الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

العياشي الفرفار: صناعة الكراهية بالجزائر: حين تصبح كرة القدم فعلا حربيا 

العياشي الفرفار: صناعة الكراهية بالجزائر: حين تصبح كرة القدم فعلا حربيا  العياشي الفرفار
تحولت مباراة في كرة القدم بالجزائر يوم الخميس 8 شتنبر 2022 إلى حرب ضد أطفال مغاربة فقط لأنهم مغاربة. رفس وعنف ضد أطفال آمنوا أن اللغة والدين والتاريخ والجغرافية توحد للأشقاء أكثر مما يفرقهم، وأن كرة القدم مجرد جسر تواصل بين الأشقاء، وليس أداة حرب واقتتال.
عنف على أطفال يكفي أنهم لم يستوعبوا بعد، أنهم انهزموا في آخر دقيقة، وأن حلم التتويج ضاع منهم ومع ذلك يتم تعنيفهم فقط لانهم لعبوا وحولوا ملعب إلى قطعة صمت انبهارا بما يقدمه الطفل المغربي حين يداعب كرة بلا حقد.
حين يشعر المنتصر أنه منهزم  وعوض أن يحتفل، يستمتع بممارسة عنف غير مبرر، مما يكشف أننا أمام حالة عنف مركب، وربما هو عنف مقدس مادام ضد المغرب وأبناء المغرب.
العداء نحو المغرب ليس شعورا عاديا ولا يمكن أن يكون كذلك وإنما هو عداء أيديولوجي، ان استحضرنا  طبيعة المشترك بين الشعبيين الشقيقين، لكن يبدو النظام الجزائري الذي يعيش خارج الواقع،  خارج الزمن ويختبئ وراء ايديولوجية صدئة جعل من كراهية المغرب والمغاربة عقيدة ثابتة.
الجفاء السياسي والعلاقات الباردة بين المملكة المغربية والجزائر أصبح مخيفا، المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا benjamin Stora، المفكر والمؤرخ الفرنسي من أصل جزائري والذي رافق ماكرون في زيارته الأخيرة للجزائر، والذي أشرف على إعداد تقرير حول  ملف الذاكرة الشائك بين الجزائر وفرنسا.
ستورا اعتبر أن أحد الأسباب المفسرة لحالة العداء المستعصي بين الجارين هو منطق الدولة الوطنية، فكل دولة تريد إثبات أنها الأقوى في مجالها الحيوي بوطنية الدولة، لكن ما يثير اندهاش ستورا هو أن هذا الجفاء يأخذ بعدا صبيانيا في تدبير العلاقة الصراعية والمتوترة.
وقائع ومجزرة يوم الخميس ضد أطفال، ليس فقط سلوكا صبيانيا، إنما هو سلوك فج نتيجة عقيدة الكراهية التي صنعها نظام العسكر حيث تحولت مباراة للأطفال إلى معركة  وعنف سيال وكثيف.
ولأنه نظام يعيش على الكراهية فهو نظام لا يعرف كيف يعيش لحظات الفرح والاحتفال بالفوز، في مباراة بين الأطفال انتصر الفريق الجزائري، بعد صفارة الحكم غاب الاحتفال وحضر العنف، وكأن الفرح الجزائري لا يمكن أن يكون إلا بمعاداة المغرب والاستمتاع بذلك.
لكن يبدو أن حكام قصر مرادية مصرين على تصدير الأزمات الداخلية وتعليق الحوار الداخلي وتأجيل مطالب الشعب بالديمقراطية بدعوى وجود عدو خارجي وانه لا وقت لمناقشة كل ماهو داخلي، مادام هناك عدو خارجي يهدد الجزائريين لدرجة أن الاطفال لم يصدقوا أنهم انتصروا ومارسوا عنفا غريبا وغير مقبول
النظام الجزائري هو نظام للأزمات وليس نظاما للحلول. بول ريكور في تصوراته حول وظائف الإيديولوجيا الثلاث والمحددة في التبرير وتشويه وتزييف الحقائق، عشنا بكل مرارة كيف ان النظام يتلاعب بعقول وعواطف الجزائريين ،لدرجة انهم  لم يصدقوا الفوز وحاولوا أن ينتقموا من أطفال، فقط يلعبون كرة القدم بشغف طفولي.
وحدها الأيديولوجيا حسب بول ريكور قادرة على قلب الأشياء و تغييرها، و هو ما لمسناه اليوم بوضوح، المنتصر لا يعرف كيف يفرح إلا إذا كان عنيفا وفجا، بذلك يصبح العنف فرحا.
لا أحد ينكر القيمة الفرجوية لكرة القدم حيث أصبحت وسيلة للترفيه والفرجة، وكأداة  للتنفيس من ضغوط الحياة المعاصرة وإيقاعها السريع. لكنها أصبحت قناة من قنوات الفعل السياسي ووسيلة من وسائل التأثير الأيديولوجي، من اجل صناعة رأي عام موالي ومضاد لأي نظام سياسي، في الكثير من المباريات تشكل مباريات كرة القدم استمرارا للحرب القائمة او المحتملة بين الدول، بهذا تصبح المباراة حربية تخاض على أرضية الملعب وفي قنوات التلفاز وفي البرامج والاخبار والندوات وفي شبكات التواصل الاجتماعي من أجل خلق تعبئة وطنية: مباراة إيران والولايات المتحدة الأمريكية والارجنتين وبريطانيا  ومباريات قطر ضد الإمارات والسعودية الأخيرة.
ما وقع اليوم في مباراة المغرب والجزائر للناشئين  يكشف أن كرة القدم بالجزائر ليست لعبة وإنما قناة سياسية لبناء عقيدة الكراهية تجاه المغرب، ما يقوي هذا الاستنتاج ما رأيناه اليوم في مباراة النهاية وكيف تحولت أرضية الملعب إلى حلبة للعنف ضد الاطفال المغاربة، والمؤشر الثاني توظيف معلق رياضي يحظى بشعبية في مجال التعليق الرياضي وتحويله إلى أداة سياسية صناعة الكراهية وبناء خطاب الكراهية.
الأنظمة الديمقراطية تعتبر كرة القدم مجرد لعبة تنتهي بانتهاء صفارة الحكم، في حين الدول الاستبدادية تجعل من الكرة أداة لتصريف مشاكلها وأزماتها وتحويل الكراهية الموجهة نحو الداخل وأزمات الداخل ومشاكل الداخل إلى الخارج.
 أسوأ ما وقع اليوم هو تكسير جسور الثقة والانتصار لعقيدة الكراهية كيف تقنع طفلا مغربيا شاهد المباراة أن الجزائر دولة صديقة.