الجمعة 26 إبريل 2024
فن وثقافة

"المغرب الذي كان".. الفتَّان "بوحمارة" يستغل الشائعات ويعلن نفسه سلطاناً (14)

"المغرب الذي كان".. الفتَّان "بوحمارة" يستغل الشائعات ويعلن نفسه سلطاناً (14) هشام بنعمر بالله وصورة السلطان مولاي عبد العزيز ورسم يمثل "الفتان بوحمارة" عمر الزرهوني

اختارت جريدة "أنفاس بريس" طيلة شهر رمضان أن تقدم لكم بعض المقتطفات من الترجمة العربية التي قام بها الأستاذ هشام بنعمر بالله لكتاب "المغرب الذي كان" للصحفي البريطاني "والتر هاريس" الذي عاش في طنجة ما بين سنتي 1887 و1921 وعاصر أهم الأحداث التاريخية التي عاشها المغرب نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

الكاتب الصحافي البريطاني "والتر هاريس" ولج البلاطُ الحسني بوساطة من الحراب البريطاني "السير ماك لين" الذي استقدمه السلطان الحسن الأول لتطوير الجيش المغربي.

كان يتستر تحت غطاء الصحافة مراسلاً صحفياً لجريدة "التايمز" في طنجة لمزاولة مهام استخباراتية دنيئة، وخدمة المصالح القنصلية البريطانية والفرنسية حيث رافق الكثير من السفارات الأوروبية إلى البلاط المغربي. وخلال مقامه الممتد في المغرب ما بين 1887 و1921 بالمغرب ظلَّ يتقرب من مختلف الدوائر والمؤسسات المؤثرة في مغرب نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وقد عاصر ثلاث سلاطين وتمكن من نسج علاقات مع مكونات المجتمع المغربي (وزراء وموظفو المخزن الشريف، وشيوخ القبائل والزوايا الدينية بالإضافة الى اللصوص وقطاع الطرق، وعموم الناس...)

الكتاب حسب المترجم يرسم صورة قاتمة عن نهاية المخزن المغربي (التقليدي) أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وسقوط المغرب في قبضة القوى الاستعمارية الغربية. سقوط يسعى الكاتب من خلال مؤلفه المذكور (المغرب الذي كان) بقليل من الموضوعية إلى تبيان أسبابه ومظاهره بأسى شديد". ونشر الكتاب لأول مرة باللغة الانجليزية تحت عنوان مثير (Moroccothatwas) الذي ارتأى الأستاذ هشام بنعمر بالله ترجمته بالعربية بـ "المغرب الذي كان"، عن دار النشر William Blackwood And Son بلندن سنة 1921 بينما صدرت ترجمته الفرنسية عن دار بلون Plon سنة 1929 لبول اودينوPaul Odinot  تحت عنوان طويل :

Le Maroc disparu (Anecdotes sur la vie intime de MoulyHafid, de Moulay Abd El Aziz et de Raissouli)

وقد اعتمد الأستاذ هشام بنعمر بالله في الترجمة بالأساس على النسخة الفرنسية التي ذكرناها مع الرجوع، في أكثر من مرة، إلى النسخة الأصلية باللغة الإنجليزية كلما بدا له الأمر ضرورياً لتصحيح الترجمة العربية لتبدو أمينة قدر الإمكان. واختار لها عنواناً "المغرب الذي كان" لأسباب لا يسمح المقام للخوض فيها و مناقشتها.

 

في نهاية سنة 1902 عاد مولاي عبد العزيز إلى فاس تحدوه الرغبة في إجراء بعض الإصلاحات، لكن بإهمال مقلقٍ، كانت نواياه طيبة، لكن كان هناك أمرٌ واحد لا يرغب فيه الوزراء وهو الإصلاح الذي كان سيغير من طريقة عيشهم ويقلِّصَ من ثرواتهم، ويُعِيقَ عادات الفسادِ (الارتشاء/ الرشوة)  التي كان من مصلحتهم أن تدُوم.

 

هكذا كانوا يغضُّون الطرف عن التبذير العبثي، ويُراقبون السلطان وهو يبدد ممتلكاته، وعائدات البلاد من أجل الاستفادة لا غير.

 

راجت الشائعات والأقاويل بين القبائل بخصوص ما يحدث في القصر (داخل القصر). على سبيل المثال وجد السلطان أن الجدران البيضاء للسَّاحة الداخلية للقصر أكثر انعكاساً (لأشعة الشمس) فقام بطلائها باللون الأزرق. تجديد غير مرغوب فيه في بيئة تحكمها التقاليد.

 

أصبحت الجدران الداخلية للقصر بادية للعيَّان من أعلى التلال المشرفة على فاس، واللَّونُ الأزرق الفاتح أصبح يُثِيرُ (فضُولَ) القرويين (الفلاحين) الذين يرتادون السُّوق المحلية. بالنسبة لهُم فإن هذا الأمر مُخالفٌ للعادة الإسلامية (التقاليد الإسلامية)، والأمر يتعلق بعادة مسيحية. تَداول النَّاس شائعةً تقول أن مولاي عبد العزيز خسر (فقد/ أضاع) ثروته في لعب الورق مع النَّصارى (المسيحيين)، وأنَّهُ أصبح يستعمل في المُراهنات مُختلف أجنحة (أروقة) القصر، وأنه (فقَدَ) هذا الجزء من القصر في إحدى المراهنات. لذلك عَمَدَ النَّصرَانيُّ (الرومي) الذي كسب الرِّهَان  إلى طلائه باللون الأزرق.

 

لكن من المؤكد أن ألعاب الورق لم تكن معروفة في القصر، كما لم يُبدي السُّلطان ميلاً إلى ألعاب (المرُاهنة) التي حرمها في القرآن. كان السُّلطان الشاب حَريصاً على الالتزام (والتَّقيُّدِ بتعاليم الدين الإسلامي).

 

كانت الشائعات حول تأثير النصارى تنتشرُ بسرعة، سرعة النار في الهشيم، وكان المستفيد منها على العُموم المغاربة الانتهازيون، وأكثرهم انتهازية المدعو "عمر الزَّرهُوني".

 

كان مُتعلماً، وشغل منصب كاتبٍ في القصر، غير أن هفوة وضعت حداً لمسيرته في مُحيط القصر. عمل لفترة في منصب كاتب عند القائد "حمُّو الحسَن"، قائد قبيلة "بني مطير" البربريَّة، وفي هذه الفترة تَعرَّفْتُ اليه.

 

في سنة 1901 غادر "عمر الزرهوني" القائد "حمُّو بن الحسن"، واختفى من البلاد. تمتع بالكثير من المواهب (المألوفة)، ومن بينها القدرة على التزوير، كما كان يتقن بعض الحيل العادية (السحر والشعوذة).

 

كان يملك أيضاً لساناً سليطاً، وبواسطته كان يعيشُ متنقلاً بين القبائل على ظهر أتان (حمارة) ومنها اشتق الاسم الذي اشتهر به في جميع انحاء البلاد، "بوحمارة" وتعني "صاحب الحمارة". حقَّقَ أكبر نجاحٍ بين قبائل الرِّيف (السُّدج).

 

انطلق ببساطة من فكرة الحصول على الرزق، غير أنه رأى أنَّ بإمكانه تحقيق مسَارٍ أكثر إثارة. تنبؤاته وخطابه المثير ومواهبه في أعمال الدَّجل (الشعوذة)، حتى لا نأتي على ذكر الأتان (الحمارة)؛ جعلته يتمتع بحظوة دينية.

 

في أحد الأيام، أعلن انَّهُ "المولى آمحمَّد" أكبر أبناء السُّلطان الأسبق "مولاي الحسن"، وبالتالي الأخ الأكبر للسُّلطان الحاكم "مولاي عبد العزيز".

 

خلال فترة قصيرة ظَلَّ يركبُ ظهر حمارته، وكانت حقَارةُ هذه الوسيلة قد أضَافت له بعض الاعتبار عند الأتبَاع.