السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

ابراهيم اعمار: رهانات دي ميستورا في الجولة المرتقبة حول ملف الصحراء المغربية

ابراهيم اعمار: رهانات دي ميستورا في الجولة المرتقبة حول ملف الصحراء المغربية ابراهيم اعمار
تتعدد مداخل المنظومة الأممية في تدارس قضية الصحراء المغربية، بين هيئات واختصاصات متفرقة تتوزع بين اللجنة الرابعة كأقوى لجن الجمعية العامة من حيث التداول وصياغة التقارير، ولجنة الأربعة والعشرين كلجنة خاصة معنية بتنفيذ القرارات والمجلس الإقتصادي والإجتماعي كهيئة داعمة من أجل تنفيذ القرارات والإشراف،الجمعية العامة الموكول لها اتخاذ القرارات بناء على ملخصات جداول أعمال الهيئات الأممية الموازية، ومجلس الأمن الذي يضم خمسة عشر عضوا موكول له تحقيق السلام ووقف العدوان أثناء اندلاع التوتر المسلح، 
انطلق ملف الصحراء المغربية إلى التداول الأممي منذ سنة 1966، وفي ذلك التاريخ كانت إسبانيا هي الراعي الرسمي للملف أمميا قبل أن تعلن عن انسحابها كإدارة مستعمرة للصحراء وبعد حرب طويلة أججتها أطماع إقليمية دولية ومجاورة استطاع المغرب بسط نفوذه السيادي التاريخي عليها وتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار برعاية أممية، لم تتجاوز القرارات الأممية المتعلقة بالصحراء سوى دعوة الأطراف للحضوروالمشاركة وبعدها تشكلت بعثة للسهر على  التسوية السلمية ثم قرارات سنوية يتم تجديدها، وقد ظل هذا الشكل من التداول ألأممي للملف سائدا حتى سنة 2004 حيث تم اقتراح خطة بيكر للسلام، اختلف حول صيغة لائحة الأهلية للتصويت التي سجلتها المستعمرة 1974، واقترح المغرب شمول التصويت لكافة ساكنة الصحراء باعتبار هذا الشكل هو الاطار الديمقراطي لتحقيق مفهوم ساكنة الصحراء، فانفجر التفاوض واستقل بيكر قائد الخطة. ليؤكد المغرب مقترح الحكم الذاتي كأقصى إطار للتسوية لا يمكن التنازل عليه إذا كانت الأطراف الأخرى ترغب في إيجاد حل لإنهاء النزاع، والذي وصفه مجلس الأمن بالمصداقية والجدية ،وليس مجلس الأمن وحده بل تلقى دعما وتأييدا دوليا، اعتبرته امريكا بالحل الوحيد، فرنساء تؤيده وبريطانيا واسبانيا والمانيا والجامعة العربية ودول افريقية فتحت قنصليات لها على أساسه. قام المبعوث الجديد ديميستورا بزيارة للمنطقة بعد تطور جديد للملف حيث اقترحت الأمم المتحدة إدراج الأطراف الإقليمية المعنية بالملف (موريطانيا والجزائر)، ولم يقدم اي تصريح أو تقرير بخصوص جولته التي يمكن تعريفها بجولة إطلاع، عرض خلالها المغرب مقترحه للحل، بينما طفت البوليساريو تلوك أسطوانة تقرير المصير بمفهوم الإنفصال من خلال مباني خربة كذاكرة وطنية، وأسلحة خردة، وصور تزعم فيها مسا بالوضع الحقوقي بالصحراء المغربية، وشعارات تضليل ومغالطات وقد راهنت على حدث الگرگرات كتكتيك لفرض تداول أممي لصالحها في ملف الصحراء، لم تنل منه سوى رد أممي برفض التصعيد والإلتزام ببنود السلام الموقعة بين الطرفين، بل ذهبت الأمم المتحدة إلى أبعد من ذلك في قرار مجلس الأمن رقم 6302 الذي وصف غزو البولساريو للگرگرات بالمس بأمن واستقرار المنطقة بكاملها.
في هذا الخضم يتسلم دي ميستورا اليوم مهمته في نزاع الصحراء المغربية في ظرف دولي وإقليمي دقيق لا يمكن للعاقل أن يتوقع مسارا أمميا خارجه، العمل الأممي اليوم متوجه نحو قضايا حقوق الإنسان كمنظومة عالمية شاملة كفيلة بضمان تدبير عادل لمؤسسات الحكم والتنمية، وكذلك محاربة الإرهاب خاصة الإرهاب الإفريقي كتهديد لمستقبل السلام والنمو، والتفكير الأممي منكب على معالجة بؤر التوتر سواء ذات طابع مسلح أو مدني، بأن تنهل من المنظومة الحقوقية وبرامج الإنماء، لأن الهدف في نهاية المطاف هو ضمان وحدة الشعوب وسلام الدول وفوق ذلك تنميتها وجعلها تنعم بالإستقرار والسلم، وعلى هذا الأساس فالحكم الذاتي وفق المنظور المغربي المقترح والمنظور الاممي المتصور المبني على وكالات متخصصة تشرف وتتابع آلية عمله واشتغاله ومدى خدمته لأهداف السلام والحرية والعدل والتنمية كقيم أممية، لا يتعارضان طالما أن المغرب يضمن للحكم الذاتي حكومته المحلية واسعة الصلاحيات تدبرهياكلها ومؤسساتها في إطار سيادة مغربية يربطها بالحكومة المحلية مواثيق والتزامات تنظيمية مشتركة وهو ما تؤكده قوانين الجهوية المتقدمة لأن الهدف ليس شكل السلطة المنظمة للعمل بقدر مضمون العمل الذي ليس في نهاية المطاف سوى السهرعلى تنمية أهل الصحراء وتحصينهم من القتل والجوع والشتات واللجوء.
وأعتقد أن دي ميستورا يتمتع برصيد معرفي وقانوني يدرك من خلاله أن مداخل الإستقرار والسلم لمنطقة تعاني من قضايا كبرى وعلى رأسها تنامي الإرهاب ومشاكل المناخ وتعثر تنموي وديمقراطي، فالغاية التنموية و الديمقراطية متضمنة في الحكم الذاتي، والتنمية رهينة بامتلاك كفاءات الحكومة المحلية القدرات على تسيير الأقاليم بما يخدم الناس، ولا أظن أن وهم العودة بالملف إلى الوراء  سيتحقق.
فدي ميستورا يعي جيدا خطورة منزلقات وانحرافات الملف لما تحظى به المنطقة من ترابط إقليمي ودولي كبير ،ولما تعج به من  تهديدات إرهابية، وزخم آمال الشعوب في الإستقرار والعيش الكريم أمام أزمات وصدمات عالمية ضخمة، إن سلام واستقرار الصحراء المغربية له دور جيو-استراتيجي قاري وعالمي كبير، وقد يشكل أداة لخدمة السلام والأمن العالميين، وسيشكل هذا الرهان أفق عمل دي ميستورا المقبل.
 ابراهيم اعمار فاعل إعلامي الداخلة