الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

سميحة لعصب:المساواة أساس بناء الدولة الديمقراطية المواطنة

سميحة لعصب:المساواة أساس بناء الدولة الديمقراطية المواطنة سميحة لعصب

ليس من باب الترف الفكري، ولا من باب المزايدات، القول إنه "لا ديمقراطية دون مساواة". فالأمر لا يتعلق بشعار للاستهلاك، بل بمبدأ حقوقي إنساني شامل، لا علاقة له بالحقوق الفئوية. إنه المبدأ الرئيس، الذي ينبغي أن تتمحور مختلف الحقوق والحريات حوله. لذا، سأعمل في هذه المقالة على توضيح مكانة المغرب في مجال المساواة والمناصفة من خلال المسار التشريعي والمسار السياسي (أولا)، للوصول للمساواة كمدخل للمواطنة الكاملة (ثانيا). واستنادا على ذلك، سأحلل أيضا دور الأحزاب السياسية في تكسير جمود دورة النخب ذات الطابع الذكوري (ثالثا)، قصد الوصول للقيادة السياسية للنساء بين الصورية والفعلية (رابعا).

 

أولا: الهوة بين المسار التشريعي والمسار السياسي

يُعتبر المغرب نموذجا متقدما بخصوص إصلاح المنظومة القانونية ذات الصلة بقضايا النساء. فاستنادا لتوجيهات ملكية، عمل المشرع على تمكين النساء من ولوج مختلف المجالات التي ظلت لفترة طويلة حكرا على الرجال. وهكذا، بعد صدور مدونة الأسرة التي غيرت من النظرة الدونية التي كانت للمرأة الزوجة أو المطلقة، وجعلت مؤسسة الزواج مسؤولية مشتركة بين الزوجين، كان من الضروري الشروع في معالجة إلإشكالات المرتبطة بالتمثيلية السياسية للنساء.

إن الأوراش الكبرى المهيكلة للاقتصاد الوطني، وإطلاق العملية التنموية الشاملة وخاصة منها التنمية البشرية، أصبحت تتطلب تظافر الجهود إذ لا يُمكن تحقيق أية نتائج بنصف المجتمع الذكوري وإقصاء النصف الآخر. فصناعة القرارات الكبرى تتطلب مشاركة النساء مشاركة منظمة وواعية. وهذا يتطلب تحيين المنظومة التشريعية بأكملها. وقد شكل دستور 2011 مدخلا منصفا للمرأة من خلال التنصيص على مبدأي المناصفة والمساواة في الفصل 19، بل الأكثر من هذا، تم التنصيص لأول مرة على المساواة ليس فقط في الحقوق ولكن أيضا في الحريات، وفي كل المجالات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.

إن هذه القفزة النوعية، انضافت للمكاسب المحصل عليها من خلال اعتماد نظام اللائحة الوطنية المخصصة للنساء على مستوى مجلس النواب، والمبادرات الملكية التي مكنت النساء من تمثيلية على مستوى الجماعات الترابية. ولذا، فإن المسار التشريعي تطور بسرعة وصلت معه بلادنا مراتب مشرفة بخصوص تمثيلية النساء، سواء على مستوى مجلسي البرلمان، أو الجماعات الترابية بمختلف أصنافها الجهوية والإقليمية والجماعية، أو على شتى الغرف المهنية الأربعة. كما أن تطور هذا المسار التشريعي، قد انعكس أيضا على صعيد القانون التنظيمي للأحزاب السياسية التي أصبحت بدورها تعمل على تمكين المرأة من تمثيلية "مناسبة" في أفق المناصفة.

وينبغي دائما التذكير بأن السعي للوصول للمناصفة أصبحت مسؤولية الدولة بمقتضى الدستور، وعليها واجب فرضها على كل التنظيمات الرسمية، ولكن أيضا الحزبية والنقابية والجمعوية.

 

ثانيا: المساواة مدخل للمواطنة الكاملة

إن حق كل أفراد المجتمع في المواطنة الكاملة، لا يُمكن أن يتحقق إلا إذا توفرت البيئة المناسبة لممارسة حقوق وواجبات هذه المواطنة. إن الدستور المغربي قد حدد مرتكزات الدولة الديمقراطية وشروط إرساء دعائم المجتمع المتضامن، الذي يتمتع فيه الجميع بـــ "الأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة".

إن التنصيص الدستوري على المساواة ضمن شروط إقامة الدولة الديمقراطية والمجتمع المتضامن، يعكس مدى أهمية مبدأ المساواة بين الرجال والنساء في التنمية بصفة عامة، والتنمية السياسية بصفة خاصة.

إن الوصول لهذا الهدف، ليس هدفا في حد ذاته، ولكنه من ناحية أولى تصحيح لأخطاء وأعطاب تاريخية جعلت المرأة ضحية الفكر "الذكوري" والمجتمع، ومن ناحية أخرى توفير أسس صلبة لعملية تنموية شاملة.

إن الدفاع عن المساواة، ينبغي كذلك أن يتم وضعه في إطار شمولي، من خلال طرح ما يرتبط بهذا المبدأ على صعيد الأسرة والمدرسة والفضاء العمومي، والعمل الحزبي والنقابي، والنشاط الإعلامي. إن هذه المداخل أساسية لتوفير البيئة السليمة لتطبيق مبدأ المساواة، وبالتالي تمكين الجميع من حقوق المواطنة الكاملة، وليس الوقوف عند تمثيلية عددية يُراد بها تأثيث المشهد السياسي دون إشراك فعلي في مسلسل صناعة القرارات. فالأوراش الكبرى التي فتحتها بلادنا، والأسس التي يقوم عليها النموذج التنموي الجديد، ينبغي أن تستند على وضع الثقة الكاملة في النساء، ومنحهن مكانة متقدمة، بناءً على قدراتهن وكفاءاتهن. إن النساء بهذه الشروط وفي ظل هذه البيئة، قادرات على المساهمة الفعلية في تخليق الحياة العامة، وتسريع عملية التنمية.

 

ثالثا: دور الأحزاب السياسية في تكسير جمود دورة النخب ذات الطابع الذكوري

لقد أناط الدستور بالأحزاب السياسية مهام متنوعة، ومن أهمها وفق الفصل السابع، العمل على "تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام ..."، وبهذا فهي تتحمل مسؤولية تحسين أوضاع تمثيلية النساء قصد جعلهن قادرات على ممارسة المهام المذكورة. وطبعا فإنه في إطار مجتمع تهيمن عليه العقلية "الذكورية" لا يُمكن توفير نُخب جديدة غير مبنية على أساس جنسي. فالمرأة على غرار الرجل ينبغي أن تُتاح لها الفرصة داخل التنظيمات الحزبية لتطوير آليات عملها السياسي.

إن الأحزاب السياسية مدعوة إلى كسر الجمود الذي يسيطر على دورة تكوين النخب، وذلك باعتماد آليات تسمح بإدماج النساء في سيرورة تشكل النخب، وفتح المجال أمام الفئات الشابة الصاعدة..

إن تحقيق مبدأي المناصفة والمساواة على أرض الواقع يحتاج لممارسات حزبية متطورة، حداثية، وعصرية، قادرة على تجسيد كل المبادئ المرتبطة بتكافؤ الفرص سواء داخل التنظيم الحزبي أو على صعيد المواقف والممارسة. إن الأحزاب السياسية قادرة على القيام بهذه المهمة، خاصة من ذلك الأحزاب السياسية اليسارية، وعلى رأسها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي كان دائما السباق لإنصاف النساء.

 

رابعا: القيادة السياسية للنساء بين الصورية والفعلية

إن العمل الحزبي المعول عليه لتحقيق المناصفة والمساواة، لا يُمكن أن يثمر نتائج إيجابية إلا إذا تم إدماج النساء في الفعل الحزبي من خلال تنويع المسؤوليات والتمكين من ولوج مراكز القرار، ليس فقط على أساس عددي، ولكن على أساس التمكين من المساهمة في العمل القيادي الحزبي.

إن تطور الفعل الحزبي ينبغي ألا يتعامل مع القيادة النسائية بشكل صوري، بل أساسا بشكل فعلي، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لتكوين القيادات النسائية الحقيقية. ويلعب التأطير والتكوين السياسي دورا مركزيا بهذا الخصوص.

إن مغرب اليوم، يحتاج لتشغيل كل الطاقات، رجالا ونساءً، لربح رهان التنمية، وإطلاق دينامية نوعية جديدة، كفيلة بالمشاركة الواعية في بناء مغرب الديمقراطية، ومغرب المواطنة الكاملة.

 

سميحة لعصب، عضوة المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية