السبت 14 ديسمبر 2024
كتاب الرأي

إدريس الأندلسي: لماذا نسيت إفتتاح دورة البرلمان.. اللاحدث 

إدريس الأندلسي: لماذا نسيت إفتتاح دورة البرلمان.. اللاحدث  إدريس الأندلسي
لا زلت أعتقد أن فصل السلط ضمانة ديمقراطية لتدبير شؤون المواطنين والوطن. نعم لدي ذاكرة تنتخب الأحداث التي تعتبرها مهمة وتتجاهل، رغما عني، من القضايا والأمور أقلها أهمية. ولكن الثابت هو الإهتمام المفرط الذي أوليه للقضايا السياسية في أبعادها الإقتصادية والإجتماعية و الثقافية والرياضية. لماذا نسيت أن إفتتاح الدورة البرلمانية الربيعية كان يوم الجمعة 12 أبريل الموافق لثالث أيام عيد الفطر. لا أنكر أن للأمر علاقة مباشرة ببعض القراءات التي جعلت من هذا الدخول السياسي لحظة غير ذات أهمية، ولكن تدهور الممارسة البرلمانية شكلا ومضمونا هو الفاعل الأكبر في  نعمة النسيان. سامح الله اؤلئك الذين ركزوا تفكيرهم وأعطوا كل الإهتمام على توزيع غنيمة مقاعد مسؤولية بالبرلمان بين الفرق النيابية واجتهدوا في تحليل طموحات أناس "منتخبين" واعتبارها مهمة جدا و جديرة بالقراءة. أظن أن الأمر أصبح هينا  لأن التدبير السياسي أصبح مهانا. 
 
لخصت أحزابنا ومهندسي خارطة السياسة في بلادنا اللعبة السياسية في سباق من أجل المصالح والمناصب والتغطية عن المصائب. وكان ما كان من آثار هذا الوضع على احتقار دور المواطن في بناء المؤسسات والثقة فيها. تحول العمل، الذي لا زلنا نسميه سياسيا بالرغم عنا، إلى مباريات أغلبها يشبه رياضات العنف وألعاب القمار  والغش وفنون التستر عن ممارس الاغتناء غير المشروع  وتاجر المخدرات والمرتشي والمفسد. تراكمت الثروات وتحصنت المواقع  وصدق ناس الغيوان حين رأوا، بعد أن تعجبوا مستخدمين قوة قول" سبحان الله " أن  الصيف عندنا أصبح شتاء وتحول فصل الربيع في بعض البلاد إلى خريف. أصبح المثقف إما خائفا أو مبتعدا  مضطرا أو تاركا الجمل بما حمل. هذا المثقف كان قادرا على التضحية بحريته قبل سنوات وأصبح غير قادر على التضحية بعرضه  وشرفه. كان قادرا على أهوال معتقل درب مولاي الشريف وكل المعتقلات التي كانت سرية، و لكن "الشبيحة " المسخرين في المجال الانتخابي بالمال والعنف والشتائم كانوا أشد عنفا وأكثر حضورا وقوة لاحتلال ميادين ممارسة تدبير الشأن العام. 
 
نعم نسيت موعد إفتتاح الدورة الربيعية للبرلمان بفعل فاعل. كنت أسبح في حلم تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وقررت أن استجيب طواعية لكل آليات التنويم المغناطيسي. استفقت بفعل فاعل و وجدت نفسي ضمن المدمنين على متابعة ملفات الفساد التي تلاحق مجموعة من المسؤولين السياسيين. لم أصدق أن مؤسساتنا الرقابية الموقرة قد كانت خارج نطاق الحصول على المعلومة والتدقيق في ضخامة حجمها قبل هذا الوقت. برلمانيون ورؤساء جماعات ترابية وغيرهم يوجدون  بين أيدي العدالة، وهذا أمر يستجيب لإنتظارات المواطنين، ويطرح سؤال تفعيل آليات تنزيل أكبر للفعل المؤسسي لدولة الحق والقانون. الكل يعرف أن الفساد أنتج الخنوع والتواطؤ  وعرقل التنمية.  وهذا الكل ينتظر إنهاء المهزلة التي أوصلت بعض الفاسدين إلى مراكز القرار. إننا أمام تحدي يتطلب إرجاع الثقة إلى المواطن  من خلال الإستمرار في المحاسبة القضائية النزيهة والعادلة والضامنة لكل الحقوق ولعدم الإفلات من العقاب. لا يمكن تحفيز النخب الجديدة للإقبال على العمل السياسي برشوة الحصول على المناصب  ولكن  بضمان نظافة العمل من أجل تغيير تدبير الوطن  و الإسهام في رقيه ورفعته.
 
نعم نسيت إفتتاح الدورة البرلمانية الربيعية وليس لدي أي شعور بالأسف. إنه " اللاحدث" في بلادي التي تسيطر على ثقافة جل نخبتها "السياسية " الإستفادة  من الريع والصراع من أجل المناصب و ليس من أجل الإصلاح وخدمة المواطن. يحق لكل مغربي أن يشعر باليأس من هذه  النخبة بعد أن  سمع  ملك البلاد يؤكد على ضرورة وضع مدونة  سلوك في مجال العمل السياسي تجمع عليها كل الأحزاب وكل الفاعلين وخصوصا اؤلئك الذين ينتجون القوانين.

أغلب نواب الأمة في البرلمان وفي الجماعات الترابية وحتى في الحكومة لا يقدمون أي منتوج يستجيب لحاجيات المواطنين. أصحاب المراكز ينتظرون،  بكثير من اللامسوؤلية ، توجيهات عليا لكي يتحركوا  ويبتدعون كل الأساليب للاستيلاء سياسيا على المكتسبات الإجتماعية. ولنا في ورش التغطية الاجتماعية خير دليل على غياب الفعل الحزبي وإنتظار المبادرات الملكية في عدة قطاعات ومحاولة الظهور في مجال استثمار الإنجاز. 
 
نسيت أن البرلمان قد دخل في دغدغة انتظارات بعض أشباه السياسيين  وتحقيق حلمهم الصغير للحصول على منصب رئيس فريق نيابي أو لجنة برلمانية أو الحصول على وعد بالحصول على كرسي وزاري من خلال ترميم حكومي مفترض. الأمر يتعلق بدخول برلماني ربيعي  يتطلب عقولا وإرادة قوية تظل غائبة في ظل الوضع الراهن. و تظل الحكومة غائبة عن ورش تقييم السياسات العمومية  ومن ضمنها " المغرب الأخضر أو الجيل الأخضر" وإصلاح المنظومة التربوية وغيرها من السياسات التي رصدت لها ميزانيات ضخمة وتمت برمجتها من خلال قوانين المالية لسنوات متتالية. وتظل قضية الأمن الغذائي والطاقي والطبي  معلقة إلى أن تتوفر آليات التقييم. نصدر الأطنان من الطماطم ولا نمتلك إلا 20% من القدرة على إنتاج بذورها. أصبحنا نصدر مياهنا وتربة أرضنا  ونرهن مستقبل أمننا الغذائي ونستورد موادا غذائية بكميات أقل بكثير مما نصدر وبتكلفة تضاهي قيمة صادراتنا الغذائية. لذلك لا يمكن للمواطن المغربي أن لا يتعاطف مع الفلاح الإسباني والفرنسي وهو الذي يدافع عن حقنا في إرجاع منتوج أرضنا إلى أسواقنا. حلقت الأسعار عاليا وتراجعت نسبيا بفعل رفض منتجي فرنسا وإسبانيا تسويق منتوجاتنا التي انهكت تربتنا ومياهنا وتم تصويب قوة نيرانها إلى جيوبنا. و هكذا أصبح التضخم فعلا ناتجا عن تصدير لا عن استيراد في قطاع المواد الغذائية. نعم تزايد حجم صادراتنا، وزادت بنياتنا التحتية اتساعا، وحافظنا على توازنات حساباتنا الخارجية. ولكننا لم نحقق معدلات نمو مهمة تخلق الثروات ومناصب شغل حقيقية منذ ما يقرب من 12 سنة. وتظل هذه الحكومة التي هي امتداد لحكومة عبد الإله بن كيران، تبحث عن حلول دون أن تتخذ قرارات لتحقيقها. 
 
نعم لقد نسيت موعد الدورة البرلمانية الربيعية وأريد أن  ينساها الجميع  وأن يقاطعها المواطنون إلى أن تستقيم الممارسة السياسية في بلادي. ولن تستقيم ما دامت إرادة تخريب آمال المواطن أكبر من تفعيل محاسبة المسؤولين عن الشأن العام. لقد صوتت أغلبية كبيرة على دستور  2011 لأنه حمل في فقراته كل المبادىء التي تضمن بناء دولة الحق والقانون. ولكن جنة إنتاج القانون لا تقابلها جنة تفعيل القانون. لا أرسم لوحة يملؤها التشاؤم ولكن أؤكد على أن هناك من يريد أن يؤخر مسيرتنا نحو التنمية  بنية  مبيتة هدفها مراكمة الثروات وسد الطريق أمام البناء بسواعد أبناء الوطن. لا أحلم بالمستحيل ولكنني أؤمن بالممكن و بتنزيل مبادىء  ثورة الملك والشعب وطرد كل حاملي مشاريع خيانتها. لا يهم إن افتتحت دورات البرلمان أو أغلقت ما دام اقتصاد الريع وغياب المنافسة والاغتناء غير  المشروع وضعف الإدارة وتراجع المرافق العمومية في الصحة والتعليم  وتسليع الولوج إلى الخدمات الصحية والتربوية واقعا وصورة حقيقية لمعيش المواطن. كل الخطوات التي سنقطعها في مجال الحكامة ستوطد بناء مؤسساتنا  وستقفل الباب أمام كل خائن للعهود.  نعم نسيت إفتتاح دورة البرلمان ولكن لا أنسى أن بلادي التي فتحت أوراش البنيات التحتية بعزم كبير يمكنها أن تسير في إتجاه النمو السريع عبر تقليص دور محاربي الحكامة الجيدة والمحاسبة الحقيقية والإستثمار المنتج والعلم النافع.