خلفيات الحرب الرمزية التي يخوضها عسكر الجزائر ضد موروث المغاربة

خلفيات الحرب الرمزية التي يخوضها عسكر الجزائر ضد موروث المغاربة لماذا يستهدف عسكر الجزائر التراث اللامادي المغربي؟
تؤكد‭ ‬معركة‭ ‬«القفطان»‭ ‬التي‭ ‬درات‭ ‬رحاها،‭ ‬قبل‭ ‬أسابيع،‭ ‬داخل‭ ‬«اليونسيكو»‭ ‬أن‭ ‬الترامي‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬اللامادي‭ ‬المغربي‭ ‬تحول‭ ‬لدى‭ ‬الطغمة‭ ‬العسكرية‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬إلى‭ ‬«نهج‭ ‬سياسي‭ ‬مقصود»،‭ ‬إذ‭ ‬تستعمل‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المعارك‭ ‬المتلاحقة‭ ‬بوصفها‭ ‬استفزازا‭ ‬يستهدف‭ ‬«الرمزيات»‭ ‬و«الذاكرة»‭ ‬و«الهوية»،‭ ‬ومناوشة‭ ‬تتطلع‭ ‬إلى‭ ‬كسر‭ ‬سردية‭ ‬مغربية‭ ‬أنتجها‭ ‬تفاعل‭ ‬طويل‭ ‬الأمد‭ ‬بين‭ ‬جماعات‭ ‬بشرية‭ ‬ومجالات‭ ‬جغرافية‭ ‬محددة،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬صراع‭ ‬إقليمي‭ ‬يريده‭ ‬قصر‭ ‬المرادية‭ ‬أن‭ ‬يتأبد‭ ‬حتى‭ ‬يرث‭ ‬الله‭ ‬الأرض‭ ‬ومن‭ ‬عليها‭. ‬فالمسألة،‭ ‬حين‭ ‬تُقرأ‭ ‬في‭ ‬تسلسلها‭ ‬الزمني‭ ‬وفي‭ ‬طبيعة‭ ‬الملفات‭ ‬المختارة‭ ‬وفي‭ ‬الإصرار‭ ‬الرسمي‭ ‬الذي‭ ‬يرافقها،‭ ‬لا‭ ‬تبدو‭ ‬مجرد‭ ‬أخطاء‭ ‬تقنية‭ ‬أو‭ ‬سوء‭ ‬تقدير‭ ‬ثقافي‭ ‬عابر،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬سياسة‭ ‬ثقافية‭ ‬واستراتيجية‭ ‬واعية‭ ‬لإعادة‭ ‬كتابة‭ ‬الخريطة‭ ‬الرمزية‭ ‬للمنطقة‭ ‬بالتزوير‭ ‬والتحريف،‭ ‬عبر‭ ‬توسيع‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬هوية‭ ‬الجار،‭ ‬وتقديم‭ ‬الذات‭ ‬باعتبارها‭ ‬وارثة‭ ‬لتراث‭ ‬لم‭ ‬تشارك‭ ‬فعليا‭ ‬في‭ ‬صناعته‭.‬
 
وتبعا‭ ‬لذلك،‭ ‬يمكن‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬من‭ ‬معارك‭ ‬حول‭ ‬التراث‭ ‬اللامادي‭ ‬بوصفه‭ ‬علامة‭ ‬دالة‭ ‬على‭ ‬تحوّل‭ ‬عميق‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬الصراعات‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬اختارت‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬به،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬المواجهة‭ ‬محصورة‭ ‬في‭ ‬الجغرافيا‭ ‬أو‭ ‬الاقتصاد‭ ‬أو‭ ‬الرياضة‭ ‬أو‭ ‬السياسة‭ ‬الصلبة،‭ ‬بل‭ ‬امتدت‭ ‬إلى‭ ‬الذاكرة‭ ‬والرموز‭ ‬والرمزيات‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬المثير‭ ‬للانتباه‭ ‬في‭  ‬هذا‭ ‬المسعى‭ ‬الجزائري‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬يستهدف‭ ‬رموزا‭ ‬مركزية‭ ‬في‭ ‬البناء‭ ‬الثقافي‭ ‬المغربي،‭ ‬وذات‭ ‬حمولة‭ ‬تاريخية‭ ‬قوية‭ ‬وحضور‭ ‬دولي‭ ‬واضح‭ ‬«القفطان،‭ ‬الزليج،‭ ‬الملحون،‭ ‬البسطيلة،‭ ‬الكسكس،‭..‬»،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬عناصر‭ ‬من‭ ‬المجال‭ ‬الطبيعي‭ ‬والعمراني:‭ ‬الأطلس،‭ ‬صومعة‭ ‬الكتبية،‭ ‬جبل‭ ‬توبقال‭..‬)،‭ ‬بل‭ ‬يذهب‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الترامي‭ ‬على‭ ‬الأعلام‭ ‬الأفذاذ‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المغرب‭ ‬وشيوخ‭ ‬التصوف‭ ‬والرياضيين‭ ‬والعلماء‭ ‬والمثقفين‭ ‬الذين‭ ‬حققوا‭ ‬إنجازات‭ ‬لافتة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي،‭ ‬مما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬«الأهداف»‭ ‬ليست‭ ‬اختيارات‭ ‬بريئة‭ ‬أو‭ ‬عشوائية،‭ ‬بل‭ ‬عناصر‭ ‬مشحونة‭ ‬رمزيا‭ ‬ودلاليا،‭ ‬تمثل‭ ‬واجهة‭ ‬الثقافة‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬المخيال‭ ‬العالمي‭. ‬
 
‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الترامي‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬في‭ ‬فضاءات‭ ‬ثقافية‭ ‬مفتوحة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬نقاشات‭ ‬أكاديمية‭ ‬قابلة‭ ‬للتصحيح،‭ ‬بل‭ ‬داخل‭ ‬مؤسسات‭ ‬دولية،‭ ‬مثل‭ ‬اليونسكو،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يمنحه‭ ‬طابعا‭ ‬رسميا‭ ‬ومؤسساتيا‭ ‬مفكرا‭ ‬فيه‭ ‬ويخضع‭ ‬لمخططات‭ ‬مدروسة‭. ‬هنا‭ ‬بالضبط‭ ‬يتحول‭ ‬الترامي‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬إلى‭ ‬أداة‭ ‬استفزاز،‭ ‬لأن‭ ‬إدخاله‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬دولية،‭ ‬دون‭ ‬سند‭ ‬علمي‭ ‬متين،‭ ‬يعني‭ ‬نقل‭ ‬الخلاف‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬النقاش‭ ‬الثقافي‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬الصراع‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬غير‭ ‬المباشر‭. ‬فالرسالة‭ ‬ليست‭ ‬موجهة‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬المغرب،‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬ومفادها‭ ‬إعادة‭ ‬رسم‭ ‬حدود‭ ‬الذاكرة‭ ‬والهوية‭ ‬بـ‭ ‬«قوة‭ ‬الترامي‭ ‬على‭ ‬الرموز»،‭ ‬لا‭ ‬بالحقيقة‭ ‬التاريخية‭.‬
 
ومن‭ ‬هنا،‭ ‬يمكن‭ ‬تحديد‭ ‬خلفيات‭ ‬المعارك‭ ‬الرمزية‭ ‬التي‭ ‬تخوضها‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية‭ ‬عن‭ ‬عمد‭ ‬وسبق‭ ‬إصرار‭ ‬في‭ ‬عشر‭ ‬نقاط‭ ‬أساسية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهلها:
أولا‭:‬‭ ‬تحويل‭ ‬الصراع‭ ‬السياسي‭ ‬إلى‭ ‬مجال‭ ‬رمزي؛‭ ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬عجزت‭ ‬السياسة‭ ‬والديبلوماسية‭ ‬عن‭ ‬إنتاج‭ ‬حلول‭ ‬مُرْضية‭ ‬لحكام‭ ‬الجزائر،‭ ‬صارت‭ ‬السلطة‭ ‬الحاكمة‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬ساحات‭ ‬بديلة‭ ‬لإدارة‭ ‬الصراع‭ ‬دون‭ ‬تحمل‭ ‬كلفة‭ ‬المواجهة‭ ‬المباشرة‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬انتقل‭ ‬التوتر‭ ‬بين‭ ‬الجزائر‭ ‬والمغرب‭ ‬من‭ ‬مستواه‭ ‬السياسي‭ ‬والدبلوماسي‭ ‬التقليدي‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬رمزي‭ ‬أكثر‭ ‬مرونة‭ ‬وأقل‭ ‬التزاما‭ ‬بالضوابط‭ ‬الصارمة‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬التراث‭ ‬اللامادي،‭ ‬بما‭ ‬يحمله‭ ‬من‭ ‬شحنة‭ ‬وجدانية‭ ‬وعمق‭ ‬هوياتي،‭ ‬أصبح‭ ‬ساحة‭ ‬مواجهة‭ ‬مثالية،‭ ‬لأنه‭ ‬يسمح‭ ‬بإرسال‭ ‬رسائل‭ ‬سياسية‭ ‬حادة‭ ‬دون‭ ‬إعلان‭ ‬القطيعة‭ ‬الرسمية،‭ ‬كما‭ ‬يُبقي‭ ‬النزاع‭ ‬يقظا‭ ‬في‭ ‬الوعي‭ ‬الجماعي‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬قرارات‭ ‬صدامية‭ ‬صريحة‭. ‬
 
ثانيا‭:‬‭ ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬تقويض‭ ‬التفوق‭ ‬الرمزي‭ ‬المغربي،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬يتمتع‭ ‬برصيد‭ ‬رمزي‭ ‬متراكم،‭ ‬نابع‭ ‬من‭ ‬عمق‭ ‬تاريخي‭ ‬متصل،‭ ‬ومن‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬إلى‭ ‬سردية‭ ‬ثقافية‭ ‬متماسكة‭ ‬ومُقنعة‭ ‬دوليا‭. ‬هذا‭ ‬التفوق‭ ‬لا‭ ‬يُقاس‭ ‬فقط‭ ‬بعدد‭ ‬العناصر‭ ‬المسجلة‭ ‬في‭ ‬اليونسكو،‭ ‬بل‭ ‬بالحضور‭ ‬المستمر‭ ‬للثقافة‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬المخيال‭ ‬العالمي‭ ‬بوصفها‭ ‬ثقافة‭ ‬ذات‭ ‬جذور‭ ‬واضحة‭ ‬واستمرارية‭ ‬تاريخية‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يصبح‭ ‬استهداف‭ ‬هذه‭ ‬الرموز‭ ‬محاولة‭ ‬لتقويض‭ ‬هذا‭ ‬التفوق،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬التشويش‭ ‬عليه،‭ ‬عبر‭ ‬إدخاله‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬رمادية‭ ‬من‭ ‬الجدل‭ ‬والتنازع‭.‬
 
ثالثا‭:‬‭ ‬بناء‭ ‬شرعية‭ ‬ثقافية‭ ‬بديلة‭. ‬ففي‭ ‬غياب‭ ‬مشروع‭ ‬ثقافي‭ ‬متماسك‭ ‬ينبع‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬تلجأ‭ ‬بعض‭ ‬الأنظمة،‭ ‬مثلما‭ ‬تفعل‭ ‬إسرائيل،‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬شرعية‭ ‬ثقافية‭ ‬مصطنعة‭ ‬عبر‭ ‬الاستحواذ‭ ‬على‭ ‬رموز‭ ‬قائمة‭ ‬وذات‭ ‬قيمة‭ ‬عالية‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يفعله‭ ‬حكام‭ ‬الجزائر‭ ‬الذين‭ ‬يريدون‭ ‬استعمل‭ ‬التراث‭ ‬المغربي‭ ‬وتسخيره‭ ‬كوسيلة‭ ‬لتعويض‭ ‬نقص‭ ‬في‭ ‬الامتداد‭ ‬التاريخي‭ ‬الموحِّد،‭ ‬أو‭ ‬ضعف‭ ‬في‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬رموز‭ ‬جامعة‭. ‬إذ‭ ‬بدل‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬والتوثيق‭ ‬والإبداع،‭ ‬يتم‭ ‬اختصار‭ ‬الطريق‭ ‬عبر‭ ‬تبني‭ ‬رموز‭ ‬جاهزة،‭ ‬ومحاولة‭ ‬إدماجها‭ ‬قسرا‭ ‬في‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬الجزائرية،‭ ‬ولو‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الحقيقة‭ ‬التاريخية‭.‬
 
رابعا‭:‬‭ ‬استثمار‭ ‬التراث‭ ‬في‭ ‬التعبئة‭ ‬الداخلية‭. ‬تُستعمل‭ ‬هذه‭ ‬المعارك‭ ‬الرمزية‭ ‬أيضا‭ ‬كأداة‭ ‬لإعادة‭ ‬توجيه‭ ‬النقاش‭ ‬العمومي‭ ‬داخل‭ ‬الجزائر،‭ ‬وصرف‭ ‬الانتباه‭ ‬عن‭ ‬أزمات‭ ‬اجتماعية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وسياسية‭ ‬بنيوية،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬حول‭ ‬التراث‭ ‬يملك‭ ‬قدرة‭ ‬عالية‭ ‬على‭ ‬التعبئة،‭ ‬لأنه‭ ‬يخاطب‭ ‬الشعور‭ ‬الوطني،‭ ‬ويستدعي‭ ‬مشاعر‭ ‬الفخر‭ ‬والندية،‭ ‬فيتحول‭ ‬«الدفاع‭ ‬عن‭ ‬التراث»،‭ ‬بموجب‭ ‬ذلك،‭ ‬إلى‭ ‬خطاب‭ ‬تعبوي‭ ‬يُعيد‭ ‬إنتاج‭ ‬الإجماع‭ ‬الداخلي،‭ ‬ويمنح‭ ‬السلطة‭ ‬فرصة‭ ‬لتقديم‭ ‬نفسها‭ ‬كحامية‭ ‬للهوية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬«الخطر‭ ‬الخارجي»‭.‬
 
خامسا‭:‬‭ ‬استفزاز‭ ‬المغرب‭ ‬وإخراجه‭ ‬من‭ ‬«منطقة‭ ‬الراحة»‭ ‬وإرغامه‭ ‬على‭ ‬الانفعال‭. ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬الهدف‭ ‬على‭ ‬تسجيل‭ ‬عناصر‭ ‬تراثية‭ ‬أو‭ ‬الفوز‭ ‬بملفات‭ ‬تقنية،‭ ‬بل‭ ‬يتجاوز‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬استدراج‭ ‬المغرب‭ ‬إلى‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬متكررة،‭ ‬وإبقائه‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬الدفاع‭. ‬ومن‭ ‬ثمة،‭ ‬فكل‭ ‬ادعاء‭ ‬جديد‭ ‬هو‭ ‬بمثابة‭ ‬اختبار‭ ‬لمدى‭ ‬الصبر‭ ‬والجاهزية،‭ ‬ومحاولة‭ ‬لاستنزاف‭ ‬الجهد‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬والمعرفي‭ ‬في‭ ‬الرد‭ ‬والتفنيد،‭ ‬وإبقاء‭ ‬التوتر‭ ‬قائما‭.‬
 
سادسا‭:‬‭ ‬تسييس‭ ‬آليات‭ ‬اليونسكو‭. ‬تعتمد‭ ‬هذه‭ ‬المعارك‭ ‬على‭ ‬استغلال‭ ‬الثغرات‭ ‬الإجرائية‭ ‬داخل‭ ‬منظومة‭ ‬اليونسكو،‭ ‬حيث‭ ‬يغلب‭ ‬الطابع‭ ‬التقني‭ ‬والإداري‭ ‬على‭ ‬التحكيم‭ ‬العلمي‭ ‬العميق،‭ ‬مما‭ ‬يسمح‭ ‬بتمرير‭ ‬سرديات‭ ‬سياسية‭ ‬تحت‭ ‬غطاء‭ ‬حماية‭ ‬التراث،‭ ‬خصوصا‭ ‬حين‭ ‬تُقدَّم‭ ‬الملفات‭ ‬بلغة‭ ‬عامة،‭ ‬وتُفرغ‭ ‬من‭ ‬«التحقيق‭ ‬الإثنوغرافي‭ ‬الدقيق»،‭ ‬فتتحول‭ ‬المؤسسة‭ ‬الدولية،‭ ‬تبعا‭ ‬لذلك،‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬تنافس‭ ‬رمزي،‭ ‬تُستعمل‭ ‬فيها‭ ‬الشرعية‭ ‬الأممية‭ ‬لأغراض‭ ‬سياسية‭.‬
 
سابعا‭:‬‭ ‬إعادة‭ ‬كتابة‭ ‬سردية‭ ‬تاريخية‭ ‬إقليمية‭.  ‬إذ‭ ‬يسعى‭ ‬الترامي‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬الماضي،‭ ‬وفرض‭ ‬قراءة‭ ‬جديدة‭ ‬للتاريخ‭ ‬الثقافي‭ ‬للمنطقة‭ ‬المغاربية،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انحماء‭ ‬الفوارق‭ ‬التي‭ ‬تشكّل‭ ‬جوهر‭ ‬الخصوصيات‭ ‬المحلية‭. ‬
 
ثامنا‭:‬‭ ‬تحويل‭ ‬مفهوم‭ ‬«التراث‭ ‬المشترك»‭ ‬إلى‭ ‬أداة‭ ‬هيمنة،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬استعمل‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الطرف‭ ‬المترامي‭ ‬كذريعة‭ ‬لتذويب‭ ‬الخصوصيات‭ ‬وشرعنة‭ ‬الاستحواذ‭. ‬وبموجب‭ ‬ذلك،‭ ‬بدل‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالتعدد‭ ‬داخل‭ ‬الوحدة،‭ ‬يجري‭ ‬توظيف‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬لإلغاء‭ ‬الفروق‭ ‬الدقيقة،‭ ‬وتحويل‭ ‬المشترك‭ ‬إلى‭ ‬ملكية‭ ‬مبهمة‭ ‬تسمح‭ ‬بالضمّ‭ ‬الرمزي‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬خاص،‭ ‬ولما‭ ‬يشكل‭ ‬معطى‭ ‬رمزيا‭ ‬أنتجه‭ ‬التراكم‭ ‬التاريخي‭ ‬الخاص‭.‬
 
تاسعا‭:‬‭ ‬إدارة‭ ‬الصراع‭ ‬بمنطق‭ ‬الاستدامة‭ ‬لا‭ ‬الحسم:‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬تحدف‭ ‬هذه‭ ‬المعارك‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬نصر‭ ‬نهائي،‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬تأبيد‭ ‬الصراع‭ ‬وإدارته‭ ‬بعناية‭ ‬والتحكم‭ ‬في‭ ‬تمفصلاته‭ ‬كأداة‭ ‬للضبط،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬يصبح‭ ‬معها‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬موردا‭ ‬سياسيا‭ ‬دائما،‭ ‬يُستدعى‭ ‬كلما‭ ‬دعت‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬التعبئة‭ ‬أو‭ ‬تحويل‭ ‬الأنظار،‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬رمي‭ ‬الفشل‭ ‬الحكومي‭ ‬والقذارة‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬"العدو‭ ‬الخارجي"‭.‬
 
عاشرا‭:‬‭ ‬اختبار‭ ‬حدود‭ ‬الردع‭ ‬الرمزي‭ ‬المغربي‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ملف‭ ‬جديد‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬جوهره‭ ‬اختبار‭ ‬لمدى‭ ‬قدرة‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬ذاكرته‭ ‬الثقافية،‭ ‬وحدود‭ ‬تسامحه‭ ‬مع‭ ‬الاستفزاز‭ ‬الناعم‭.  ‬ومن‭ ‬هنا،‭ ‬فالمعركة‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬حول‭ ‬عناصر‭ ‬تراثية،‭ ‬بل‭ ‬حول‭ ‬من‭ ‬يملك‭ ‬حق‭ ‬السرد،‭ ‬ومن‭ ‬يفرض‭ ‬تعريف‭ ‬الهوية‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الدولي‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬التراث‭ ‬الحي،‭ ‬المتجذر‭ ‬في‭ ‬الممارسة‭ ‬والذاكرة،‭ ‬يظل‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬محاولة‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬قسرية،‭ ‬لأن‭ ‬ما‭ ‬يتجسد‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬مصادرته‭ ‬بقرار‭ ‬سياسي،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬ينساه‭ ‬الحكام‭ ‬الجزائريون‭ ‬الذين‭ ‬تطاولوا‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬«الدروس‭ ‬الحسنية»،‭ ‬وعلى‭  ‬«موائد‭ ‬الرحمن»،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬على‭  ‬«أصحاب‭ ‬الكهف»،‭ ‬وعلى‭  ‬«الديمقراطيات‭ ‬الغربية»،‭ ‬وعلى‭  ‬«استبانكو»،‭ ‬ابن‭ ‬مدينة‭ ‬أزمور‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬اكتشف‭ ‬القارة‭ ‬الأمريكية‭.‬
 
وإذا‭ ‬كان‭ ‬حكام‭ ‬الجزائر‭ ‬ينظرون‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الترامي‭ ‬كوسيلة‭ ‬لإعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬الصراع‭ ‬بوسائل‭ ‬ناعمة‭ ‬بغاية‭ ‬توحيد‭ ‬الداخل‭ ‬عبر‭ ‬خلق‭ ‬خصم‭ ‬خارجي‭ ‬رمزي،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الخيار،‭ ‬رغم‭ ‬فعاليته‭ ‬المؤقتة،‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬طياته‭ ‬مخاطر‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى،‭ ‬لأنه‭ ‬يرسخ‭ ‬منطق‭ ‬العداء‭ ‬في‭ ‬الوعي‭ ‬الجمعي،‭ ‬ويجعل‭ ‬من‭ ‬الثقافة‭ ‬ساحة‭ ‬صراع‭ ‬دائم‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مجالا‭ ‬للتلاقي،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أصبح‭ ‬ملحوظا‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬الرسمي‭ ‬الجزائري،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬المواقع‭ ‬المأجورة‭ ‬أو‭ ‬الاستخباراتية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬فقد‭ ‬وصل‭ ‬الصراع‭ ‬إلى‭ ‬درجات‭ ‬من‭ ‬التوتر‭ ‬والسواد‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬انعكاساتها‭ ‬المستقبلية‭.‬
 
ويمكن‭ ‬القول،‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬تحليل‭ ‬سياسي،‭ ‬إن‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية‭ ‬اعتمدت‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬بديلا‭ ‬عن‭ ‬المواجهة‭ ‬السياسية‭ ‬المباشرة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬انسداد‭ ‬قنوات‭ ‬الحوار‭ ‬وتراجع‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬إقليمية‭ ‬أخرى‭. ‬فحين‭ ‬تفشل‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬ملموسة،‭ ‬يُلجأ‭ ‬إلى‭ ‬الرموز،‭ ‬لأنها‭ ‬أقل‭ ‬كلفة،‭ ‬وأكثر‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬إثارة‭ ‬ردود‭ ‬الفعل،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬بإمكان‭ ‬هذه‭ ‬المعارك‭ ‬أن‭ ‬تمنح‭ ‬للحكام‭ ‬الوقت‭ ‬الكافي‭ ‬لالتقاط‭ ‬الأنفاس،‭ ‬وأيضا‭ ‬أن‭ ‬تزودهم‭ ‬بالحماس‭ ‬اللازم‭ ‬للظهور‭ ‬بمظهر‭ ‬الأبطال‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬يعرفون‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيرهم‭ ‬أنهم‭ ‬فشلوا‭ ‬فيها‭.‬
 
هذا‭ ‬الوضع‭ ‬يطرح‭ ‬على‭ ‬المغرب‭ ‬تحديا‭ ‬مضاعفا،‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬عناصر‭ ‬بعينها،‭ ‬بل‭ ‬يشمل‭ ‬إعادة‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬استراتيجية‭ ‬شاملة‭ ‬لحماية‭ ‬تراثه‭ ‬اللامادي‭. ‬فالدفاع‭ ‬الظرفي،‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬ردود‭ ‬الفعل،‭ ‬يظل‭ ‬محدود‭ ‬الأثر،‭ ‬بينما‭ ‬المطلوب‭ ‬هو‭ ‬بناء‭ ‬سياسة‭ ‬ثقافية‭ ‬استباقية،‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬والتوثيق‭ ‬الدقيق،‭ ‬وإشراك‭ ‬الجامعات‭ ‬ومراكز‭ ‬البحث‭ ‬والجماعات‭ ‬الحاملة‭ ‬للتراث‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬الملفات‭ ‬الدولية‭. ‬
 
إن‭ ‬الرهان‭ ‬الحقيقي‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬على‭ ‬المغرب‭ ‬الانخراط‭ ‬فيه‭ ‬بحسابات‭ ‬مدروسة‭ ‬هو‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬حيوية‭ ‬التراث‭ ‬داخل‭ ‬مجتمعه‭ ‬الأصلي‭. ‬فالتراث‭ ‬الذي‭ ‬يُختزل‭ ‬في‭ ‬ملف‭ ‬أو‭ ‬عرض‭ ‬احتفالي‭ ‬يفقد‭ ‬روحه،‭ ‬بينما‭ ‬التراث‭ ‬الحي،‭ ‬الذي‭ ‬يُمارس‭ ‬ويُطوَّر‭ ‬وينتقل‭ ‬بين‭ ‬الأجيال،‭ ‬يفرض‭ ‬نفسه‭ ‬بديهيا،‭ ‬ويصعب‭ ‬طمسه‭ ‬أو‭ ‬مصادرته‭. ‬
 
من‭ ‬هنا،‭ ‬فإن‭ ‬دعم‭ ‬الحرفيين،‭ ‬وحماية‭ ‬الفضاءات‭ ‬الثقافية،‭ ‬وتشجيع‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬الشفوية،‭ ‬كلها‭ ‬عناصر‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬التراث،‭ ‬لأنها‭ ‬تعيد‭ ‬ربطه‭ ‬بأصحابه‭ ‬الحقيقيين‭.‬
 
أما‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي،‭ ‬فيطرح‭ ‬هذا‭ ‬النزاع‭ ‬أسئلة‭ ‬محرجة‭ ‬حول‭ ‬دور‭ ‬المؤسسات‭ ‬المعنية‭ ‬بحماية‭ ‬التراث،‭ ‬وحول‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬تحصين‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬خدعة‭ ‬الضم‭ ‬والترامي‭ ‬تحت‭ ‬يافطة‭ ‬«التراث‭ ‬المشترك»‭. ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬حين‭ ‬تتحول‭ ‬ملفات‭ ‬التراث‭ ‬إلى‭ ‬أوراق‭ ‬«تفاوض‭ ‬سياسي»،‭ ‬يفقد‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬مصداقيته،‭ ‬ويصبح‭ ‬عرضة‭ ‬للتشكيك‭.  ‬ومن‭ ‬ثمة،‭ ‬فالمطلوب‭ ‬إعادة‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬البعد‭ ‬العلمي‭ ‬والإنساني‭ ‬للتراث،‭ ‬وعلى‭ ‬ضرورة‭ ‬الاستناد‭ ‬إلى‭ ‬خبرات‭ ‬مستقلة،‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬الادعاء‭ ‬والسند،‭ ‬وبين‭ ‬السردية‭ ‬السياسية‭ ‬والمعطى‭ ‬الثقافي،‭ ‬مع‭ ‬ضرورة‭ ‬تفكيك‭ ‬خطاب‭  ‬«التراث‭ ‬المشترك»‭ ‬بهدوء‭ ‬علمي،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬«المشترك‭ ‬الحضاري»-‭ ‬المفترى‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحالات-‭ ‬حقيقة‭ ‬تاريخية‭ ‬ينبغي‭ ‬كشفها‭ ‬بالأدلة‭ ‬لا‭ ‬بالشعارات‭. ‬
 
إن‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬يفرضه‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬هو‭ ‬القطع‭ ‬مع‭ ‬منطق‭ ‬الانفعال‭ ‬الظرفي،‭ ‬لأن‭ ‬الدفاع‭ ‬المتأخر‭ ‬يضع‭ ‬المغرب‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬المتلقي‭ ‬لا‭ ‬المبادر‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬حماية‭ ‬التراث‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تنطلق‭ ‬مع‭ ‬الاستفزاز‭. ‬وهذا‭ ‬التحصين‭ ‬يتم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الحالات‭ ‬عبر‭ ‬البحث‭ ‬والتوثيق،‭ ‬بل‭ ‬عبر‭ ‬توطين‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬داخل‭ ‬الجامعة‭ ‬ومراكز‭ ‬البحث،‭ ‬وإنتاج‭ ‬دراسات‭ ‬أنثروبولوجية‭ ‬وسوسيولوجية‭ ‬وتاريخية‭ ‬محكَّمة،‭ ‬منشورة‭ ‬ومتداولة‭ ‬دوليا‭. ‬
 
ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬التحصين‭ ‬الأكاديمي‭ ‬والقانوني‭ ‬وحده‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬إذا‭ ‬ظل‭ ‬منفصلا‭ ‬عن‭ ‬حاملي‭ ‬التراث‭ ‬أنفسهم‭. ‬فإشراك‭ ‬الجماعات‭ ‬الحاملة،‭ ‬من‭ ‬حرفيين‭ ‬وصناع‭ ‬تقليديين‭ ‬وفاعلين‭ ‬ثقافيين‭ ‬أصبح‭ ‬ضرورة‭ ‬استراتيجية‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬التراث‭ ‬الذي‭ ‬يتكلم‭ ‬بلسان‭ ‬أهله،‭ ‬ويُعرض‭ ‬بوصفه‭ ‬ممارسة‭ ‬حية‭ ‬متواصلة،‭ ‬يكتسب‭ ‬قوة‭ ‬لا‭ ‬توفرها‭ ‬أي‭ ‬وثيقة‭ ‬إدارية‭. ‬
 
ويمكن،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬تعزيز‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬بإنشاء‭ ‬أرشيف‭ ‬وطني‭ ‬رقمي‭ ‬مفتوح،‭ ‬متعدد‭ ‬اللغات،‭ ‬يوثّق‭ ‬التراث‭ ‬اللامادي‭ ‬المغربي‭ ‬بالصوت‭ ‬والصورة‭ ‬والنص،‭ ‬ويضعه‭ ‬في‭ ‬متناول‭ ‬الباحثين‭ ‬والرأي‭ ‬العام‭ ‬العالمي‭.  ‬كما‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬حصر‭ ‬المعركة‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬اليونسكو‭ ‬وحده،‭ ‬لأن‭ ‬الاعتراف‭ ‬لا‭ ‬يُصنع‭ ‬فقط‭ ‬داخل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الأممية‭. ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬عبر‭ ‬المعارض‭ ‬الدولية‭ ‬والمتاحف‭ ‬والجامعات‭ ‬والمهرجانات‭. ‬كما‭ ‬يصنع‭ ‬أيضا‭ ‬بالتعبئة‭ ‬الإعلامية‭ ‬المستدامة،‭ ‬وتسخير‭ ‬مؤسسات‭ ‬التنشئة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬حتى‭ ‬يصبح‭ ‬التراث‭ ‬جزءا‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬الوعي‭ ‬اليومي‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬السردية‭ ‬القوية‭ ‬لا‭ ‬تصرخ‭ ‬ولا‭ ‬تشكو،‭ ‬وإنما‭ ‬تفرض‭ ‬تفرض‭ ‬نفسها‭ ‬بالتراكم‭ ‬الهادئ،‭ ‬وبالتحصين‭ ‬المعرفي،‭ ‬وبجعل‭ ‬التراث‭ ‬المغربي‭ ‬حاضرا‭ ‬بقوة‭ ‬بوصفه‭ ‬حقيقة‭ ‬ثقافية‭ ‬راسخة‭ ‬تستعصي‭ ‬على‭ ‬المصادرة‭ ‬مهما‭ ‬تعددت‭ ‬محاولات‭ ‬الاستفزاز‭.‬
 
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من اسبوعية " الوطن الآن"
رابط العدد هنا