الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

إياد الجعفري: ثورات الزوجات وثورات الشعوب

إياد الجعفري: ثورات الزوجات وثورات الشعوب

ثارت سهام على زوجها، ولأول مرة في حياتها الزوجية التي تجاوز عمرها 10 سنوات، كانت مستعدة جدياً للطلاق هذه المرة.

سهام وزوجها وأولادهما الثلاثة لاجئون سوريون في لبنان، أدى تحوّل منطقتهما، بريف دمشق، إلى منطقة مُلتهبة أمنياً، إلى خسارة الزوج لكل ممتلكاته، من البيت إلى المحل الذي كان يترزق منه، انتهاءً بالسيارة التي كان ينقل بها البضاعة. وتحول زوج سهام إلى لاجئ يعمل بأجرٍ متدنٍ للغاية في لبنان. أجرٌ لا يغطي تكاليف حياتهما، لذلك اضطرت سهام للعمل هي الأخرى بأجرٍ متدنٍ أيضاً، كي تعين زوجها على تكاليف المعيشة المرتفعة للغاية في لبنان. لكن سهام تغيرت كثيراً، وتغيراتها فاجأت زوجها للغاية.

يُجمع علماء الاجتماع السياسي أن الثورات غالباً ما تسبقها تغيرات ملحوظة في القيم الاجتماعية. وأثناء الثورات تتفاقم هذه التغيرات بحيث تكاد بعض القيم السائدة أن تندثر لتحلّ مكانها أخرى.

في سوريا، تذهب بعض التقديرات إلى أن نسب الطلاق في العاصمة دمشق، ارتفعت بنسبة تتجاوز الـ 100%. نفى مسؤولون في القضاء الشرعي بدمشق هذه الأرقام، لكنهم أقروا بارتفاع نسب الطلاق في عموم سوريا. كما أكد مراقبون ونشطاء أن حالات الطلاق في أوساط اللاجئين السوريين في دول الجوار باتت ملحوظة.

قبل عقد الثمانينات في سوريا، كانت حالات الطلاق نادرة، ولم يكن المجتمع السوري، على اختلاف تلاوينه، يتقبل طلاق المرأة، أياً كانت الأسباب. لكن منذ نهاية الثمانينات بدأت حالات الطلاق تظهر بوضوح حتى في أوساط عائلات دمشقية محافظة.

أيضاً، تغيرت بعض القيم الاجتماعية السائدة في سوريا قبل الثورة بأكثر من عقدين، وبصورة تدريجية. مثلاً، أصبح تقبّل أن تتعرض الزوجة للضرب من جانب زوجها، أكثر صعوبة، وردود الفعل على ذلك باتت أكثر حدة، من جانب الزوجات أو من جانب أهاليهم.

تغيرت قيم أخرى أيضاً، لم يعد الزوج هو المتكفل الوحيد بالجانب المادي من الحياة الزوجية، وبالتالي، لم يعد هو ربّ الأسرة بالمعنى السلطوي للكلمة. التحول الأخير بالذات تفاقم أكثر خلال سنين الثورة بسوريا، وما رافقها من تغيرات كبيرة في الأوضاع المعيشية للسوريين.

يؤكد علماء السياسة والاجتماع أن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية في معظم المجتمعات تسير بوتيرة أسرع من التغيرات السياسية. صموئيل هنتغتون، الأكاديمي الأمريكي ذائع الصيت، أكد في كتابٍ قديمٍ له، "النظام السياسي لمجتمعات متغيرة"، أن التنظيمات والقيم السياسية تتحرك ببطء، بينما التغيرات الاجتماعية والاقتصادية تسير بوتيرة أسرع، وذلك أحد الأسباب الرئيسية لاندلاع الثورات، وتحولها باتجاه العنف.

تطلعات الناس قبل الثورات تصبح أعلى، ومع الثورات تزداد عُلواً. ما كانت تقبله الزوجات قبل نهاية عقد الثمانينات في سوريا، لم يعدن يقبلنه قبل آذار 2011، ولم يعدن يقبلنه بوتيرة أعلى، اليوم.

في سوريا، كان من المؤكد أن العقد الأول من القرن الحالي شهد تغيرات اقتصادية واجتماعية بارزة، لا تنحصر هذه التغيرات في أوضاع الفئات والطبقات الاجتماعية وتوازناتها فحسب، بل تمتد لتمسّ جوهر القيم الاجتماعية الراسخة في معظم مكونات المجتمع السوري.

حينما اندلع خلاف شرس بين سهام وزوجها مؤخراً، لجأ الزوج إلى ضرب سهام، كما كان يفعل سابقاً، قبل الثورة، وقبل تغير كل الظروف التي رافقتها، لكن ردّ فعل سهام هذه المرة كان مفاجئاً للزوج جداً، فسهام لم تستكن بعد الضرب، ولم تنحنِ للريح حتى تمرّ خشيةً على استقرار البيت، بل ثارت، وغادرت المنزل مع أولادها، وطلبت الطلاق. وكاد الطلاق أن يقع لو لم يقدّم الزوج بعض التنازلات.

زوج سهام كان كالنظام السوري، الذي تعود أن يستخدم العنف المفرط ضد أي تمرد أو تحرك مناوئ له، لعقود، منذ مطلع الستينات. وكان دائماً يحصد النتيجة ذاتها. كان السوريون يستكينون، ويحنون رؤوسهم حتى تمرّ رياح العاصفة خشية على استقرار البلاد، واستقرار حيواتهم. لكن في مارس 2011 تغيرت المعادلة تماماً، عنف النظام ولّد عنفاً مضاداً، وتدحرجت كرة الثلج، كان النظام يرفع من مستوى العنف كل بضعة أشهر مراهناً على أن الجرعة الجديدة من العنف ستكون كفيلة بحسم الموقف، فيُفاجأ بردّ فعلٍ موازٍ تقريباً، لا باستكانة أو انحناء إلا في حالات مناطقية محدودة.

لا يؤمن نظام الأسد، ولا معظم الأنظمة العربية، بتغير المجتمعات والشعوب، ولا بتغير القيم والمواقف والسلوكيات الناتجة عنه. وكما راهن زوج سهام أن التغيرات التي طرأت على حياتهم لن تغير سهام، راهن نظام الأسد على أن ما طرأ من تغيرات على حياة السوريين في العقد الذي سبق الثورة لن يغير من ردود فعلهم المُتوقعة حيال العنف المفرط.

وكانت الخيبة نصيب الطرفين. لكن زوج سهام أنقذ الموقف ببضع تنازلات تقبل بعدها معادلة جديدة في موازين القوى مع زوجته، تجعل الأخيرة شريكة في المنزل، لا طرفاً تابعاً. أما نظام الأسد فلا يزال يراهن على أن العنف المفرط قد يحسم الموقف في نهاية المطاف، رغم أن مناطق سورية عديدة اقتربت من حالة الطلاق النهائي مع الكيان السياسي السوري.

ثورات الزوجات تشبه ثورات الشعوب، غير متوقعة وغير مفهومة من جانب الأزواج، ومن جانب الحكام في آن.

(عن جريدة "المدن" الإلكترونية اللبنانية)