الاثنين 6 مايو 2024
سياسة

التساهل مع أمينتو حيدر والخونة : هل هو جبن من الدولة ؟

التساهل مع أمينتو حيدر والخونة : هل هو جبن من الدولة ؟

ارتبط سلوك الخيانة بتفاعلات بناء أنظمة الحكم منذ تأسست الدولة في المغرب، وسواء اتخذ هذا الفعل شكل التمرد والعصيان، أو شكل العمالة لدولة أخرى، فإن هذا الجرم ظل صفة ملازمة للنظام السلطاني المغربي. حدث ذلك زمن الموحدين حين واصل بنو غانية تمردهم على السلطان، وزمن العلويين من خلال نماذج عديدة، بدءا من تمرد أحمد بن محرز ابن أخ المولى إسماعيل، وتمرد محمد العالم السلطان نفسه، وانتهاء بالباشا الكلاوي وابن عرفة... ومع ذلك فقد كانت لكل أشكال الخيانة ما يبررها بالنظر إلى طبيعة النظام السلطاني حيث كان بناء الدولة يعني موضوعيا وجود مناطق خاضعة للسلطة المركزية، ومناطق خارجها ضمن ما كان يعرف ببلاد السيبة. لقد كان هذا النظام يبني ذاته على فكرة تطويع المناطق المتمردة بالقوة بهدف إدراجها ضمن النظام، وذلك خارج البنيات الكونية التي لن يتم إرساؤها إلا في الأزمنة المتأخرة، إثر ميلاد مفاهيم الوطن والدولة الحديثة والديمقراطية والسيادة، وإثر انخراط الدول الناشئة في هذا التعاقد. وإذن فميلاد هذا المفاهيم قد غيرت معطيات وقواعد التعامل مع سلوك خيانة الوطن. ذلك أن التعاقد قد ألزم جميع الأفراد المنضوين تحت سقف الوطن الواحد بالالتزام بالوفاء لهذا الوطن. ولذلك لم يعد بنو غانية والكلاوي مثلا يوجدون في نفس المقام الذي يوجد فيه خونة اليوم لأن بنيات السيادة المستحدثة صارت تفرض قوانين تضبط معنى الانتماء للوطن، ويحدد الحقوق والواجبات. أسباب نزول هذا الحديث تعود إلى السلوك المعلن لاثنين من المغاربة: أمينتو حيدر وزكريا المومني اللذان اختارا طريق الخيانة، مصحوبة بكل أنواع الابتزاز والتناور و«أكل الغلة وسب الملة». وهو ما صار يرسي في معجم الوطن والمواطن مفهوماً جديدا للخائن الجديد. أميناتو مواطنة مغربية من مواليد أقا بإقليم طاطا، المدينة غير المتنازع حول انتسابها الطبيعي للمغرب، وتنحدر من عائلة مخزنية بامتياز تدرج أعضائها في خدمة السلطان وهي تتمتع بكل امتيازات الانتماء للوطن من حق اكتساب بطاقة الهوية وجواز السفر، وغيرها من حقوق الاقتراع وتأسيس الجمعيات، والاستفادة من وظيف عمومي. لكنها ترفض أن تلتزم بواجباتها تجاه الوطن. بل الأكثر من ذلك أنها ارتمت في أحضان الجزائر وتنسب نفسها إلى خط الانفصال، وتحاضر باسم هذا الخط لإسقاط سقف الوطن. أما زكريا المومني فقد زود فعل الخيانة بمنسوب عال من التناور. قضيته واضحة جدا. لقد طالب بالحصول على مزيد من الامتيازات المادية المبالغ فيها، وحين لم يلب له ذلك أعلن العصيان إلى أن ظهر في آخر خرجاته يمزق الجواز المغربي، بعد أن صار يفتى في شؤون السياسة المغربية. والحال أن الرجل لم يكن له، في أي يوم من الأيام، رأي في السياسة، بل هو صاحب سوابق إجرامية. ولأنه بئيس فكريا وسياسيا فقد مزق الجواز الذي هو رمز سيادي في كل الدول. وهو ما لم يقم به أعتى المعارضين المغاربة الذين حوكموا بالسجن والنفي والإعدام زمن رصاص الستينيات والسبعينيات. هؤلاء المعارضون لم يكونوا يمزقون جوازاتهم لأنهم يميزون بين مخاصمة النظام ومخاصمة الوطن كفكرة نبيلة تحقق الكرامة للذات وللوطن على حد سواء. لنقرأ الآن سلوك أمينتو والمومني بمستوى مقارن رغم اختلاف السياقات، حيث أننا إذا استحضرنا، على سبيل المثال، حالة إدوار سنودن موظف جهاز المخابرات الأمريكية الذي كشف وثائق سرية على درجة كبيرة من الخطورة، فكان جزاؤه متابعة الدولة، ومطاردته في كل العالم من أجل تسلمه، وإخضاعه للمحاكمة بتهمة الخيانة وسرقة وثائق حكومية. يحدث ذلك دون أن نسمع احتجاجات مراكز حقوق الإنسان، لأن ما قام به الرجل في نظر الحكومة الأمريكية فعل خيانة، ولأن «الخيانة ليست وجهة نظر» أو «حرية تعبير». نسوق هذا المثال لنؤكد حاجة الدولة المغربية إلى ممارسة سيادتها وإلى أن تتمتع بكل الثقة في النفس، إذ لا يمكن أن يظل مسؤولونا مترددين في التفاعل مع هذا السلوك الخياني، وأسرى لفوبيا الآخر الذي نخاف منه حتى لا يتهمنا بخرق حقوق الإنسان. يجب أن يكون واضحا لدينا أن احتمال وجود أمينتو أميركية غير ممكن، مثلما هو غير ممكن أن تعيش بمواقفها تلك تحت السقف الأمريكي بدون متابعة قانونية، وأن يكون واضحا كذلك أن نموذج زكريا الأمريكي المفترض لا يمكن أن يمزق جواز أمريكا لأنه سيخضع لطائلة القانون. إن تأكيدنا على ضرورة أن تتحرر الدولة المغربية من هذه الفوبيا القاتلة، وأن تكون صارمة في إطار القانون مع سلوك أمينتو والمومني، وغيرهما من الخونة يندرج طبيعيا ضمن مستلزمات تفعيل اشتراطات دولة الحق والقانون. إضافة إلى ذلك فإن فعل الخيانة، كما نطرحه في هذا الملف، لا ينبغي أن يحجب عنا ضرورة أن نلتفت إلى أشكال أخرى من العصيان والتمرد على الوطن. إن استمرار فئة من الفاسدين المغاربة في ابتزاز الوطن سلوك خياني. إن التهرب من الضرائب، وكل عمليات الإفساد المالي والاجتماعي والسياسي سلوك خياني. إن الإمعان في تبذير خيرات الوطن دون الأخذ بعين الاعتبار هشاشة الوطن سلوك خياني. والدولة المغربية مطالبة بزجر كل هذه الأنواع من السلوك، سواء كان لها اسم أمينتو والمومني، أو اسماء أخرى ضالعة في التبذير الاقتصادي والمالي والريعي. مفهوم المواطنة يعني محاسبة المواطنين بحسب القانون، ولا أحد في مغرب اليوم أسمى من الوطن والقانون.

تفاصيل أخرى أوفى تجدونها في عدد أسبوعية "الوطن الآن" المتواجد حاليا في الأكشاك