السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد دخاي: سيميائية الأهواء وبلاغة عنف اللغة في الخطاب السياسي عند عبد اللطيف وهبي

محمد دخاي: سيميائية الأهواء وبلاغة عنف اللغة في الخطاب السياسي عند عبد اللطيف وهبي محمد دخاي

تشكل اللغة السياسية عند وزير العدل عبد اللطيف وهبي في تداوليتها الخطابية منطلقا لاشتغال سيميائي يعمل على الانطلاق من الاشتغال على بلاغة اللغة وفقا لمستويات متعددة لا كفعل لساني يتكون من خصائص أسلوبية وتركيبية ومعجمية مميزة فقط، ولكن من ناحية المتن، حيث تحضر من الناحية الذرائعية عند بعض الباحثين اللسانيين كأداة لممارسة العنف، لأنها تفسر بتأثيرها لا بمعناها كما أنها قـد تصبح آلة لتكريس الـزيـف والتضليل والـمـغـالـطـة، ذلك أن السيميائيات في سياقات اهتمامها بالخطاب السياسي باعتباره مجموعة من الاستراتيجيات التفاعلية بين الذوات الفردية والجماعية تجاوزت فيه النسقية المعجمية والتراكيب إلى تحليل بنية العلاقات الوظيفية بين المرسل والمتلقي تكون قد تمت خلال محددات زمانية ومكانية، لان الخطاب السياسي ينتمي إلى المجال البلاغي باعتباره خطابا ينشد التأثير والاستمالة قصد الانخراط أو الفعل وهو ما كان له الأثر البالغ بعد إدخال الخطاب السياسي داخل مجال الدرس اللغوي والبلاغي والسيميائي كبقية الخطابات الأخرى كالخطاب الديني والإعلامي والإشهاري... إلخ .

 

وقد شغلت النسقية المعجمية المستعملة في الخطاب السياسي عند عبد اللطيف وهبي في تقاطعاتها اللسانية والمعرفية من خلال وظائفها التواصلية تأويلات متعددة، بحكم أنها غالبا ما تكون عبارة عن مقاطع تحيل على جمل قائمة والجملة عند اللساني (ماريو باي) ليست إلا تتابعا من الكلمات والمرقمات التنغيمية مما يدخل في إيضاح المعنى، لأن العالم الإنساني وكما يقول (جوليان كريماس) لا يكون إنسانيا إلا في حدود إحالته على معنى بل أن وجوده هو ذاته هو وجود للمعنى مما جعل البعض يصنفها في إطار اللغة والسلوك السياسي المتدهور، كما في رد (عبد الرحيم أريري) الذي وصف لغة عبد اللطيف وهبي (بالساقطة والحامضة والمنحطة)، بدعوى أنانية صاحبها المفرطة وخطرها على التنشئة الاجتماعية وأنها خارج الوعي السياسي الجمعي .

 

ما تعمل على تسميته وسائل التواصل الاجتماعي بزلات وهفوات وزير العدل عبد اللطيف وهبي قد نجد له عدة تأويلات، ترى إحداها أنها تلقائية بحكم تعدد التمظهرات اللغوية  وتشعبها داخل الجماعات اللغوية من جهة، ثم أن الوزير وهبي كان يشتغل بالمحاماة وهو خطاب له لغته المهنية والتقنية وهي لغة متخصصة كما يصنفها المعجم الديداكتيكي للغات وهو ما يبرر الحدود الفاصلة بين المعجم العام والمعجم المتخصص، كما أبرزها الباحث والأكاديمي (عبد النبي سفير) من خلال كتابه بينة اللغة المتخصصة في النظرية المصطلحية الحديثة ثم أن التواصل البشري أعقد من أي تواصل آخر، لأن استعمال العلامة في هذا المجال لا تتم كما يقول (فريديناند دي سوسير )، إلا داخل الحياة الاجتماعية، لهذا يشترط التعاون قصد إيصال الرسالة إلى المتلقي ولن يتحقق ذلك أيضا إلا بالتواضع المتبادل والتوافق حتى يتسنى لأي حوار يقوم بين المتكلم والمتلقي تقديم أفكار في شكل شيفرات codes متواضع عليها، لأن الحوار وكما يرى الباحث الأكاديمي (محمد العمري) ينبغي أن يكون داخل دائرة الممكن، لكنه قد ينزلق خارج الدائرة حين يصادر أحد الطرفين حق الآخر في المعرفة أو النظر أو الاعتبار (حيث يستغفله أو يستخف به). وقد يتم الانزلاق من مقام إلى مقام فيختل الحوار أو يضطرب، كما يحدث حين القفز من المشاورة إلى المنازعة، أو من المناظرة إلى الاستهواء.

 

مند مدة وأنا اعمل على رصد آليات اشتغال تشكلات بناء لغة الخطاب السياسي عند عبد اللطيف وهبي من خلال ما يسمى بالترهينات الخطابية التي لا تكون مجردة وإنما تنطلق غالبا من مرجعيات واقعية تحيل على اليومي، والتي غالبا ما يستعمل ذاتا معينة في بينتها السردية والتي غالبا ما تنطلق من ضمير الأنا  L'egoكخاصية شكلية تبرز البعد الذاتي القوي في الخطاب السياسي وهي الأنا السياسية التي لا تتشكل خارج الخطاب السياسي للحزب الذي ينتمي إليه عبد اللطيف وهبي، مما يعني أنا الأنا السياسية هي تأكيد للذات الجماعية لأن عبد اللطيف وهبي المتحزب (السياسي) ليس هو عبد اللطيف وهبي الوزير (السلطوي)...

 

إن جميع الملفوظات التي يستعملها الوزير عبد اللطيف وهبي في حواراته تمنح المتلقي شرعية بناء دلالتها وغالبا ما يتم تأويلها بشكل سلبي، لان الرأي العام في الخطاب السياسي يمثل شاهدا، ويقوم بفعل تأويلي؛ إنه يؤول أقوال وأفعال الذوات المنتجة للخطاب، لأنها تستعمل خارج النسقية المعجمية للخطاب السياسي للمتلفظ الذي يقوم على إنجازية أفعال تبني العلاقات كبناء جماعي لا يسمح للسياسي بتذويت ذاته كما في حديثه مع موظف بتارودانت وهو يخاطبه على أن جميع الأجهزة تشتغل إلى جانبه، فهو الأنا المتمركزة التي لا تتأسس الذوات الأخرى إلا من خلالها، وهي حالة ناقشتها سيميائيات (جوليان غريماس وجاك فونتيتني) من خلال كتابهما: سيميائيات الأهواء ...

 

إن بناء النسقية المعجمية في التواصل السياسي الذي يعد وجها من أوجه الحياة الاجتماعية، يزكي أن لغة الإنسان الأساسية سياسية كما يرى (روبن دنبار)  Robin Diunbar عند عبد اللطيف وهبي تنطلق من هوى ذاتي لا يمكن تفسيره إلا من خلال التقطيعات الثقافية المخوصصة الذي يتحقق بداخلها، لأن الهوى وكما يرى الدكتور (سعيد بنكراد) جزء من كينونة الإنسان وجزء من أحكامه وميولاته وتصنيفاته، أنه سلوك (هوووي) بتعبير جوليان غريماس، لأن هوى السيميائيات هوى تركيبي دلالي لا يلتفت إلا للممكنات الكامنة التي يمكن أن تتجسد من خلال وجوده الأدنى كما يتحقق في القواميس، ثم لأن السيميائيات تحتفي بالسيرورات التي تؤدي إلى المعنى سواء كانت (انساق لغوية) أو (غير لغوية) كقيامه مثلا في بعد إشاري وأيقوني بمنع سيدة اسمها زليخة من طريق رئيس الحكومة عزيز أخنوش  .

 

إن ما سمي بزلات الوزير عبد اللطيف وهبي اللغوية في جميع تجلياتها اللفظية وغير اللغوية لا تعني إلا شيئا واحدا بان التواصل السياسي يفرض معرفة التمفصلات الاجتماعية والثقافية في بناء الخطاب وكيف أن المجتمع يتدخل بشكل كبير في تحديد المعاني اللغوية التي ينتجها الخطاب السياسي كحدث تفاعلي سياقي كامل يشير إلى الممارسة الاجتماعية، وهو ما نلاحظه حتى من خلال غياب الاستقرار في العناصر الصوتية، والتي ترجع  إلى حالة اللاستقرار النفسي، التي انعكست على لغة الخطاب حيث نجد عبد اللطيف وهبي عندما يتحدث كثيرا ما يتكلم  بنبرة متسرعة لا تراعي مخارج الحروف فهو يستخدم نبر الجملة في نطاق ضيق، ويستخدم التنغيم لتجسيد مواقفه السياسية وتصويرها بشكل متسرع، في إحالة على انفعالات أو توترات يمثلها التذبذب في طبقة الصوت، والتنوع في التنغيم دون نسيان أن الأمازيغية هي اللغة الأم لعبد اللطيف وهبي وليست اللغة العربية .

 

وتعد نظرية أفعال الكلام المنتمية إلى حقل التداوليات في الخطاب اللساني من النظريات الجديدة لما تملكه من مفاهيم إجرائية وتصورية التي يمكن أن تشتغل على بلاغة اللغة السياسية بناء على قصدية المتكلم انطلاقا من تمييز الباحث (غرايس) ما بين المعني العام والمعنى السياقي، وبالتالي دراسة الكفايات التداولية لأي خطاب سواء كان  سياسيا أو إعلاميا، مما يعني هنا أن لغة عبد اللطيف وهبي غير موافقة لمقتضى الحال، وهو ما جعل الوعي الجمعي بالمغرب يرى فيها لغة سياسية غير مقبولة كما كان يرى في لغة عبد الإله بنكيران وغيره من لغة عنيفة يتم تداولها في متن الخطاب السياسي، والتي غالبا ما تأتي كرد فعل والفعل اللغوي عند الباحث (موشلير) هو نشاط يهدف إلى إعادة  تحويل الواقع.

 

- محمد دخاي، أستاذ باحث في التواصل وتحليل الخطاب