الخميس 24 أكتوبر 2024
سياسة

العميد البحيري: إدانة الأمم المتحدة لتجنيد مرتزقة البوليساريو لأطفال مخيمات تندوف يستدعي تحريك آليات المتابعة القضائية الدولية

العميد البحيري: إدانة الأمم المتحدة لتجنيد مرتزقة البوليساريو لأطفال مخيمات تندوف يستدعي تحريك آليات المتابعة القضائية الدولية العميد يوسف البحيري ومشهد لتجنيد أطفال مخيمات تندوف

عرفت أشغال الدورة العادية للجنة الـرابعة والعشرون التابعة للأمم المتحدة، المنعقدة بنيويورك ما بين 11 و21 يونيو 2024، حدثا في غاية من الأهمية يتجلى في إدانة تجنيد مرتزقة البوليساريو الانفصالية للأطفال في مخيمات تندوف، وهو ما يعتبر انتهاكا جسيما وممنهجا لمقتضيات القانون الدولي الانساني ويشكل جريمة دولية متكاملة الاركان من منظور القانون الجنائي.

ولتقريب قراء " أنفاس بريس" من هذا الحدث المتعلق بإدانة للأمم المتحدة لجريمة تجنيد مرتزقة البوليساريو الانفصالية للأطفال في مخيمات تندوف، نستضيف للحديث في الموضوع، العميد يوسف البحيري أستاذ القانون الجنائي الدولي بكلية الحقوق بجامعة القاضي عياض بمراكش وأحد فقهاء القانون الدولي والذي أصدر العديد من الكتابات في مادة القانون الدولي الانساني عن دور النشر الفرنسية مترجمة للعديد من اللغات.

 

عبرت هيئة الأمم المتحدة في الدورة العادية للجنة 24 المنعقدة بنيويورك ما بين 11 و21 يونيو الجاري عن قلقها وإدانتها لجرائم البوليساريو الخاصة بالتجنيد العسكري للأطفال بمخيمات تندوف، ماهو تعليقكم على الموضوع.

إن إدانة هيئة الأمم المتحدة في الدورة العادية للجنة الـرابعة والعشرون المنعقدة بنيويورك ما بين 11 و21 يونيو 2024 هي تكريس للعديد من تقارير المنظمات الدولية التي أكدت على قيام ميليشيات البوليساريو الانفصالية بالتجنيد العسكري للأطفال المحتجزين بمخيمات تندوف، حيث عاينت هذه المنظمات الدولية إجبار الأطفال المحتجزين للانضمام للقوات الانفصالية بواسطة القوة، وفصلهم عن عائلاتهم و انتزاعهم من بيوتهم و تهديد ذويهم بالتعرض للقتل أو التعذيب أو الاعتداء الجنسي أو أي شكل آخر من انتهاكات القانون الدولي الانساني.

وتضيف هذه التقارير الدولية أن التجنيد العسكري للأطفال المحتجزين بمخيمات تندوف، أضحى يشكل جريمة ضد الإنسانية خلال السنوات الأخيرة، حيث يتم إجبار أطفال مخيمات بتندوف عن طريق القوة على حمل السلاح والمشاركة في القتال واستخدامهم لأداء أدوار داعمة مثل حمل الإمدادات، كما يتم إلحاق الأطفال المحتجزين بمخيمات تندوف بالثكنات العسكرية وغسل أدمغتهم وتلقينهم إيديولوجية الكراهية والعنف، وهو ما يشكل جريمة دولية متكاملة الاركان وفق مقتضيات النظام الاساسي لروما تعاقب عليها المحكمة الجنائية الدولية.

كما تؤكد التقارير الدولية على أن البوليساريو تفرض حصارا على الاطفال وتحجزهم في معتقلات بالمخيمات بهدف منعهم من التنقل و مغادرة اماكن الاحتجاز وتمنع عنهم ابسط المستلزمات الضرورية لحياة البشر مما يؤدي الى ارتفاع معدل الوفيات في صفوف الأطفال والرضع والنساء الحوامل من جراء تجويع المدنيين في تندوف، وهو ما يؤكد بما لا يدعو إلى الشك أن هناك سياسة ممنهجة من طرف البوليساريو تندرج في اطار الاعمال الانتقامية تروم ارتكاب انتهاكات جسيمة في حق المدنيين بتندوف، بالرغم من ان مقتضيات القانون الدولي الانساني تلزم البوليساريو باتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية المدنيين بإنشاء مناطق وأماكن آمنة تأوي النساء والأطفال والعجزة وتأمين المواد الغذائية ومواد الإغاثة الضرورية لصحة المدنيين والحوامل والأطفال، وهو ما يثير المسؤولية الجنائية الفردية للمسئولين في جبهة البوليساريو.

فجريمة التجنيد العسكري للأطفال المحتجزين بتندوف، تثير أيضا مسؤولية قادة النظام الجزائري، بموجب القانون الجنائي الدولي الذي يلزم الدول الاطراف أن تحيل المتهمين بارتكاب جرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب فوق أراضيها الى المحكمة الجنائية الدولية الدائمة بلاهاي أو إلى المحاكم الوطنية للدول الاطراف المصادقة على اتفاقية روما قصد محاكمتهم بعد التوفر على أدلة اتهام كافية لإدانتهم.

 

ماهي مرجعية القانون الجنائي الدولي المعتمدة لدى هيئة الامم المتحدة في إدانة قادة البوليساريو لارتكاب جرائم التجنيد العسكري للأطفال المحتجزين بتندوف؟

إن اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 المتعلقة بالقانون الدولي الانساني تمثل حجر الزاوية لضمان حماية الاطفال المحتجزين بمخيمات تندوف من طرف ميليشيات البوليساريو، وذلك بتحريم التجنيد العسكري للأطفال واستغلالهم في النزاعات المساحة. فالباب الثاني والباب الثالث من الاتفاقية الرابعة لجنيف يشكلان مرجعية اساسية للقانون الدولي الانساني تفرض على البوليساريو والجزائر كأطراف في النزاع على الصحراء المغربية ضمان السلامة الجسدية والأمنية للأطفال المحتجزين بتندوف وتلبية احتياجاتهم في مجال التعليم والرعاية الصحية وعدم اشراكهم في العمليات العسكرية وحمايتهم من جميع أساليب القتل والترهيب والتخويف والأعمال الانتقامية".

كما يلزم البروتوكول الاضافي الاول لعام1977 البوليساريو والجزائر بضرورة ضمان حماية خاصة للأطفال الذين تيتّموا أو انفصلوا عن عائلاتهم وعدم استغلال ظروفهم الخاصة في تجنيدهم في الميليشيات العسكرية الانفصالية، كما ينبغي توفير المرافق الخاصة التي تضمن سلامتهم البدنية.

بالإضافة إلى ذلك، حرم البروتوكول الاختياري للاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل لعام 2000 التجنيد العسكري الإجباري للأطفال دون الثامنة عشرة. وشدد البروتوكول الاختياري على أن الجماعات المسلحة تلتزم بعدم استخدام الأطفال دون سن الثامنة عشرة في أي حال من الأحوال وضرورة معاقبة هذه الممارسات جنائياً. وبناء على ذلك فالجزائر تتحمل مسؤولية تطبيق "قاعدة وقاية ومناهضة انتهاكات القانون الانساني المرتكبة فوق أراضي الدول الاطراف

 

يلاحظ أن التجنيد العسكري للأطفال يزداد مع رفض الجزائر وميليشيات البوليساريو بالسماح للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالقيام بالإحصاء في مخيمات اللاجئين، ما هي الأسباب الكامنة وراء ذلك؟

أوصى تقرير اللجنة الأوروبية بضرورة تسوية مشكل إحصاء ساكنة تندوف الناتج عن معارضة الجزائر والبوليساريو، وذلك بشكل يتنافى مع قرار منظمة الأمم المتحدة في الموضوع، ويعتبر المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال أن أهم الأسباب التي تتيح سبل الاختلاس تتمثل في التقدير المبالغ فيه لعدد سكان مخيمات تندوف، وبالتالي تضخيم حجم المساعدات المقدمة.

فالبوليساريو تدعي أن عدد اللاجئين في هذه المخيمات يفوق 160 ألف لاجئ في الوقت الذي لا يتجاوز العدد الحقيقي ال50 ألفا. بينما المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تقدم دعما ماليا ل 160 ألف لاجئ وهو ما يطرح سؤال أين يذهب هذا الدعم الفائض مع سياسة التجويع والتي أفضت الى حركة تمردية داخلية.

ومن أسباب رفض إحصاء السكان المحتجزين في مخيمات تندوف يعود بـ”سياسة استقطاب وتوظيف الرحل كصحراويين يمثلون قوة بشرية ضد المغرب” و التي نهجتها البوليساريو والجزائر، التركيز على عددهم لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، إن قضية ما يسمى ب "اللاجئين الصحراويين" أصبحت في الواقع عبارة عن " مقاولة تجارية عابرة للحدود " يستفيد منها الجزائر و قادة جبهة " البوليساريو، لقد قدر النائب في البرلمان الاوروبي جيل بارنو، حجم المساعدات التي يتم سرقتها سنويا بـ10 ملايين أورو.

ان الاجماع الدولي حول مقترح الحكم الذاتي يشكل ضربة موجعة للأطروحة الانفصالية وتصدعا قويا في بنيان البوليساريو مما أزعج قيادتها التي ترفض إحصاء السكان المحتجزين وتتاجر بحق الشعب في تقرير المصير كورقة ابتزاز للحصول على المساعدة الإنسانية من طرف المجتمع الدولي، وانشاء «منتدى دعم مؤيدي الحكم الذاتي بتندوف" يؤكد بشكل جلي وجود اتجاه قوي داخل ساكنة تندوف وداخل مكونات البوليساريو يؤمن بمشروعية الاقتراح المغربي المتعلق بالحكم الذاتي كحل لقضية الصحراء المغربية في إطار السيادة المغربية.

كما نشر المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال تقريرا يكشف فيه عن عمليات التحويل والمتاجرة في المساعدات الانسانية الخاصة بالمدنيين في مخيمات تندوف والتي تقوم بها البوليساريو وبعض القادة الجزائريين. ويتعلق الأمر بجريمة منظمة ترتكبها مافيا تشتغل في التهريب والاختلاس من خلال تحويل المساعدات الإنسانية الدولية المخصصة لساكنة مخيمات تندوف.

والأدهى من ذلك، يضيف التقرير، أن المساعدات الانسانية في شكل الاغذية والادوية والاغطية التي تصل إلى مخيمات تندوف يتم بيعها للسكان عوض توزيعها عليهم بالمجان، توضع في أكياس بغية بيعها في الأسواق الجزائرية والموريتانية والمالية. ويشير المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال إلى الأرباح التي تحصل عليها البوليساريو من الدعم المالي لإعادة هيكلة البنيات التحتية بتندوف والتي تبين انها تتم بفضل يد عاملة مجانية، تتشكل من الأسرى، في الوقت الذي يدفع فيه المانحون الدوليون مقابلا لتمويلها.