عندما تعاين إفريقيا كلها ، و تحت أنظار العالم ، بعضا من نتائج مشروع كبير ، واثق و هادئ للإصلاح يقوده ملك مواطن ، يصبح مفهوما و مشروعا و طبيعيا أن يرفع المغاربة سقف التطلعات و ألا يرضوا بأقل من التتويج .
المغاربة لا يريدون ، في الحقيقة و الوعي و اللاوعي ، التتويج بالكأس الإفريقية فقط . هذا طموح عفوي ، عاطفي و فرعي .إنهم ، في العمق و مكنون الأشياء و جوهرها ، يرغبون في تتويج المغرب بأقصى و أجمل و أبلغ و أكمل عبارات احترام العالم و بتصحيح إمضاء كوني لانتقال بلدهم الديمقراطي و التنموي و الحضاري .
تنظيم كأس إفريقيا 2025 بهذا الشكل و المضمون و الروح يجعلنا نشعر بالفخر .
نحن بطبيعة الحال نطمح للأكثر و للأفضل و للأرقى دائما و أبدا. هذا ما تعلمناه في كنف القيم الوطنية و الديمقراطية و التقدمية. هكذا كنا و هكذا نحن و هكذا سنكون . نطمح للديمقراطية و للحريات و للمساواة و لدولة الحق و المؤسسات و للتنمية و العدالة الاجتماعية و المجالية و للكثير من حقوق الناس ، كل الناس . نقترح ، نكافح ، نغضب ، نحتج نفاوض ، نتفق و نختلف ، لكننا لا نفرط ، أبدا ، خاصة بعد أن انكببنا ، بفهم و قناعة و جسارة ، على قراءة نقدية لتاريخنا الحديث بكل ما له و ما عليه ، لا نفرط أبدا في الخيط الرفيع الناظم لمسار بلادنا نحو المستقبل . لا ندع المصالح العليا للوطن و استقرارنا و منهج البناء و الأمل يسقطون من تفكيرنا و من هواجسنا و من تصدر سلم الأولويات و لا نتهاون في الحزم الفكري و الميداني إزاء أي شكل من أشكال التبخيس و النكوص و العدمية .
بين آخر تنظيم مغربي لكأس إفريقيا في مارس 1988 و هذا الاحتضان في دجمبر 2025 ، و دون الدخول في معطيات و ملابسات و حيثيات ما قبل ذلك ، تدافعت رؤى و أحداث و مبادرات و تضحيات و زخم ليحصل ببلادنا ما يدفع للاعتزاز . ما حصل لم يكن خطا مستقيما و لا طريقا سيارا و لا نزهة محفوفة بالورود . ما حصل ، كان مسارا صعبا ، معقدا و مليئا بالمنعرجات و المنعطفات و القلق . لكنه إستقر في نهاية التجاذبات و التقاطبات و الصراع و المطاف ، إستقر بحكم وعي تاريخي و حرص وطني و قلب على البلاد اخترقوا الدولة و النخب و المجتمع معا ، إستقر على ألا مناص من توفير و تثمين و تعزيز كل فرص الانتقال و حدث بفعل دينامية سياسية قوية و بفعل الإجماع حول الوحدة الترابية و الوطنية و بفعل التوافق التاريخي بين المؤسسة الملكية و القوات الشعبية حول المشروع الديمقراطي بمعاني إنسانية و حقوقية و تنموية.
و الآن ، قدم إخواننا من جل ربوع إفريقيا و جاء صناع الرأي العام من معظم بلدان العالم ليشاهدوا جزءا مما بلغناه و ليتعرفوا على أفق ما يمكن أن نصل إليه في المدى المنظور مع ترسخ و تعمق و انتصار الإرادة السياسية للإصلاح ، و ليفهموا ، منذ الآن ، كيف سينشد و يشيد و يشهد أطفالنا و أحفادنا ، بحول الله و قوته ، أعلى مراتب التوهج على كافة الأصعدة و المستويات و كيف سيعزز المغرب مكانته اللائقة بين الأمم .
لا للمدح أقول هذا أو للإطراء ، بل لحاجة بي في أن أقول كلمة حمد لله وشكر للملك و اعتزاز بالخيار الديمقراطي و ثناء على المغاربة.
قد نفوز بكأس إفريقيا للأمم و قد لا نفوز . هذا موضوع من صميم الرياضة و روحها . الأساسي في الأمر ، هو أن المغرب قد فاز باحترام الدنيا في انتظار إبهار آخر إبان كأس العالم 2030 و لربما قبل ذلك بكثير .
عاش المغرب
عاشت تمغربيت
عاشت العلاقات الإقليمية و الدولية المبنية على السلم و المحبة و الاحترام و تعايش الأوطان و الأديان و الثقافات و الحضارات .
خالد فضيل، كاتب رأي في السياسة و الاقتصاد.