يعاني مرضى "جفاف الجلد المصطبغ" (Xeroderma Pigmentosum)، والذي يُعرف إعلاميًّا باسم "أطفال القمر"، من حالة وراثية نادرة تفرض عليهم نمط حياة استثنائي. ينبع التحدي الذي يواجهونه من خلل جيني يؤثر على قدرة خلاياهم على إصلاح التلف الذي تسببه الأشعة فوق البنفسجية في الحمض النووي.
يظهر هذا الخلل على الجلد في صورة حساسية مفرطة لأشعة الشمس، حيث يؤدي التعرض حتى للكميات الضئيلة منها إلى ظهور حروق شديدة، بقع جلدية متغيرة اللون، وتقرحات. مع مرور الوقت، يزداد خطر تطور هذه الإصابات إلى أورام جلدية خبيثة في سن مبكرة، مما يجعل المتابعة الطبية الدقيقة والحمائية المشددة من الضوء ضرورة يومية للحفاظ على سلامتهم.
وراء التشخيص الطبي، تكمن قصة إنسانية معقدة للأطفال وعائلاتهم، تسعى لإيجاد توازن دقيق بين متطلبات العلاج القاسية وضرورة عيش طفولة طبيعية قدر الإمكان. تتحول إجراءات الوقاية – من وضع مستحضرات الحماية الواقية بكثافة عالية، وارتداء الملابس والأقنعة والقبعات الخاصة – إلى روتين أساسي لا يتوقف. تتعلم الأسر كيفية تكييف بيئة المنزل والمدرسة، وخلق مساحات آمنة محمية من الضوء، ليتمكن هؤلاء الأطفال من اللعب والتعلم دون حرمانهم من الفرح الذي يليق بسنهم.
يواجه المرضى تحديات نفسية واجتماعية جسيمة، إذ تضطر العديد من الأسر إلى عكس النمط الطبيعي للحياة، فتصبح ساعات الليل هي وقت النشاط والخروج، بينما تتحول ساعات النهار إلى فترة من العزلة الداخلية في أماكن محكمة الحماية. يتطلب دمجهم في المجتمع وعيًا واسعًا وتفهمًا لطبيعة حالتهم، لتوفير الدعم العملي والعاطفي الذي يمكنهم من بناء ثقتهم بأنفسهم وشعورهم بالانتماء.
كمتخصصة في طب الأمراض الجلدية تابعت العديد من هذه الحالات، فإن متابعة هؤلاء الأطفال ليست مجرد رعاية طبية تقليدية. كل حالة هي درس في الصمود والقدرة على التكيف. فهم، رغم القيود الصحية الصارمة، يحتفظون ببراءة طفولتهم وأحلامهم البسيطة. وراء الأجهزة الوقائية والملابس الواقية، يوجد طفل كأي طفل، يتوق إلى اللعب والضحك والتعلم.
تذكرنا رحلتهم بأن القوة الحقيقية تكمن في الروح التي تتحدى الصعاب. دعم هؤلاء الأطفال لا يقتصر على توفير الرعاية الطبية المتخصصة فحسب، بل يمتد ليشمل خلق بيئة مجتمعية داعمة، متفهمة، وقادرة على احتضان الاختلاف، لتمكينهم من عيش حياة كريمة ومليئة بالأمل.
الدكتورة إلهام السنوسي طبيبة اخصائية في الأمراض الجلدية و التناسلية ، بالمركز الاستشفائي الجهوي بني ملال
إلهام السنوسي