الثلاثاء 16 إبريل 2024
سياسة

خطاب الملك فضح ماكرون ونزع الريش من الديك الفرنسي

خطاب الملك فضح ماكرون ونزع الريش من الديك الفرنسي الملك محمد السادس وإلى جانبه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
خلال مداخلة مع إذاعة "أوروبا 1"، شدد النائب الفرنسي اليميني والمتحدث باسم التجمع الوطني، سيباستيان تشينو، على أن رحلة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر "كانت غير مجدية"، مؤكدا أن فرنسا "ليس لديها ما تكسبه من هذه الرحلة.. حتى الغاز". غير أن ماكرون الذي يعرف جيدا أن علاقته مع المغرب تمر بمرحلة "برود شديد"، وأن شروخا عميقة اخترقت عمق العلاقة التقليدية بين الرباط وباريس، بسبب من إصرار المغرب على "توضيح" شراكاته الدولية من باب الموقف من نزاع الصحراء (الولايات المتحدة الأمريكية+ ألمانيا+ إسبانيا)، وأيضا بسبب إقدام المغرب على دخول غمار التدافع الاقتصادي والتجاري، كفاعل إقليمي مستقل ومؤثر، في المعاقل التي تعتبرها باريس "ملكا خاصا". 
 
لم يأت ماكرون إلى "قصر المرادية" محمولا على الأكتاف، ليسجل فوزا سياسيا في ملف "ذاكرة حرب الجزائر"، ولا ليعتذر من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، حين وصفه، في أكتوبر 2021، بأنه "عالق في نظام متحجر"، وأن "المشكلة لم تنشأ مع المجتمع الجزائري في أعماقه، ولكن مع النظام السياسي العسكري الذي بُني على هذا الريع من الذاكرة"، ولا ليتفاوض حول "المهاجرين" و"أزمة التأشيرات"، بل إطلاق "أجندة الاستثمار" في التوازنات الاستراتيجية في المنطقة المغاربية وإفريقيا. ولذلك، يمكن اعتبار زيارة ماكرون للجزائر بمثابة رفع العصا لإرجاع ما تعتقد أنه "الخروف الشارد" إلى القطيع.

صحيح أن فرنسا اختارت، مع ماكرون، أن تدخل في مواجهات غامضة مع حلفائها الاستراتيجيين، وصحيح أن الديك الفرنسي فقد جزءا من ريشه في المعارك الصامتة، وأحيانا العلنية، مع أصدقائه التاريخيين (المغرب، إسبانيا، بريطانيا، أمريكا، أستراليا..إلخ)، على نحو يكشف نوعا من التخبط الذي تعرفه السياسة الخارجية لقصر الإليزيه؛ وهو ما يفسر، الآن، خروج المواجهة مع الرباط من دائرة البرود (حرب التأشيرات، وما استتبعها من ارتخاء في العلاقات) إلى دائرة الاصطدام المباشر (زيارة ماكرون للجزائر، ومكافأة تونس على استقبال زعيم الانفصاليين بسد المحاصصة في التأشيرة وإرجاع الأمر إلى حالته الطبيعية).
 
إن ما يهم اليوم فرنسا من التقارب مع الجزائر، ليس فقط تلبية حاجتها من الإمداد الطاقي (خاصة مع إقدام روسيا على قطع العديد من خطوط الإمداد العازي)، وليس فقط تحصين نفوذها اللغوي والثقافي (هددت الجزائر بالتخلي عن اللغة الفرنسية في المدارس لصالح اللغة الإنجليزية)، وليس للإبقاء على نفوذها في مالي عبر ضباطها في "الجيش الجزائري"، بل أساسا لترتيب "النزاع الإقليمي" بما يخدم مصالحها الاستراتيجية الكبيرة والبعيدة، من باب إخضاع المغرب لإملاءاتها السياسية، وإرغامه على القبول بـ "الموقف الفرنسي الناعم الذي لن يثير غضب تبون وشنقريحة".
 
إن باريس تدرك أن المغرب رفع السقف عاليا، وأن شعار "نظارة الصحراء" الذي رفعه الملك محمد السادس، في خطاب "ثورة الملك والشعب"، يحرجها أمام "عقدة الجزائر الكبرى" تجاه المغرب. كما تدرك أن "وضوح الموقف الفرنسي" من نزاع الصحراء سيجر عليها غضبا كبيرا من هذا الطرف أو ذاك، الأمر الذي سيؤدي إلى بناء عوائق أمام كل طموحاتها الاستراتيجية في إفريقيا. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: إذا كان ماكرون يدرك أن الجزائر وتد من أوتاد النفوذ الروسي في شمال إفريقيا، فهل بوسعه استعداء المغرب والخروج عن المحور الأوروبي والأمريكي الداعم لمغربية الصحراء ومقترح الحكم الذاتي؟ هل بوسعه أن يعانق الجزائر التي يعتبرها الغرب مجرد أداة استنزاف روسية لإدارة "الحرب الطاقية" مع أوروبا؟
 
إن فرنسا ماكرون، التي فككت قواعدها العسكرية بمالي التي راكمتها طيلة  10 أعوام، قبل أن تغادرها تاركة خلفها قيادة مالي معادية لها، ونحو 3 أرباع من مساحة البلاد تحت سيطرة المجموعات المسلحة، تدرك أنها لم تعد لاعبا "عسكريا" جيدا أو كبيرا في "محيطها الإقليمي"، مما فرض عليها الدخول في لعبة أخرى تفرض من خلالها على مستعمراها القديمة الخضوع لـ"نظام المناولة" دون أن تخسر قطرة دم واحدة، بل دون أن تضطر للدخول في منافسة مباشرة مع القوى العظمى التي بسطت نفوذها التجاري والاقتصادي على إفريقيا. ولذلك، فإن المعادلة الصعبة التي تعرقل هذا المسار الاستراتيجي الجديد هو الإجابة على التوتر التاريخي بين المغرب والجزائر دون الخضوع لـ"نظارة الصحراء"، ودون التخلي عن "أراضيها السابقة".
 
ذهب ماكرون إلى الجزائر، وخرج منها بـ"وعود" و"عهود" و"اتفاقيات ورقية للشراكة الشاملة"، لكنه صرح من هناك أن سيزور الرباط في أكتوبر القادم. فما معنى ذلك؟ معناه، في العمق، أن أي استثمار سياسي واستراتيجي في العلاقة مع الجزائر لا يعني القطيعة مع الرباط، وأن أمام المغرب فرصة لتدارك الأمر لخلق تفاهمات جديدة مع فرنسا خارج "نظارة الصحراء"، وهو ما لن يقبل به المغرب، كما هو واضح في الاشتراط الملكي. 
 
لقد وضعت فرنسا، من خلال وخز خاصرة المغرب، بالشوكة الجزائرية،  كل بيضها في سلة محاولة كسر سلسلة الانتصارات الدبلوماسية المتوالية التي حققتها الرباط، وذلك بإخراج ورقة تونس التي لم يتوقع أي أحد أن يتجرأ قيس سعيد على استقبال زعيم البوليساريو استقبالا يليق برؤساء الدول، في إشارة إلى أن فرنسا بإمكانها، إذا استمر المغرب في سياسة الضغط، أن تتزعم تكتلا قويا معارضا لمغربية الصحراء.

إن ما يهم فرنسا هو استعادة التحكم خط التوازن الاستراتيجي بين المغرب والجزائر، دون المساس بمصالحها الاقتصادية، بل بجعلهما معا منصة لإطلاق تحولها الاستراتيجي في المنطقة الإفريقية، ولن يتأتى لها ذلك إلا بكسر "نظارة الصحراء"!