الأربعاء 8 مايو 2024
فن وثقافة

الكاتب فؤاد السويبة: الكتاب خلق ليبقى، وهذا رأيي في تصريح بنكيران عن الأدباء والفلاسفة

الكاتب فؤاد السويبة: الكتاب خلق ليبقى، وهذا رأيي في تصريح بنكيران عن الأدباء والفلاسفة

من الأدب إلى السينما والإعلام، مرورا برئيس الحكومة ووصولا إلى القضايا الأمنية في عالم يئن تحت وطأة "الإسلامفوبية"، كان مسار الحوار الذي أجرته "أنفاس بريس" مع الكاتب والمخرج فؤاد السويبة. وفيه كشف عن الخطوط العريضة لأخر أعماله الروائية، وكيف خلقت الأسباب الكفيلة بألا ينتظر تعويض أي وسيلة من وسائل التكنولوجيا الحديثة للكتاب الورقي. هذا، فضلا عن رأيه في الانتقادات المصوبة تجاه الأعمال المتخذة من الهزل طريقة لمعالجة قضايا كبرى وشائكة. أما وجهة نظره في ما نسب إلى عبد الإله بنكيران حول عدم حاجة المغرب والمغاربة للأدباء والفلاسفة، فكانت..!!

بداية، كيف يمكن أن تطمئن معارفك من الدائرتين الصغيرة والكبيرة عن حالتك الصحية بعد الوعكة الأخيرة؟

بدوري كنت مقررا لأن أستغل هذه الفرصة لأتوجه بكل الشكر والامتنان لجميع من أبدوا مشاعر الانزعاج عن صحتي في الأيام القليلة الماضية، سواء بسؤالهم عبر الهاتف أو بعيادتي، أو من خلال شبكات التواصل الاجتماعي. فشكرا مرة أخرى لهؤلاء. وأبلغهم أنني أستعيد ولله الحمد عافيتي. وما هي إلا مسألة وقت ليمل مني التعب نهائيا ويذهب لحال سبيله.

ولو أن اللقاء بك يغري الكثير من الأسئلة بمختلف توجهاتك الأدبية والفنية، إلا أن توقيعك الأخير لروايتين على هامش مهرجان بنجرير السينمائي ربما ينتزع صدارة الأولويات. لهذا حبذا لو تطلعنا ولو بعجالة عن مضمون هذه الأعمال؟

بالفعل كانت المبادرة من اللجنة المنظمة للمهرجان بإقامة حفل توقيع، والحقيقة أنني سعدت بلحظات لقاء الجمهور من عشاق القراءة. أما إن أردت الحديث عن الروايتين، فالأولى بعنوان "لانكومبغي دو الحي المحمدي"، وتحكي عن مسار عائلة مغربية بمنطقة الحي المحمدي في مدينة الدار البيضاء، بطلها ممثل يختزل الظروف التي عاشها الفنان طيلة نصف قرن من الزمن. هذا بالربط مع كل ما حاط بالحيثيات التي رافقت نضال والده وجده في مقاومتهما للاحتلال إن الفرنسي أو الإسباني بالشمال تحت قيادة عبد الكريم الخطابي. ومقابل كل هذا تبرز صورة هذا الفنان الذي بقي قابعا في ذلك الحي الشعبي وتحديدا بمدن الصفيح عبر تناسل الأحداث التي لن أحرم القارئ حق الرغبة في اكتشافها وبطريقته.

الرواية الثانية والمعنونة بـ"المحتجزون" تتطرق لما حف المصطلح عليه بـ "الربيع العربي" من خيبات ومشاكل، سواء قبل أو أثناء أو بعد الثورة الليبية تحديدا، على اعتبار أن أغلب الأحداث تجري على تراب هذه الدولة. وفي مقدمتها تلك التي تخص زوجين مغربيين يمتهنان الطب، رحلا إلى العاصمة طرابلس لأجل الاستقرار بها. وهنا سيتدخل قدرهما ليزج بهما في منزل هانبيال القذافي الذي عرف بتلذذه بتعذيب الخدم. الأمر الذي حدا بهما إلى الفرار الذي تزامن مع اندلاع الثورة، ومن ثمة التواجد في مأزق محاولة الاختباء في دهاليز الأخيرة. لكن كان منية ذاك التمني واستطاعت اللحاق بهما. لتحل ساعتها لحظة ضرورة اقتحام دروب النضال ضد القذافي إلى أن طفت بواعث جديدة لثورة أخرى تعيشها بلاد عمر المختار. والتي، للأسف، لا زلنا نعيشها إلى اليوم، وبأنحاء ثانية من عالمنا العربي كسوريا واليمن وتونس. بعد أن أتى اليقين بأنها لم تكن ثورات، وإنما اضطرابات مدبرة من قبل قوى معينة.

لنترك الحي المحمدي وثورات القذافي للسؤال عن رأيك في ثورة من نوع خاص، وأعني الثورة التكنولوجية وخاصة في ظل تهديدها للكتاب إلى درجة أن هناك من وصف حاله بالصراع من أجل البقاء..

سنكون شبه النعامة التي تخفي رأسها في الرمل إذا ما حاولنا إنكار ما للتكنولوجية الحديثة من تأثير على مستوى القراءة. لكن، لا يعني ذلك فقدانها للقيمة أو المرتبة التي استحقتها منذ قرون. إذ شئنا أم أبينا يبقى لكل مصدر تميزه، وبالتالي لا يمكن تصور يوم تفقد فيه هذه النعمة. طالما أنه وبموت المطالعة ستدفن معها قيم كثيرة تعد حجر الأساس لوجود المجتمعات. لهذا، فلا الصوت ولا الصورة ولا الإنترنيت بإمكانهم زعزعة الكتاب الورقي عن عرشه. لذلك أُقدر كثيرا، كحامل مشعل الكتابة والقراءة، كافة المبادرات الساعية إلى تقديم مؤلف هنا أو هناك.

كلامك هذا لا يمكن إلا أن يجرنا لما نسب إلى رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، والمتمثل في تأكيده على عدم حاجتنا للأدب والفلسفة وإنما فقط للمواد العلمية. ما وجهة نظرك؟

الجواب يقتضي العلم بالسياق الذي أتى فيه الكلام المفترض لرئيس الحكومة، ومادمت غير مطلع عليه لا أستطيع الإدلاء بحكم حاسم. ومع ذلك يمكنني الإقرار بأن ما أعلمه عن بنكيران كونه رجل بمستوى جامعي ومحاط بأناس مثقفين، كما أنه باقتناع تام على أن ميزان الحياة يحتم توفر جميع الاتجاهات، ومن المستحيل إقصاء أي تخصص لسبب بسيط، وهو عدم إمكانية إنابة أي كان عن الآخر. فقد يكون تكامل لكن دون تعويض.

بما أنك ترأست قبل أسبوعين لجنة تحكيم مهرجان بنجرير السينمائي. كيف تنظر للأعمال التي اتجهت إلى موجة معالجة أكبر القضايا بأسلوب هزلي؟. خلفية السؤال هي انتقاد بعض المتتبعين لهذا الصيغة..

هي مناسبة أغتنمها أيضا لتحية القائمين على هذا المهرجان الذي تشرفت برئاسة لجنة تحكيم دورته الثالثة إلى جانب زملائي المخرج مصطفى مضمون، والمخرج السيناريست رشيد زكي، والدكتور الباحث في الشأن السينمائي محمد طروس. أما بخصوص الجواب عن السؤال دعني أوضح أولا بأن لكل مبدع كان مخرجا أو سيناريست أو مؤلفا الصلاحية في تناول الموضوع كما يشاء، يبقى فقط احترامه لمقاييس الموضوعية والحبكة. وعليه، أقول بأن هناك فعلا قضايا يصعب إيجاد المنفذ لتحويلها إلى منتوج إبداعي سلس. وهنا ربما تكون الفكاهة أو الهزل، إن جاز التعبير، المطية الأفضل لذلك. ولنأخذ الممثل العالمي شارلي شابلن على سبيل المثال، والذي قدم الديكتاتور الألماني أدولف هيتلر في فيلم رائع جدا على نحو طريف قبل أن تؤول إليه الأوضاع وقتها إلى ما آلت إليه. إذن، مابالك اليوم في ظل هذه الملفات الضخمة المطروحة سواء وطنيا أو دوليا، التي لا أعتقد بأنه من الصواب الإغراق في تصويرها عبر المشاهد المأساوية. فالأساس هو بلوغ الرسالة، ومتى تم ذلك رفعت الأقلام وجفت الصحف.

ربما إقرارك بأنك حامل مشعل القراءة والكتابة ورطك في ما يستفاد منه انعدام أي خط أحمر لنوعية الأسئلة. لذلك، ما موقفك من الأحداث الإرهابية المقترفة باسم الإسلام وكيفية التعاطي معها إعلاميا؟

موقف معارض طبعا...

(مقاطعا) لم أقصد مبدأك من أعمال العنف لأنه واضح، بل الستار الذي يختفي وراءه المنفذون

أيضا موقف معارض. والأكثر من ذلك لا أظن بأن أي إنسان "إنساني"، بصرف النظر عن ديانته، سيتفق مع طرح هؤلاء المجرمين المدعين الإسلام وهو براء منهم. والأفظع المؤلم هو سماحهم لأنفسهم التحدث باسم دين محمد والدفاع عنه كأوصياء مكلفون. فالإسلام لم يكن يوما في حاجة لسند آدمي، وهو الذي أثبت قدرته على حماية ملته لمآت السنين. كل هذا، ويأتي اليوم من ينصب نفسه موقع الحامي وبمبررات تشجبها كل القوانين السماوية والوضعية حتى حولوه إلى شبح وفوبيا جرت ويلات على شعوب البلد المستقبل وساكنته المسلمة من المهاجرين. أما التعاطي الإعلامي، فقد زاد للطينة بلة، ولا يستقيم سوى وصفه بالعبثي التافه. ولا أدل على ذلك ما ينشر ويشاهد من تحريف لمقاصد الدين. دون القفز بطبيعة الحال عن بعض التناول المعتدل لمنابر ووكالات معينة. وفي هذا الاتجاه يكفي التذكير بأن الجواب الصريح جاء قبل 1400 سنة في قوله تعالي بسورة "الحجرات" (يا أيها الناس إِنا خلقناكم من ذكرٍ وأُنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا. إن أكرمكم عند الله أتقاكم). إذ من هذه الحجة الإلاهية يمكن القول بأنه لا مانع كان سيقف أمام  أمره تعالى باعتناق كافة بشر الكون الإسلام، إنما حدوث خلاف ذلك لابد وأنه كان لحكمة، الله وحده يعلم أبعاد مقاصدها.