أكد جمال دلول، الكاتب العام لجمعية تنمية الفضاءات العمومية، على أن من أهم ما كان سببا في إخراج سوق تجارة القرب "الفردوس" بعمالة سيدي البرنوصي في مدينة الدار البيضاء إلى حيز الوجود هو التقاء الجمعية مع تصور اللجنة الإقليمية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي يترأسها العامل محمد علي حبوها حول نفس الأهداف، موضحا في حوار مع "أنفاس بريس" كون القطع مع ظاهرة "الفراشة" وتقريب خدمة التسوق من الساكنة كانا أبرز ما قادا إلى تكثيف الجهود وتحدي كافة الصعوبات إلى أن حمل يوم السبت 9 يناير 2016 ما حمله من مستجد استقبله قاطنوا وقاطنة المنطقة بترحاب لما توسموا فيه من أفضال إن على حياتهم الاجتماعية أو الاقتصادية أو البيئية.هذا، وفسر جمال دلول أيضا المساطر التي اتبعت لغاية الاستفادة من المحلات، وما خلصت إليه عمليات التشخيص التي أشرفت عليها الجمعية خاصة بشأن المقارنة ما بين ما كان يؤديه التجار أيام "الفراشة" وبين ما أصبحوا يدفعونه خلال وضعهم الحالي وهم من بين أصحاب متاجر "الفردوس"..

بصفتكم تمثلون المجتمع المدني بالمنطقة، كيف كان مسار اشتغالكم مع الجهات الرسمية لإخراج هذا المشروع إلى حيز الوجود؟

من الطبيعي كجمعية تعنى بتنمية الفضاءات العمومية، كانت لدينا تصورات ورؤى لما نأمل أن تكون عليه منطقة سيدي البرنوصي في هذا الاتجاه. إنما ما زاد من عزيمتنا وأضاف نوعا من التشجيع لهذه التطلعات هو الوقوف على اشتراكنا مع اللجنة الإقليمية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي يترأسها العامل محمد علي حبوها حول نفس الأهداف. وأولها القطع مع ظاهرة "الفراشة" التي عانت منها الساكنة لسنين طويلة، ودون التوصل إلى حلول جذرية لتوديعها إلى مثواها الأخير. من هذا المنطلق، تضافرت جهودنا وجهود العامل الذي شدد على أن إنهاء موضوع الباعة المتجولين أمر لا نقاش فيه أو تفاوض بشأنه. ليبدأ الاشتغال على هذا الصعيد منذ حوالي سنتين ونصف تخللتها مجموعة من الدراسات والتشخيصات من إحصاء واختيار المكان الاستراتيجي المستجيب لمتطلبات "القرب". والحصيلة، الاتفاق على الصورة النهائية التي نراها الآن واقعا ملموسا.

ماهي الشروط التي فرضتم حتى تتم الاستفادة من هذه المحلات؟

أول شرط قررناه هو أن يكون المستفيد من أبناء المنطقة، قبل إدراجه في قاعدة المعطيات. وعقب ذلك يدلي ببطاقته الوطنية بمقر الجمعية التي تمنحه وثيقة "الحجز" كعربون استعداده لدفع المستحقات. وبعد مضي أربعة أيام يستغلها لتدبير أموره الشخصية، يعود إلى مقر الجمعية مؤكدا تعهده بدفع الواجبات المالية.

كم هي هذه الواجبات وطريقة تحصيلها؟

كما لا يخفى فإن هناك قوانين مسطرة تمنع على أي جمعية تسلم مبالغ نقدية من هذا القبيل، لذلك عقدنا شراكة مع مؤسسة مالية حتى تتكلف وكالاتها بهذه الخدمة. بحيث يقصدها المستفيد مدليا ببطاقته الوطنية ووثيقة "الحجز"، مع دفع مبلغ 6000 درهم في مرحلة أولى، و1200 درهم في مرحلة ثانية. حينها يمنح "كود" يصير هو الدال الرئيسي عليه في كافة الآثار المترتبة عن تعاملاته. وهذا ليس إلا لإثبات مبدأ الشفافية وضمان السير العادي للأمور. بحيث يمكننا هذا "الكود" من معرفة كل ما يخص التاجر من معلومات سواء تعلق الأمر باسمه أو سنه أو محل إقامته أو إن كان قد أدى واجبه الشهري أو العكس. هذا بعد أن نوظفه، أي "الكود"، لتوزيع المستفيدين حسب نوعية نشاطهم على مستوى بيع الخضر أو الفواكه أو الملابس وغيرها..

لكن ما ردك على أولئك الذين كان ترددهم ينطوي على اعتقاد التخوف من أداء أكثر مما كانوا يؤدونه وهم في الأسواق العشوائية؟

بالفعل كان هذا هو الهاجس الذي يغلب على ظن أغلب التجار الذين تم إحصاؤهم، إنما الحقيقة المرة هي ما اكتشفناها خلال التشخيص الذي أجريناه. إذ تأكد بأن البائع المتجول يتحمل مصاريف تفوق بكثير ما يؤديه في سوق القرب المهيكل. وأعطي مثال بأن "الفراشة" يدفعون مقابل كراء "الطابلة" نحو 1500 درهم شهريا، وقد يصل المبلغ إلى 3000 درهم، حسب الحجم، كما يدفع 50 درهم نظير إضاءة مصباح "أبيض" اللون و100 درهم للاستفادة من ضوء مصباح "أصفر" اللون. يضاف إلى ذلك تأدية 250 درهم لصاحب "الكراج" الذي تبيت في محله "الطابلة"، وأيضا 5 دراهم بشكل يومي لمن يتكلف بمهمة النظافة. هذا دون ذكر بعض الإتاوات الجانبية. أما في السوق الحالي، كما أسلفت، فإن القيمة المالية أقل بكثير، زيادة على مكاسب الأمن والأمان التي يتمتع بها المستفيدون حتى دون الحاجة إلى أقفال لمتاجرهم. وكل ما يقومون به هو حمل "رزقهم" عشية اليوم والانصراف إلى ديارهم سالمين غانمين. ولهذا الغرض، وقعنا عقدا مع شركة خاصة للسهر على هذه الخدمة الأمنية ومعها الصيانة والنظافة التي تبدأ أشغالها منذ الساعة الثامنة صباحا، أي قبل مجيء التجار والزبناء. وللإشارة فجميع المشتغلين هم من أبناء منطقة سيدي البرنوصي العاطلين سابقا. مع تسجيل إدماج أربعة شبان أفارقة تماشيا مع التوجيهات الملكية.

وماذا يمكن القول عن المجال المحيط بالفضاء على اعتبار أنه مكمل رئيسي لبلوغ الأهداف المرجوة من المشروع ككل؟

بطبيعة الحال لم يكن اعتناؤنا كجمعية بداخل الفضاء إلا أن يثير اهتمامنا الحازم بخارجه. وعليه، كما هو ملاحظ تم خلق حدائق بنافورات، و"بارك" للعب الأطفال تيسيرا للأسر التي تصحب أبناءها ساعة التبضع، ناهيك عن مطعم أطلقنا عليه اسم "ماكلتي"، ومراحيض للجنسين وكذا لذوي الاحتياجات الخاصة بمعايير عالمية. وليس هذا فحسب، بل أدرجنا الجانب البيئي وثقافته أيضا في المبادرة عبر قيام شخص بدور توعية المواطنين وتدريبهم على كيفية فرز النفايات تبعا لطبيعتها البلاستيكية أو الزجاجية أو الكارطونية أو الحديدية.

بقي التساؤل عن مصدر تمويل كل هذه الإنجازات؟

الجواب تقدمه مساطر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وخاصة في شقها المتصل بالأنشطة المدرة للدخل الذي يقول بأن تدخل المبادرة يكون بمساهمة تقدر نسبتها في 70 بالمائة، فيما يساهم المستفيد بنسبة 30 في المائة.