بويا الوردي وبويا عمر

بويا الوردي وبويا عمر

من المؤكد أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان كان قد أوصى من خلال تقاريره المرفوعة للحكومة بإعطاء الأهمية اللازمة للصحة النفسية والعقلية ضمن الأولويات الصحية بعد المستعجلات بمجموع مستشفياتنا الوطنية وفق دراسات علمية مكنته من سبر أغوار الوضع الصحي وطنيا، وكشف اختلالاته المهولة سواء على مستوى البنيات الاستشفائية والعلاجية أو على مستوى التجهيزات والموارد البشرية على اعتبار أن الصحة حق من الحقوق الأساسية للإنسان. هذا المدخل يحيلنا على تصريح وزير الصحة مؤخرا بالبرلمان (أنا وألا بويا عمر) حول موضوع الأمراض العقلية والنفسية وارتباطها بالدجل والشعوذة وثقافة الأضرحة التي أضحت تحصيل حاصل لدى غالبية الأسر المغربية التي تعاني من الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .

فحسب الإحصائيات المتوفرة، فإن 40 % من المغاربة في سن 15 سنة وما فوق قد مروا من أزمات عصبية ونفسية مما يوضح كارثية الوضع الصحي النفسي الذي يتخبط فيه المغاربة واستفحاله بين غالبية شرائح المجتمع، وما يزيد الطينة بلة هو عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة هذه الظاهرة من طرف الجهات الوصية والمسئولة أمام المجتمع، خصوصا وأن معظم العائلات المغربية لا تفرق بين المرض العقلي والتخلف الذهني (الفرق شاسع)، وتتستر على مرضاها نفسيا وعقليا ولا تفصح عن ذلك لاعتبارات تدخل  ضمن ثقافة (حشومة وعايب) ـولدك حمق.... خوك معقد.... بنتكم مجنونة.... أباكم متخلف عقليا... امكم مليوطة.... ولدكم متخلف ذهنياـ ما يبرر عدم قدرة تلك العائلات على زيارة الأطباء النفسانيين وكشف معاناتهم أمام المجتمع دون الحديث عن الجانب المادي وتكلفة العلاج رغم أن هناك مرسوما وزاريا أقر بمجانية علاج المرضى عقليا .

إن المعدل الدولي الذي اعتمد مقاييس غير قابلة للجدل بخصوص عدد الأسرة التي يجب تخصيصها لعلاج الأمراض العقلية والنفسية ومواجهتها بالتتبع والمراقبة والرعاية الاجتماعية حدد في 4,36 سرير لكل 10000 مواطن، كما حدد عدد الأطباء المتخصصين في 3.96 طبيب لكل 10000 مواطن. لكن الطامة الكبرى حسب الإحصائيات المتوفرة، فإن عدد الأسرة المخصصة للمرضى عقليا بمستشفياتنا الوطنية لا تتجاوز نسبة 0,78 سرير لكل 10000 مواطن يوازيها 0,36 طبيب لكل 10000 مواطن. هذه الأرقام تطرح عدة أسئلة حارقة بالنسبة للوضع الصحي المقلق بالمغرب ومدى تجاوب حكومتنا الموقرة مع مطالب المجتمع المدني المتخصص في الدفاع عن الحق في الصحة .

أكيد أن النقص الفظيع على مستوى الممرضين والممرضات المتخصصين مثله مثل النقص الحاصل على مستوى المساعدين والمساعدات الاجتماعيات يؤثر في الوضعية الصحية بشكل عام والصحة النفسية والعقلية بشكل خاص، وتستفحل الأمور أكثر في غياب التجهيزات اللازمة لمواجهة هذه الفظائع التي تعم كل مستشفياتنا الوطنية وبجميع الأجنحة والمرافق في الوقت الذي تتلكأ وزارة "بويا الوردي" في إخراج وتنفيذ ثلاثة مشاريع مستشفيات جهوية في إطار سياسة لا مركزة الخدمات الصحية وفك الخناق المضروب على عدد من البنيات الاستقبالية الصحية وطنيا .

فكم من المغاربة يقاومون في صمت ويخجلون من البوح مما يتعرضون له يوميا من طرف قريب أو فرد من العائلة لفظته أجنحة الحمق والأمراض العقلية بمستشفياتنا الأكثر فظاعة من "بويا عمر"، مستشفيات نزعت الرحمة من قلوب ملائكتها الطبية، وتركت المختلون عقليا ونفسيا تحت رحمة قساوة المجتمع يتسكعون في الشوارع يقدمون عروضا مأساوية تنتهي بأبشع الجرائم.

فحسب متابعاتنا اليومية للساحة الاجتماعية، وما تفرزه من مشاكل ومآسي اجتماعية قاسمها المشترك ظاهرة الشغب والانحراف والتعاطي لكل أصناف المخدرات والعنف والقتل وصبيب الانتحارات المتتالية والجرائم البشعة ضد الاصول.... كل ذلك مرتبط أساسا بالأمراض النفسية والانهيارات العصبية والعقلية التي يتخبط فيها المواطن المغربي، مما نعتبره تحصيل حاصل ونتائج كارثية لهذا السيل الجارف من الإهمال للصحة العقلية وعدم التعاطي معها بالشكل المطلوب. بل نتساءل مع المتتبعين ألا تعتبر الأمراض النفسية والعقلية رافدا ومصدرا أساسيا للإرهاب والقتل؟ هل الإرهابي الذي يفجر نفسه وسط حشود الأبرياء سوي عقليا ونفسيا؟