يقرؤوه، وإقدامها على الاقتطاع من أجور المضربين، حتى بعد اعتراف رئيس الحكومة بأن النظام الأساسي سيتم تجويده، كان له دور في التصعيد.لن أعود لمكامن الخلل في المرسوم لأنني فصلت فيها في مقال سابق لكن، إذا كان من مسؤولية رجال ونساء التعليم الحرص على ضمان حق التلامذة في التعليم وعدم اللجوء إلى الإضراب إلا بعد استنفاذ جميع طرق الاحتجاج الأخرى، فإن إصلاح أزمة التعليم ببلادنا يقتضي بذل الجهد الضروري لتحسين الوضعية الاعتبارية لرجال ونساء التعليم بما يحفظ كرامتهم، كما يقتضي تبني مقاربة تشاركية دامجة تضمن الإنصات لجميع الفئات والتواصل معهم بشكل يمكن من استعادة الثقة بينهم وبين أصحاب القرار.
الواقع أمامنا يكشف عن توتر كبير في صفوف رجال ونساء التعليم واحتقان في الساحة التربوية يدفع ثمنه التلاميذ المغاربة في التعليم العمومي الذي يعيش أصلا في أزمة مزمنة، في حين يستمر التعليم الخاص في أداء مهامه بشكل عادي تجسيدا لمقولة مصائب قوم عند قوم فوائد، وهو ما يكرس ازدواجية منظومتنا التربوية في ضرب صارخ لكل مبادئ الإنصاف وتكافؤ الفرص.
إن تاريخ التعليم ببلادنا مليء بالمحطات النضالية التي يشكل الإضراب عن العمل أحد سماتها البارزة، ويكون ضحيتها الأساسية هو المتعلم الذي يجد نفسه محروما من حقه في التعليم. لكن في السنوات السبع الأخيرة تضاعفت وتيرة الاحتجاج بسبب تبنّي الحكومة توّجها جديدا في التوظيف يعوض الوظيفة العمومية بالتعاقد. وبغض النظر عن التطورات التي عرفها هذا الملف فينبغي الاعتراف بأن الحكومة لم تبلور بشأنه تصورا شاملا يسمح بتقديم الحلول الجذرية لكل الإشكالات التي طرحها. فانتقلنا بالمعنيين بالأمر من منطق الأساتذة المتعاقدين إلى منطق الأساتذة أطر الأكاديميات، مع تأكيد الوزارة أنهم يتمتعون بجميع الحقوق التي يتمتع بها الموظف العمومي. لكن في الحقيقة كانت تحاول فقط تسكين الآلام وليس تقديم الحلّ النهائي لقضية الأساتذة المتعاقدين. عندما أتت الحكومة الحالية قبل أكثر من سنتين التزمت بمعالجة هذا الملف من خلال إخراج نظام أساسي جديد ينصف جميع رجال ونساء التعليم، بل والتزمت بالرفع من أجورهم الشيء الذي رفع من سقف الانتظارات. ما حصل هو أن المنتوج الذي تمخض عن جلسات الحوار بين الوزارة والنقابات الأربع لم يحقّق مبدأ الإنصاف ولم يرق إلى مستوى الالتزامات الحكومية. وتسرعت الحكومة في المصادقة على المرسوم في تجاهل لتعديلات النقابات التي شاركت في إعداده، وفق ما ورد في بيانها المشترك، ونشر المرسوم في الجريدة الرسمية خمسة أيام بعد الاحتجاجات الكبيرة لرجال ونساء التعليم يوم 5 أكتوبر، كل ذلك أدى إلى تأجيج الوضع والرفع من وتيرة الإضرابات. كما أن استمرار الوزارة في دفاعها عن جودة النظام الأساسي مع اتهامها المنتقدين بأنهم إما لم يفهموا النص أو لم يقرؤوه، وإقدامها على الاقتطاع من أجور المضربين، حتى بعد اعتراف رئيس الحكومة بأن النظام الأساسي سيتم تجويده، كان له دور في التصعيد.لن أعود لمكامن الخلل في المرسوم لأنني فصلت فيها في مقال سابق لكن، إذا كان من مسؤولية رجال ونساء التعليم الحرص على ضمان حق التلامذة في التعليم وعدم اللجوء إلى الإضراب إلا بعد استنفاذ جميع طرق الاحتجاج الأخرى، فإن إصلاح أزمة التعليم ببلادنا يقتضي بذل الجهد الضروري لتحسين الوضعية الاعتبارية لرجال ونساء التعليم بما يحفظ كرامتهم، كما يقتضي تبني مقاربة تشاركية دامجة تضمن الإنصات لجميع الفئات والتواصل معهم بشكل يمكن من استعادة الثقة بينهم وبين أصحاب القرار.
- ما الخلاص لتجاوز هذا الوضع في الوقت الذي تتشبّت فيه الحكومة بموقفها والأساتذة بموقفهم؟
إن النافذة التي فتحتها الحكومة عندما اجتمع رئيسها بالنقابات وقرّر مراجعة النظام الأساسي ينبغي أن تفتح باب الأمل في تجاوز الوضع المؤسف الذي نعيش فيه. ولا سبيل لذلك إلا بفتح باب المفاوضات بين جميع الأطراف المعنية دون شروط مسبقة ودون إقصاء أي طرف. كما أن مرجعية الحوار ينبغي أن يكون متّفقا عليها بين الجميع. وأخشى أن يكون التشبث باتفاق 14 يناير 2023 مرجعية يحتكم إليها في تجويد النظام الأساسي، وفق ما ورد في بيان رئيس الحكومة، دافعا لعدم التوصل إلى نظام أساسي جديد يرضي جميع الفئات، خاصة أطر الأكاديميات والنقابات التي لم توقع على الاتفاق المذكور.لقد اتخذت الوزارة لحد الآن عدة قرارات خارج الإطار القانوني للإصلاح المتمثل في القانون الإطار 51.17، وفعلت الشيء نفسه عندما أعدت النظام الأساسي الجديد الذي أثار كل هذه الاحتجاجات. وأعتقد أنه حان الأوان للرجوع إلى جادّة الصواب بالاحتكام إلى هذا القانون الذي طاله النسيان. وأول خطوة على هذا الدرب هي وضع إطار مرجعي للوظائف والكفايات بطريقة تشاركية، ثم عرضه على المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي لطلب رأيه فيه، مما سيمكن من توسيع دائرة التشاور في شأنه. هذا الاحتكام إلى المرجعيات يقتضي أيضا الالتزام بما نص عليه البرنامج الحكومي من تدابير مرتبطة بالنظام الأساسي نذكر منها الرفع من الأجور بمقدار 2500 درهم وإدماج المربيات والمربين وإلحاق المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بالجامعات. غير أن أهم نقطة تنتظر حلا جذريا تتعلق بوضعية الأساتذة أطر الأكاديميات وسؤال إدماجهم أم لا في الوظيفة العمومية مع ما يترتب عن ذلك من وضوح في الخطاب وتحمل لمسؤولية القرار المتخذ. إما الإدماج في الوظيفة العمومية مع ما يترتب عن ذلك من صعوبات إدارية وتدبيرية قد ترقى إلى مستوى الاستحالة إلا بتدابير استثنائية. وإما الإبقاء على الوضعية المقترحة في النّظام الأساسي مع تبني نهج الشفافية التامة في شرح القرار للمعنيين بالأمر.
إن النافذة التي فتحتها الحكومة عندما اجتمع رئيسها بالنقابات وقرّر مراجعة النظام الأساسي ينبغي أن تفتح باب الأمل في تجاوز الوضع المؤسف الذي نعيش فيه. ولا سبيل لذلك إلا بفتح باب المفاوضات بين جميع الأطراف المعنية دون شروط مسبقة ودون إقصاء أي طرف. كما أن مرجعية الحوار ينبغي أن يكون متّفقا عليها بين الجميع. وأخشى أن يكون التشبث باتفاق 14 يناير 2023 مرجعية يحتكم إليها في تجويد النظام الأساسي، وفق ما ورد في بيان رئيس الحكومة، دافعا لعدم التوصل إلى نظام أساسي جديد يرضي جميع الفئات، خاصة أطر الأكاديميات والنقابات التي لم توقع على الاتفاق المذكور.لقد اتخذت الوزارة لحد الآن عدة قرارات خارج الإطار القانوني للإصلاح المتمثل في القانون الإطار 51.17، وفعلت الشيء نفسه عندما أعدت النظام الأساسي الجديد الذي أثار كل هذه الاحتجاجات. وأعتقد أنه حان الأوان للرجوع إلى جادّة الصواب بالاحتكام إلى هذا القانون الذي طاله النسيان. وأول خطوة على هذا الدرب هي وضع إطار مرجعي للوظائف والكفايات بطريقة تشاركية، ثم عرضه على المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي لطلب رأيه فيه، مما سيمكن من توسيع دائرة التشاور في شأنه. هذا الاحتكام إلى المرجعيات يقتضي أيضا الالتزام بما نص عليه البرنامج الحكومي من تدابير مرتبطة بالنظام الأساسي نذكر منها الرفع من الأجور بمقدار 2500 درهم وإدماج المربيات والمربين وإلحاق المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بالجامعات. غير أن أهم نقطة تنتظر حلا جذريا تتعلق بوضعية الأساتذة أطر الأكاديميات وسؤال إدماجهم أم لا في الوظيفة العمومية مع ما يترتب عن ذلك من وضوح في الخطاب وتحمل لمسؤولية القرار المتخذ. إما الإدماج في الوظيفة العمومية مع ما يترتب عن ذلك من صعوبات إدارية وتدبيرية قد ترقى إلى مستوى الاستحالة إلا بتدابير استثنائية. وإما الإبقاء على الوضعية المقترحة في النّظام الأساسي مع تبني نهج الشفافية التامة في شرح القرار للمعنيين بالأمر.