الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الوهاب دبيش: الزليج المغربي.. وبعض مصطلحاته

عبد الوهاب دبيش: الزليج المغربي.. وبعض مصطلحاته عبد الوهاب دبيش
أتيحت لي سنة 1996 الفرصة أن أتعرف عن قرب بعين النقبي بفاس إلى عالم الزلايجية، بهذه المدينة بطبيعة الحال تعرفت على مراحل صناعة هذا الفن  الراقي من الطين، إلى الزواقة، مرورا بطهي الطين في أفران خاصة بها عالم ناري يتجاوز ألف درجة مئوية، وانتهاء بوضع قطع الزليج في نمط متناسق ومنظم، ولا مجال فيه لا للعبث ولا للاعتباط.
كنت شغوفا بتعلم هذا الفن الراقي على يد حرفي لربما كان رئيس تعاونية الزليج " سي بن يحيى" الذي لا أعرف لحد كتابة هذه السطور إن كان على قيد الحياة أم لا، على أي حال،
 هذا الرجل أطال الله في عمره أو رحمه الله تعالى برحمته الواسعة، منحني فرصة فهم العلاقة بين مصطلحات الزليج المغربي، وواقع الدولة، والمجتمع المغربي عبر الزمن، فهمت التشكيلات المتنوعة للزليج الذي يزين مآثرنا، ومساجدنا، وبيوتنا، وقصورنا، وأضرحتنا فتعرفت على الخمسينية بأنواعها الثناشي، والأربعة وعشرين، والثمانية والأربعين، وهكذا، وتعرفت على نوع درج، وكتف، وأبهرني مخبل العقول الذي يعد ابتكارا مغربيا يثير، و يشغل عقل الناظر إليه  مثلما بشغف الإنسان بجمال الطبيعة، أو الإنسان، لكني لكي أزيد من معرفتي بعالم الزليج، طلبت من "سي بن يحيى" أن يعرفني على الأجزاء التي تكون تلك الأشكال الهندسية التي تكلمنا عنها سابقا، فعلمت منه أن النواة التي تشكل قلب الخمسينية، هي الخاتم، أو الدرهم، والخاتم، أو الدرهم، يرمز إلى خواتم الملوك الذين تعاقبوا على حكم المغرب، لأن الملك هو قمة المجتمع، وبالتالي فلابد أن يكون قلب التشكيل المرسوم، هو الخاتم الذي يرمز إلى السلطة، وإلى النظام، وإلى أن المغاربة ينظمون أنفسهم على حسب ما هي أنماط عيش ملوكهم، ولعل هذا يجد مصداقيته في أن مقولة الناس على دين ملوكهم، هي بالأساس، مقولة مغربية خالصة تنظم تراتبية المجتمع الذي لابد له من قائد يسيره، وينظمه، وقد أضيف أن المغاربة اقتبسوا أنماط عيشهم، وملابسهم، وحياتهم على ما كان سائدا عند ملوكهم، وليس أدل على ذلك من أن الشاي المغربي اقتبسه المغاربة، مما كان متداولا عند الملوك العلويين منذ عهد السلطان محمد بن عبد الله، وإلى أن أضحى الشاي مشروبا شعبيا، يرمز إلى حياة المغاربة مع أن الشاي ليس منتوجا زراعيا مغربيًا، بعد الخاتم، هنالك مصطلحات مرتبطة بالإنتاج  الزراعي المغربي من أمثال اللوزة، أو الحضاري مثل القنديل أو السفط، وينتهي عالم المصطلحات، وهي كثيرة جدا لا أستطيع حصرها في هذه التدوينة بما يشكل أعلى الزليج الذي يحيط بالجدار من أعلى وهم الشرافات، والشرافات هي تلك القطع التي توضع بشكل متناقض، ومتناسق تشبه الصومعة، والمنارات التي تتزين بها العمارة المدينية بالمغرب 
على أي فإن مصطلحات الزليج مستمدة من النظام السياسي والديني الذي عرفه المغاربة منذ القديم، وهذا أن دل على شيء فإنما يدل على أن عوالم الحرفيين، وأساسا في فنون العمارة، وهي الخشب، والنحاس والجبس لها نفس المصطلحات، ولها نفس الدلالة، وعالم حرفييها منظم في تعاونيات تسمى الحنطة، ولها دستورها القانوني المتعارف عليه، والمتداول، والمفهوم من قبل الفقهاء المتخصصين في عالم النوازل، والأقضية، ولها أيضا مؤلفاتها التي تنظم العلاقة الواجبة بين الحرفي، والمستهلك بل تحدد المسؤوليات في هذه العلاقة 
عالم الزليج، وعالم النحاس الذي استحضر فيه إسما لامعا في سبع لويات بفاس الصانع المتمكن المراكشي الذي زرته سنة 2006، وأنجزت حول حرفته شريطا بثته القناة الفرنسية الخامسة في برنامج échappée belles أو لنقل أنها الحلقة الأولى من هذا البرنامج الذي لا يزال يبث إلى اليوم، هذا العالم يحتاج إلى أن يكون منظما في معاهدنا وجامعاتنا، وأن يتأسس على تعاون، وثيق بين الجامعات والتعاونيات الحرفية للحفاظ عليه أولا، ولثتمينه ثانيا،
بارك الله في كل حرفيينا من صناع الفرحة، والتألق والازدهار ولا عزاء لمن يريد أن يسطو على شيء لا يملكه ولم يكن له فيه أي دور، عاش المغرب، ولا عاش من خانه، ولا عزاء الكابرانات من عملاء فرنسا ..تفو على جوار السوء-