السبت 20 ديسمبر 2025
سياسة

محمد الطيار: علينا أن نعمل على تصنيف التهجير القسري للمغاربة من الجزائر كعمل إرهابي 

محمد الطيار: علينا أن نعمل على تصنيف التهجير القسري للمغاربة من الجزائر كعمل إرهابي  د. محمد الطيار، رئيس المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية
التهجير‭ ‬القسري‭ ‬للمغاربة‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬سنة‭ ‬1975‭ ‬وصمة‭ ‬عار‭ ‬على‭ ‬الجزائر،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬يمنع‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬الطرد‭ ‬الجماعي،‭ ‬فالعهد‭ ‬الدولي‭ ‬للحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬والسياسية‭ ‬يجرم‭ ‬الحرمان‭ ‬التعسفي‭ ‬من‭ ‬الإقامة‭ ‬والملكية،‭ ‬ونفس‭ ‬الأمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬لاتفاقية‭ ‬جنيف‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬الإبعاد‭ ‬القسري‭ ‬للسكان‭ ‬المدنيين‭ ‬انتهاكا‭ ‬جسيما‭. ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬سنة‭ ‬1975،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬مجرد‭ ‬إجراء‭ ‬إداري،‭ ‬فهو‭ ‬عملية‭ ‬ممنهجة‭ ‬نفذتها‭ ‬أجهزتها‭ ‬الدولة‭ ‬الجزائرية‭ ‬بطريقة‭ ‬منسقة،‭ ‬وفي‭ ‬ظرف‭ ‬زمني‭ ‬قصير‭ ‬وبآثار‭ ‬إنسانية‭ ‬عميقة‭ ‬استمرت‭ ‬لعقود‭. ‬وانطلاقا‭ ‬من‭ ‬الشهادة‭ ‬الحية‭ ‬للدكتور‭ ‬اجبارة‭ ‬ننتقل‭ ‬الى‭ ‬المعايير‭ ‬الدولية‭ ‬لتصنيف‭ ‬الأعمال‭ ‬الإرهابية‭ ‬كما‭ ‬وضعتها‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وقرارات‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭  ‬حيث‭ ‬نجد‭ ‬عناصر‭ ‬مشتركة‭ ‬معتمدة‭ ‬في‭ ‬التعريف‭.‬
 
أولها‭ ‬استهداف‭ ‬المدنيين‭ ‬الأبرياء‭ ‬ويتجلى‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬ذكره‭ ‬الدكتور‭ ‬اجبارة‭ ‬وما‭ ‬ذكرته‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشهادات‭ ‬و‭ ‬ماهو‭ ‬وارد‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الوثائق‭. ‬ثانيا‭ ‬استعمال‭ ‬الترويع‭ ‬والإكراه‭. ‬ثالثا‭ ‬ارتباط‭ ‬الفعل‭ ‬بهدف‭ ‬سياسي‭ ‬واضح،‭ ‬وهكذا‭ ‬فالأدبيات‭ ‬القانونية‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬الإرهاب‭ ‬لا‭ ‬ينحصر‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬بل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستخدمه‭ ‬دول‭ ‬اذا‭ ‬وظفت‭ ‬سلطتها‭ ‬لإرهاب‭ ‬السكان‭ ‬أو‭ ‬الضغط‭ ‬السياسي‭ ‬عليهم‭ ‬بطرق‭ ‬ممنهجة‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬طرد‭ ‬أو‭ ‬إبعاد‭ ‬المغاربة‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬سنة‭ ‬1975‭.‬
 
بتطبيق‭ ‬هذه‭ ‬المعايير‭ ‬على‭ ‬واقعة‭ ‬الطرد‭ ‬سنة‭ ‬1975‭ ‬يتضح‭ ‬أن‭ ‬العناصر‭ ‬متوفرة‭ ‬بشكل‭ ‬واضح،‭ ‬فالضحايا‭ ‬كانوا‭ ‬مدنيين‭ ‬عزل‭ ‬بينهم‭ ‬أطفال‭ ‬ونساء‭ ‬وشيوخ،‭ ‬والطرد‭ ‬تم‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬قاسية،‭ ‬حيث‭ ‬جرى‭ ‬تفريق‭ ‬أسر‭ ‬وحرمان‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬ممتلكاتهم‭  ‬ومذخراتهم،‭ ‬تم‭ ‬كذلك‭ ‬تسجيل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الانتهاكات،‭ ‬كالإغتصاب‭ ‬والقتل‭ ‬والإعدامات‭ ‬الميدانية،‭ ‬بشكل‭ ‬مبرمج‭ ‬دفع‭ ‬هؤلاء‭ ‬الناس‭ ‬الى‭ ‬الحدود‭ ‬بشكل‭ ‬يهدد‭ ‬حياتهم‭ ‬ويخلق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الترويع‭ ‬الجماعي،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الهدف‭ ‬السياسي‭ ‬كان‭ ‬معلنا‭ ‬ويتمثل‭ ‬في‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬ملف‭ ‬الصحراء‭ ‬بعد‭ ‬التحولات‭ ‬التي‭ ‬عرفها‭ ‬بعد‭ ‬المسيرة‭ ‬الخضراء،‭ ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬العملية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬عملا‭ ‬فرديا‭ ‬بل‭ ‬قرار‭ ‬دولة،‭ ‬نفذته‭ ‬أجهزة‭ ‬دولة،‭ ‬مما‭ ‬يعطيه‭ ‬طابعا‭ ‬ممنهجا‭ ‬ومنظما‭.‬
 
هذه‭ ‬العملية‭ ‬خلفت‭ ‬آثارا‭ ‬إنسانية‭ ‬واجتماعية‭ ‬جسيمة‭. ‬آلاف‭ ‬الأسر‭ ‬فقدت‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تملك‭ ‬بين‭ ‬ليلة‭ ‬وضحاها‭. ‬مشاريع‭ ‬اقتصادية‭ ‬انهارت‭ ‬وشهادات‭ ‬كثيرة‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬معاناة‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬العبور‭ ‬القاسية‭ ‬نحو‭ ‬المغرب،‭ ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬الى‭ ‬اليوم‭ ‬تقديم‭ ‬أي‭ ‬اعتذار‭ ‬رسمي‭ ‬أو‭ ‬جبر‭ ‬الضرر‭ ‬يليق‭ ‬بحجم‭ ‬المأساة‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬هؤلاء‭ ‬الضحايا‭.‬
 
اليوم‭ ‬وبعد‭ ‬التطور‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬عرفه‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العدالة‭ ‬الانتقالية‭ ‬والحقوق‭ ‬الجماعية‭ ‬ووسط‭ ‬التحولات‭ ‬الإقليمية‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬المنطقة،‭ ‬يصبح‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬إعطاء‭ ‬زخم‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬لهذا‭ ‬الملف‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حفظ‭ ‬الذاكرة‭ ‬وإنصاف‭ ‬الضحايا‭ ‬وضمان‭ ‬عدم‭ ‬تكرار‭ ‬هذه‭ ‬الانتهاكات‭ ‬مستقبلا‭. ‬وعلينا‭ ‬كمجتمع‭ ‬مدني‭ ‬وانطلاقا‭ ‬من‭ ‬المقاربة‭ ‬القانونية‭ ‬والإنسانية‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬سنة‭ ‬1975‭ ‬يستوفي‭  ‬الشروط‭ ‬التي‭ ‬تتبناها‭ ‬المنظومة‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬تعريف‭ ‬الأعمال‭ ‬الإرهابية،‭ ‬سواء‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬باستهداف‭ ‬المدنيين‭ ‬أو‭ ‬استعمال‭ ‬الإكراه‭ ‬والترويع‭ ‬أو‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬سياسية‭ ‬عبر‭ ‬انتهاكات‭ ‬جماعية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬تهجير‭ ‬المغاربة‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬ملفا‭ ‬حقوقيا‭ ‬مشروعا،‭ ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نعمل‭ ‬على‭ ‬تصنيفه‭ ‬وفق‭ ‬التصنيف‭ ‬الدولي‭ ‬للأعمال‭ ‬الإرهابية‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬نجعل‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬بشكله‭ ‬الحقيقي‭ ‬كعمل‭ ‬إرهابي‭ ‬وأن‭ ‬ندفع‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬لتتحرك‭ ‬عوض‭ ‬هذا‭ ‬السكوت‭ ‬المريب‭ ‬الذي‭ ‬دام‭ ‬50‭ ‬سنة‭.‬
د. محمد الطيار، رئيس المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية