Sunday 3 August 2025
كتاب الرأي

علي بوزردة: المغرب - الجزائر.. اليد الممدودة في مواجهة الجدار الصامت .. قراءة في حوار أحادي الاتجاه

 
علي بوزردة: المغرب - الجزائر.. اليد الممدودة في مواجهة الجدار الصامت .. قراءة في حوار أحادي الاتجاه علي بوزردة
«في نهاية المطاف، ومهما كانت الحسابات السياسية قصيرة المدى لبعض الدوائر في الجزائر، فإن الإرادة العميقة لوحدة شعوب المغرب الكبير ستنتصر في النهاية».
— ستيفن أ. هيوز، المدير السابق لمكتب وكالة رويترز بالرباط

في 30 يوليوز 2025، جدّد الملك محمد السادس دعوته إلى تهدئة تاريخية مع الجزائر. وهي مبادرة نالت ترحيب عدد من المراقبين الدوليين. غير أن الجهة المقابلة، الجزائر، لا تزال تلتزم الصمت. صمت ليس محايداً بطبيعة الحال، بل سياسي بامتياز.
 
"وبصفتي ملك المغرب، فإن موقفي واضح وثابت؛ وهو أن الشعب الجزائري شعب شقيق، تجمعه بالشعب المغربي علاقات إنسانية وتاريخية عريقة، وتربطهما أواصر اللغة والدين، والجغرافيا والمصير المشترك. 
   لذلك، حرصت دوما على مد اليد لأشقائنا في الجزائر، وعبرت عن استعداد المغرب لحوار صريح ومسؤول؛ حوار أخوي وصادق، حول مختلف القضايا العالقة بين البلدين.
 
  وإن التزامنا الراسخ باليد الممدودة لأشقائنا في الجزائر، نابع من إيماننا بوحدة شعوبنا، وقدرتنا سويا، على تجاوز هذا الوضع المؤسف.
   كما نؤكد تمسكنا بالاتحاد المغاربي، واثقين بأنه لن يكون بدون انخراط المغرب والجزائر، مع باقي الدول الشقيقة.

- الملك محمد السادس، 30 يوليوز 2025

 + استراتيجية القطيعة 
 
منذ غشت 2021، أسدلت الجزائر ستاراً حديدياً على علاقاتها مع المغرب: قطع العلاقات الدبلوماسية، إغلاق أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي، إغلاق المجال الجوي، وسحب السفير. ومنذ ذلك الحين، لم يتغير شيء. أو بالأحرى، تغيّر شيء واحد: الجزائر انغلقت على نفسها، بينما كثّف المغرب مبادرات التهدئة، وأطلق إشارات الانفتاح، وكرّر الدعوات إلى الحوار.
 
حتى على المستوى الإعلامي، لا تزال الصحافة الجزائرية تنغمس في خطاب عدائي تجاه المغرب، بدل أن تسهم في تقريب وجهات النظر وتجاوز رواسب الخلافات التاريخية الممتدة منذ سنة 1975، بل وما قبلها.
 
ورغم الخطابات المعلنة، تبقى الجزائر متشبثة بموقفها من قضية الصحراء، التي تعتبرها «خطاً أحمر استراتيجياً». وكل مبادرة مغربية تُفهم في هذا السياق وحده.
 
من جهته، لم تكن هذه المرة الأولى التي يمد فيها الملك محمد السادس يده. فقد فعل ذلك سنة 2018، ثم سنة 2021، و2022، وها هو يعيد الكرة في 2025. ومع كل خطاب، يصر المغرب على نهج الحوار. لكن الرد الجزائري كان ولا يزال: صمت بارد، يتبعه انسحاب إضافي. بل أسوأ من ذلك: إصرار على استراتيجية الانغلاق.
 
كما أشار ريكاردو فابياني من “مجموعة الأزمات الدولية” (International Crisis Group): «الدعم المتواصل من قوى كبرى مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا لمبادرة الحكم الذاتي المغربية يعمّق عزلة الجزائر».
 
 + المغرب يتحرك… الجزائر تتراجع 
 
ورغم كل شيء، فإن دوافع التقارب كثيرة. حتى الإعلام الجزائري، في تلميحات غير مباشرة، يعترف بذلك: خطاب الملك اتسم بالاتساق، وخلا من أي عدوانية، وحمل رؤية واضحة. وقد جاءت عبارة «حل لا غالب فيه ولا مغلوب» لتعكس حكمة سياسية نادرة. ومع ذلك، لا يزال صانعو القرار في الجزائر أسرى سرديات الماضي، كأنهم عاجزون عن التخلص من خطابهم ذاته.
 
وهنا يكمن جوهر المسألة: ليست المشكلة في شكل الخطاب المغربي، بل في ما يعنيه ضمنياً. إذ أن الاستجابة الإيجابية لنداء الرباط تعني الاعتراف بإمكانية حل الخلاف، والاعتراف بأن الطرف الآخر ليس عدواً. وهذا ما لا يروق للبعض في الجزائر، لأن شرعيتهم الداخلية بُنيت على العداء للمغرب. فالمغرب الكبير الموحد، في تصورهم، يمثل خسارة رمزية.
 
لكن هذا الخيار الصامت يتحول إلى فخ مزدوج: فخ للشعوب التي لا تزال تدفع ثمن عبث الحدود المغلقة منذ 1994، وفخ للجزائر التي تعزل نفسها بينما العالم يتحول بسرعة، وفخ للمنطقة كلها، التي تحتاج إلى نفس جديد، لا إلى حرب باردة دائمة.
 
المغرب، الذي جعل من الحوار مساراً ثابتاً، يواصل مدّ يده. أما الجزائر، فتدير ظهرها. ولهذا فإن “استراتيجية الغياب” — غياب الرد، غياب السفراء، غياب قنوات التواصل — تحوّلت إلى موقف فارغ، يعكس حقيقة بسيطة: لم تصدر عن الجزائر لحد الساعة أي مبادرة واضحة، أو اقتراحات إيجابية مضادة.
 
خلاصة القول: بالاستمرار في هذا الانغلاق، تبدو الجزائر وكأنها تتخلى عن المستقبل. المغرب يفتح أبواب التواصل، والجزائر تغلقها. والمغرب الكبير… ينتظر.
 
 
ملحوظة لها علاقة بالموضوع :
  
في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وتحديداً خلال رئاسة الشاذلي بن جديد، كانت الحدود بين المغرب والجزائر مفتوحة. آنذاك، كان آلاف الجزائريين يتدفقون على منطقة الشرق المغربي، بشغف لاكتشاف البلد الشقيق الجار.
ولم تزل الذاكرة الجماعية تحتفظ بتلك الصور البسيطة والمؤثرة: عائلات جزائرية تقف بسياراتها على جنبات الطريق، تتشارك فرحة تذوق البطيخ المغربي الشهير، وقد وُضع مباشرة على غطاء محركات سياراتهم. 
كانت، في الواقع، لحظات أخوّة شعبية، تلقائية وصادقة، تبدو اليوم كأنها من زمن آخر…
 
عن/ Article19.ma