الأحد 10 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

أحمد فردوس: أحزابنا الوطنية، مكنسة الديمقراطية لتنظيف المشهد السياسي ومواجهة تحديات المستقبل

أحمد فردوس: أحزابنا الوطنية، مكنسة الديمقراطية لتنظيف المشهد السياسي ومواجهة تحديات المستقبل

تحدثنا في الورقة السابقة عن دور الولاة والعمال (أيها الولاة والعمال: بينكم وبين الشعب دستور2011) في ترجمة مضامينه على أرض الواقع رغم غياب قوانين تنظيمية مواكبة للطفرة التي عرفها دستور البلاد، والتي تمخضت عنها عدة نداءات لحكومة بن كيران وأغلبيتها سواء من طرف المعارضة أو الفعاليات المدنية المهتمة بالشأن القانوني، وفي هذه الورقة سنلامس البعض من المشاكل والسلوكات التي تنخر الأحزاب الوطنية التي منحها ذات الدستور عدة اختصاصات والتي تتحمل مسؤولية جسيمة في ما وصل إليه تدبير وتسيير الشأن العام محليا وإقليميا وجهويا من تدني يسيء للجميع، بسبب تعاطيها السلبي مع ما تفرزه الممارسة اليومية لفعالياتها المنتمية لصفها السياسي. وبناء عليه، فالاستعداد لاستحقاقات المقبلة يتطلب استعمال مكنسة الديمقراطية الداخلية والانكباب على عملية جراحية حقيقية لاستئصال داء الانتهازية والوصولية وتنقية الصفوف من قطاع غيار متهالك غير قادر على محو كل آثار وسلبيات الممارسة السياسية التي طبعت أغلب الأحزاب الغارقة عجلات عرباتها في وحل تدبير الشأن العام.

أكيد أن هناك أحزابا وطنية انبثقت من رحم الشعب والوطن عبر مخاض شاق وعسير، وأنجبت أطرا ومناضلين وشرفاء بصموا المشوار السياسي بتضحياتهم وأدوا ضرائب غالية الثمن في سبيل أن ينعم المواطن المغربي بالديمقراطية التي تمكنه من حقوقه وواجباته، وتضمن له الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، لكن لن ننكر اليوم أن هناك تهافتا منقطع النظير لكل من هب ودب (الشناقة والبرغازة)، وتسابقا محموما لرحبة البيع والشراء في كراسي المسئولية، بعد اختراق الأحزاب الوطنية من طرف أصحاب الشكارة ولوبيات الفساد وفسح المجال للإمعات والمنبطحين والأميين والجهلة للتحكم في شرايين العملية السياسية برمتها.

فكم من المجالس المنتخبة تسير باسم حزب وطني ويتحكم فيها مفسدين وسماسرة تمرسوا على الانتقال من حزب لحزب لدعم هذه الكفة على تلك للظفر بنصيب أوفر من تركة الصفقات المشبوهة، والسيطرة على كل الموارد المالية، والتحكم في خريطة المستفيدين من أكرية المرافق الاقتصادية والاجتماعية (الأسواق والباطورات مثلا...) وتوسيع رقعة الناصرين والمنتصرين لحزب تاشفارت ؟

وكم من رئيس جماعة يحمل يافطة حزب معين ويجمع حول مائدته كوكتيل من المنتخبين على شاكلة قطاع الطرق ومصاصي الدماء ليل نهار، ويقرع أنخاب الصفقات مع سماسرة الريع الاقتصادي والاجتماعي الضالعين في نهب وسلب المال العام، وحرمان المواطنين وأحيائهم من المرافق الأساسية كقنوات الصرف والإنارة والحدائق والطرقات والمدارس والمراكز الصحية....؟.

وبدل المساهمة السياسية ضمن فرقهم الحزبية (المساءلة والتشريع والمراقبة)، فبعض البرلمانيين أضحوا وسطاء تجاريين و"سمسار" ـ  برتبة  ـ "بانضية"، لا فرق بينهم وبين "الفراقشية" في رحبة البهائم إلا اختلاف العطر وربطة العنق، لا هم لهم سوى الربح السريع واستغلال النفوذ والسطو على العقارات والبحث عن الصفقات داخل وخارج المغرب والمتاجرة في كل شيء، بعد أن استقالوا من مهامهم التشريعية وعاكسوا توجهات أحزابهم التي رشحتهم وتنكروا للناخبين الذين وضعوا فيهم ثقة المسئولية والواجب، بل أنهم اصطفوا في ضفة "البورجوازية المتعفنة"، فلا تكاد تسمع لهم صوتا للدفاع عن مطالب مواطنيهم وبرامج أحزابهم ومقررات مؤتمراتهم.

هذه العينة من البرلمانيين تجدهم يصولون ويجولون في أروقة الوزارات بحثا عن حلول لمشاكلهم الخاصة ولأبنائهم وعائلاتهم، وبممرات سراديب العمالات والولايات للوقوف بجانب "القبيلة الجمعوية" للظفر بمنحة والتوسط لقبول مشاريعها "المفذلكة "، والبحث عن حلول غير قانونية للسطو على عقارات الأملاك المخزنية لإقامة مشاريع مخالفة لكل القوانين المنظمة لها، أو التوسط لرخص بناء غير قانونية والتسلسل عبر نافذة النفوذ للتملص من الضرائب.

لقد تغير مفهوم التمثيلية الشعبية لدى كل فئات المجتمع وشرائحه الاجتماعية، وتكرس بشكل مغلوط بكل مؤسساتنا الجماعية والبرلمانية، حيث تحول مفهوم الأمانة والثقة والضمير و المسؤولية السياسية اتجاه الناخبين إلى سياسة احترافية المتاجرة بالأصوات في سوق الأغلبيات المطبوخة "للنوم في العسل" وتمرير الحسابات الإدارية والموافقة على التحويلات المالية والسكوت على الصفقات المشبوهة، وإغراق اللجن لتمرير سياسة الارتزاق.

الأخطر من كل هذا أن هذا الأسلوب في التدبير والتسيير أضحى محتضنا ومستساغا من طرف قاعدة أنصار بعض الرؤساء والبرلمانيين عبر قنوات أحزابهم وقواعدها وأجهزتها التقريرية، لأن الكلمة الأخيرة أصبحت في يد "مول الشكارة".

فهل تملك أحزابنا السياسية الشجاعة والجرأة لتقدم نقدا ذاتيا موضوعيا اتجاه مكوناتها وفعالياتها خاصة وللمواطنين عامة، وتقطع مع ممارسات أعيانها وشيوخها الخالدين في كراسي المسؤولية المؤثرين في مشهد القبيلة  السياسية بالمال والنفوذ، وتقدم في لوائحها خيرة الشباب وأجود الأطر الملتزمة بقضايا المجتمع كرهان وتحدي للمستقبل كما يتطلع له الشعب المغربي .؟؟