الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

أمين سامي: الصراع الأوكراني-روسي والنظام العالمي الجديد

أمين سامي: الصراع الأوكراني-روسي والنظام العالمي الجديد أمين سامي

إن الصراع الروسي الأوكراني ليس وليد اللحظة بل هو قديم من أيام الاتحاد السوفيتي سابقا وبالتالي ولكي نفهم هذا الصراع لابد من الرجوع للتاريخ السياسي والجغرافيا السياسية وهذا يلزمه وقت للشرح والتفصيل ولكن اليوم هذا الصراع الروسي الأوكراني هو ليس صراع مع أوكرانيا بل هو صراع أكبر من ذلك بكثير صراع بين المعسكر الشرقي الشيوعي بزعامة روسيا والصين والمعسكر الغربي الرأسمالي بزعامة أمريكا والاتحاد الأوروبي، وبالتالي أوكرانيا هنا هي مجرد دمية فقط (حرب الوكلاء).

ولكن يبقى مع ذلك أن أوكرانيا تتوفر على منطقة استراتيجية تربط بين المعسكر الشرقي والغربية بامتياز.

والرجوع إلى مجال العلاقات الدولية نجد المدرسة الواقعية تعتمد في تحليلها للعلاقات الدولية على مقولة أساسية، وهي ''أن هذا العالم هو عالم الصراع والحرب، والصراع والحرب هما أساس العلاقات الدولية'' وأن لكل دولة من دول العالم مجموعة من المصالح القومية، يمكن إجمالها في ثلاث مصالح رئيسية:

1-مصلحة البقاء:

وهي المصلحة الأساسية الدولية، وتعني أن تظل موجودة ماديا ولا يتم إلغاؤها.

2-مصلحة تعظيم القوة العسكرية:

حيث أن الأداة العسكرية هي أداة الدولة الأساسية للدفاع عن نفسها ضد الطامعين.

3-مصلحة تعظيم القوة السياسية:

يتم الاهتمام بالبعد الاقتصادي والتجاري في العلاقات الدولية، لأن ذلك هو الأساس المادي الذي تقوم عليه مصلحة تعظيم القوة العسكرية.

إن الحروب اليوم وغذا، هي حروب الصراع على الأمن المائي، والأمن الطاقي، والأمن الغذائي، وصراع الأمن الصحي... وبالتالي غزو روسيا لأوكرانيا فهو يشمل هاته الأسباب التي ذكرناها.

إن دوافع الحرب الروسية الأوكرانية عديدة ومتعددة نجملها في ما يلي :

1-الدفاع والحفاظ على أمنها القومي بدرجة عالية جدا، حيث تعتبر روسيا أن أي تهديد لأمنها القوي هو خط أحمر يمكن أن تنشب عنه حرب عالمية ثالثة، خاصة بعد ما تقدمت أوكرانيا بطلب الانضمام إلى حلف الناتو. فروسيا تعتبر أوكرانيا جزء من الاتحاد السوفيتي مثلها مثل الشيشان وجورجيا وبيلاروسيا... وبالتالي أي خروج من هذا الحلف فهو تهديد مباشر للأمن القومي الروسي. وهنا تظهر مصلحة البقاء.

2-روسيا لديها قناعة راسخة أن القرار الأوروبي ليس قرارا أوروبيا بقدر ما هو أمريكي وأصبحت أوروبا مجرد دمية تحركها أمريكا كما تشاء، وهذا يتجلى من خلال ولاية الرئيس السابق الأمريكي ترامب والحالي بايدن. وبالتالي فروسيا تريد إعادة تشكيل البيت الداخلي الاوروبي وفق المنظور الروسي دون أن يشكل عليها تهديد مستقبلي.

3-بالرجوع الى المحادثات الفرنسية الروسية وطريقة الكلام، يتضح من خلال اجتماع الرئيس الفرنسي مع نظيره الروسي كل منهم في طرف الطاولة على تباعد المواقف وتباعد المصالح وهذا يدل على أن لايوجد اتفاق.

4- روسيا هي المصدر الأول للغاز لأوروبا حيث تستهلك أوروبا 40% من الغاز الروسي وبالتالي روسيا تحافظ على مصالحها بشكل كبير خاصة أنه اتضح في السنوات الأخيرة أن منطقة الدونباس الأوكرانية غنية جدا بما يسمونه غاز الشيست الذي اتفق الأمريكان مع الأوكران على استخراجه وبيعه لأوروبا عوضا عن الغاز الروسي الطبيعي.

5-منطقة الدونباس كانت المنطقة الصناعية الرئيسية لكامل الاتحاد السوفياتي. بها الأفران التي تنتج محركات صواريخ الفضاء التي صارت أمريكا تشتريها من روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، (وهي الآن ضمن نطاق أوكرانيا)، لأن نصف صواريخ أمريكا التي كانت ترسلها للفضاء تحترق.

6-كل أراضي أوكرانيا هي من نوع التربة السوداء الشديدة الخصوبة، وبالإضافة لكون أوكرانيا من حيث المساحة هي أكبر دولة أوروبية (روسيا عندها فقط 321 ألف كلم مربع في أوروبا) والباقي في آسيا. ولذلك فإن أوكرانيا كانت المصدر الرئيسي للغذاء في الاتحاد السوفياتي وكذلك الآن بالنسبة لروسيا، ويريدونها أن تصبح سلة أرووبا الغذائية، وهو ما يغضب الروس الذين لا تنتج أراضيهم شيئا مهما بسبب الجليد.

7-الصراع الخفي والذي تقوده الصين في الخفاء وهي الحليف الاستراتيجي لروسيا في غزو الأسواق الأوروبية وإغراقها بالمنتجات الصينية تعتبر أن أوكرانيا هي المحور الأساسي الذي يربط الشرق بالغرب، فالحزام الاقتصادي الذي يمر بروسيا وأوكرانيا وصولا الى أوروبا يجب أن يكون تحت التصرف الروسي الصيني دون تدخل أجنبي فروسيا اليوم تمهد الطريق أمام الصين لاكتساح أوروبا والسيطرة عليها روسيا من خلال الغاز الطبيعي والصين من خلال المنتجات الصينية.

وأخيرا فإن روسيا مستعدة للتضحية بمليون مقاتل كي لا تخسر أوكرانيا لأنها جزء حيوي منها وتعتبرها جزء من اراضيها التاريخية، وكي لا تسمح بتهديد اراضيها في حال انضمت اوكرانيا إلى الناتو واصبحت صواريخ الغرب الثقيلة على تخومها. أما الغرب فليس له قضية وطنية في هذا النزاع إنما يريد كسر هيبة وقوة روسيا واخضاعها من خلال ضم اوكرانيا للناتو ولكن هذا فوق طاقة أوروبا وأمريكا لفعل ذلك بل تهويل فارغ.

 

أمين سامي، خبير في التخطيط الاستراتيجي للمنظمات غير الحكومية