حسن صبوري ومشاهد من الورشات في حوار لجريدة "أنفاس بريس" مع الأستاذ حسن صبوري، وهو بالمناسبة أحد أطر اللقاء الدراسي الوطني حول "الطفولة المغربية وحاجياتها...أية مقاربات؟" الذي نظمته جمعية الشعلة للتربية والثقافة في الفترة من 26 إلى 28 دجنبر 2025 بمركز بوزنيقة الدولي. ـ في حوارهـ اعتبر أن اللقاء هو " تعبير عن قناعة راسخة مفادها أن جودة الخدمات المقدمة للطفولة واليافعين لا تنبع إلا من الاستثمار الأمثل في الرأس المال البشري، باعتباره المحرك الأساس لكل تغيير منشود، والرافعة الحقيقية لكل تحول اجتماعي وثقافي" مؤكدا على أن هذا الوعي، "هو ذاته الذي نستحضره اليوم ونحن نخطط للرؤية الاستراتيجية للجمعية في العقد المقبل، لتستمر رحلتنا في البناء، والتمكين، وصياغة مستقبل أفضل للطفولة والشباب".
ـ بداية كيف تضعون هذا اللقاء الدراسي في سياقه العام وما الذي دفع جمعية الشعلة إلى العودة بقوة إلى سؤال الطفولة اليوم؟
سؤال الطفولة في تقديري ليس سؤالا دوريا نطرحه عند الحاجة، بل هو سؤال دائم، يتجدد ليواكب التغير المجتمعي، وكلما اهتز ميزان القيم داخله. وجمعية الشعلة لم "تَعُدْ" إلى سؤال، لأنها لم تغادرها أصلا، لكنها اختارت في هذا اللقاء أن تعيد طرح السؤال من زاوية أعمق وأكثر تركيبا. خاصة ونحن نعيش زمنا تتسارع فيه التحولات الاجتماعية والنفسية، زمن طفولة مختلفة عما ألفناه، طفولة مثقلة بالضغوط، ومكشوفة على عوالم متناقضة، وهو ما يجعل من الحاجيات التربوية مسألة وجودية لا تقنية. هذا اللقاء جاء كوقفة تفكير جماعي، لا لإعطاء أجوبة جاهزة، إنما لإعادة ترتيب الأسئلة الحقيقية.
ـ اخترتم شعار "الطفولة المغربية وحاجياتها… أية مقاربات؟". لماذا هذا التركيب بالذات؟
في اعتقادي هو اختيار موفق تمليه عدة اعتبارات، أولها أننا أردنا أن نبتعد عن الخطاب التقريري. عبارة "أية مقاربات؟" ليست تزيينا لغويا، بل هي إعلان عن موقف فكري كما أننا نعترف ضمنيا بأن المقاربات المعتمدة اليوم ليست كافية، وربما لم تعد صالحة كلها على اعتبار أن الطفل (المغربي) ليس كائنا مجردا، بل هو نتاج سياق اجتماعي وثقافي واقتصادية وحقوقي محدد، وبالتالي فإن حاجياته لا يمكن أن تقارب بنموذج واحد أو وصفة جاهزة وهنا يصبح السؤال في جوهره هو: "كيف نربط بين المعرفة العلمية، والواقع الميداني، والبعد الإنساني في الممارسة التربوية؟"
ـ افتُتح اللقاء بورشة تأطيريه حول المقاربات العلمية لفهم حاجيات الطفل، كيف تقيّمون هذه المحطة الافتتاحية؟
كانت محطة تأسيسية بامتياز، حيث تدخل رئيس الجمعية، الأستاذ سعيد العزوزي، وضع الإطار المفاهيمي الذي تحركنا داخله طيلة أيام اللقاء، وتم التأكيد على فكرة محورية: الطفل ليس موضوع رعاية مادية فقط، انه ذات لها حاجيات متعددة ومتداخلة. الحاجيات النفسية، الصحية، الثقافية، الحقوقية، والاجتماعية وهي ليست جزرا معزولة بقدر ما هي شبكة معقدة من الحاجيات. ما أعجبني شخصيا هو التأكيد على نسبية الحاجيات وتحولها، وهو ما يحرر المربي من وهم السيطرة، ويدعوه إلى التعلم المستمر، وإلى التواضع المعرفي أمام عالم الطفل.
ـ من خلال النقاش العام، ما أبرز الإشكالات التي عبر عنها المشاركون؟
برزت إشكالية الفجوة بين الفكر والممارسة. كثير من الأطر واعية نظريا بحقوق الطفل وحاجياته، لكنها تصطدم بإكراهات الواقع: طبيعة الفضاءات أحيانا، ضعف التكوين المعمق، ضغط الزمن، وأحيانا ضعف الاعتراف بدور الفاعل الجمعوي والإمكانات المتوفرة...الخ.
كما طرح سؤال السلطة التربوية: كيف نمارسها دون أن تتحول إلى عنف رمزي؟ وكيف نضبط السلوك دون أن نكسر الطفل؟ هذه الأسئلة، في حد ذاتها، مؤشر على نضج تربوي، لأن أخطر ما في العمل مع الأطفال هو اليقين المطلق.
ـ الورشة الثانية تناولت حقوق الطفل في السياق التربوي الجمعوي. هل ما زلنا بحاجة إلى التذكير بهذا الموضوع؟
نعم وبإلحاح لأن حقوق الطفل غالبا ما تختزل في الشعارات. الورشة التي أطرها الاخ الكاتب العام محمد أبو القاسم، أعادت الحقوق إلى أرض الواقع ومنها الحق في التعبير، في المشاركة، في الحماية، في الرعاية وهي بالمناسبة ليست بنودا قانونية فقط، بل ممارسات يومية بوعي حقوقي جاد ومسؤول...كيف نصغي للطفل؟ كيف نشركه في اتخاذ القرار؟ كيف نحميه من الإقصاء أو السخرية أو الوصم؟ هنا يتحول المربي من منشط إلى فاعل حقوقي، ومن منفذ برنامج إلى حامل رسالة أخلاقية.
ـ في الورشة الثالثة، كان التركيز على الأنشطة التربوية. ما الإضافة التي قدمتها هذه الورشة؟
الإضافة الأساسية هي إعادة الاعتبار لمعنى الفعل التربوي على اعتبار أن كثير من الأنشطة تنفذ بدافع العادة أو الترفيه، دون وعي بحاجيات الطفل التي يمكن أن تلبيها. والأستاذة ليلى عاطر منسقة شعبة التكوين اشتغلت على تفكيك المعنى الحقيقي للنشاط التربوي، وربطه بالحاجيات النفسية والاجتماعية: اللعب كحاجة، التعبير كحاجة، الإبداع كحاجة والنشاط التربوي أو الثقافي حين يصمم بوعي، يصبح لغة تواصل ومساحة أمان ووسيلة لبناء الثقة وهذا في تقديري، تحول نوعي في التفكير التربوي.
ـ أطرتم ورشة حول الحاجيات النفسية والسلوكية للطفل. لماذا هذا المحور بالذات؟
لأننا على يقين أن السلوك هو أول ما نراه، لكنه آخر ما نفهمه، وكثير من الأطفال يوصمون بالسلوك الصعب، دون أن ننتبه إلى أن هذا السلوك قد يكون صرخة، أو طلب نجدة، أو تعبيرا عن حرمان. اشتغلنا في الورشة على تفكيك هذه السلوكيات التي تم الاشتغال عليها في مشروع الصور النمطية، وربطها بالحاجيات النفسية الأساسية: الأمان، التقدير، الانتماء حيث حاولنا أن نغير زاوية النظر: من سؤال "ماذا يفعل الطفل؟" إلى سؤال "ماذا يحتاج؟" وهذه النقلة النوعية، إن تحققت، تغير كل شيء في العلاقة التربوية بين المربي والطفل ...
ـ كيف تفاعلت الأطر مع هذه المقاربة النفسية؟
من خلال رصد منسوب التفاعل داخل الورشة يمكن القول أن الأطر المشاركة شاركت بتفاعل كبير، لأنهم يعيشون هذه الإشكالات يوميا من خلال اشتغالهم مع فئات عريضة من الأطفال بمؤسسات الطفولة والشباب. كما لمسنا حاجة حقيقية إلى مزيد من الأدوات العملية والمهارات التنشيطية العلمية الحديثة، مثل فن الإصغاء الفعال، والتربية الإيجابية في ضل التحول التكنلوجي، ومحاربة التدخل غير العنيف. علما أن الأطر التربوية لم تطلب وصفات سحرية، بقدر ما طلبت فهما أعمق وتملك آليات حديثة للتواصل مع الأطفال، وهذا في حد ذاته مكسب على اعتبار أن التربية في النهاية، ليست حلا سريعا أو وصفة جاهزة بقدر ما هي مسار طويل من التعلم والممارسة.
ـ ما موقع السهرات التربوية التفاعلية لقد بدت محطات مختلفة في سياق تكوين فكري. كيف تنظرون إلى أهميتها؟
السهرات التربوية نعتبرها لحظة توازن في سياق التكوين، على اعتبار أن التربية ليست تعلّمات فكرية جافة. في اعتقادي هي وجدان أيضا، والسهرات خلقت فضاء إنسانيا، خرج فيه المشاركون من أدوارهم الرسمية، وتواصلوا كذوات وهذه اللحظات تبني الثقة، وتعزز العلاقات الإنسانية وروح الإنتماء، وتذكرنا بأن العمل التربوي عمل جماعي، يقوم على العلاقة الإنسانية قبل البرنامج.
ـ ما أبرز التوصيات التي خرج بها اللقاء؟
أهم التوصيات التي ركز عليها الملتقى، الدعوة إلى إعداد دليل عملي مبسط حول الاستجابة التربوية لحاجيات الطفل، لأن المعرفة إن لم تترجم إلى أدوات، تبقى حبيسة الندوات. ثم إحداث نواة من الأطر المرجعية في مجال الطفولة، قادرة على التأطير والمرافعة. إضافة إلى إدماج مقاربة الحاجيات في كل برامج الجمعية، وتعزيز التكوين المستمر، وبناء شراكات داعمة.
ـ في كلمة أخيرة، كيف تلخصون روح هذا اللقاء؟
أعتقد أن روح اللقاء سيكون لها انعكاس إيجابي على الرفع من جودة التنشيط التربوي والثقافي بالفروع والمخيمات وملتقيات اليافعين. كما هو الشأن بالنسبة للترافع حول حاجيات وقضايا الطفولة، ويمكن اختصارها في فكرة بسيطة: تمكين الطفولة من التعبير عن حاجياتها والإصغاء الجيد للطفل وللإطار التربوي داخل الجمعيات والمؤسسات التعليمية ومراكز التنشئة الاجتماعية ولأسئلة الزمن التربوي من خلال الرصد والتحليل والإنتاج المعرفي لتقوية قدرات الأطر التربوية.
لقد حاولنا خلال هذا الملتقى أن ننتقل من منطق الجواب الجاهز إلى منطق السؤال ومن منطق السيطرة إلى منطق الفهم، وإذا كان لهذا اللقاء أن يترك أثرا فليكن هذا الأثر وعيا جديدا بأن الطفل ليس مشروع إنسان مؤجل، إنه إنسان كامل.
إن هذا اللقاء يدخل في إطار المجهود المستمر الذي تبذله الجمعية على امتداد نصف قرن من الزمن، فإلى جانب كونه تراكم من المبادرات والأنشطة التي نعتز بها، فهو تعبير عن قناعة راسخة مفادها أن جودة الخدمات المقدمة للطفولة واليافعين لا تنبع إلا من الاستثمار الأمثل في الرأس المال البشري، باعتباره المحرك الأساس لكل تغيير منشود، والرافعة الحقيقية لكل تحول اجتماعي وثقافي. وهذا الوعي، هو ذاته الذي نستحضره اليوم ونحن نخطط للرؤية الاستراتيجية للجمعية في العقد المقبل، لتستمر رحلتنا في البناء، والتمكين، وصياغة مستقبل أفضل للطفولة والشباب.