خالد أخازي: "الكان".. فرحة أشقائنا الجزائريين ذات المسافات الطويلة

خالد أخازي: "الكان"..  فرحة أشقائنا الجزائريين ذات المسافات الطويلة خالد أخازي
سقط ذات جنون القرار بمحاصرة الأحلام في الأجواء... ليلة سرق جنرالات الجزائر حلم الشعب في سماء العبور...
ينتشي الجنرال الجزائري الذي استنزفته ضغينة تسافر من الماضي، ويشرب الأنخاب على جثة الآمال الجزائرية...
ورئيس خارج التاريخ، يسثتمر في حقد دفين، فيغتال الأواصر الطبيعية... دون ذكر الروحية...والعبور السلس في جغرافيا المصير المشترك... بلعبة قديمة اسمها " الحضر الجوي"...
كأن لا سماء غير سماء أرض الجنرالات... والضحية شعب... يطير بعيدا...لمتابعة فريقه في عرس الكان... والتكلفة نفسية ومادية... التدبير السياسي بالعبث ينتج مآسي تصادر أعراس الشعوب....
يهبط القرار الأرعن من مثلث الوهم الجزائري.... تغلق الأجواء.
لكن وراء المثلث القاتل المانع ، لا تزال القلوب تدق...وتقول واحات النخيل على الجانبين: هناك عروس جزائرية لن تحضر زفاف ابنة خالتها في الدار البيضاء، تقطع فرحة كانت تنمو معها منذ الطفولة، كغصن قطع قبل أن يزهر...وهناك جد مغربي في وجدة، ترتجف يداه فوق صورة حفيده في وهران، كأن أصابعه تحاول اختراق زجاج الهاتف...لتستعيد دفئا يعرف طريقه…
لكن لا يسمح له بالوصول...
القرارات تكتب بلغة
«السيادة» و«الثوابت»...
لكن دم الناس يترجمها بلغة أخرى:
لغة الفرص الضائعة،
والذكريات المحتجزة، والمسافات التي لا تقاس بالكيلومترات،
بل بثقل الأنفاس المحبوسة في الصدر.
انظر إلى هذه السماء الفاصلة.
من مكتب مُكيَّف في العاصمة الجزائر...هي خطٌّ أحمر على خريطة.
أما لمن يقف تحتها؟
فهي سقف واحد لحلمين مؤجَّلين.
شابٌ في قسنطينة، وآخر في فاس،
يتابعان المباراة ذاتها، على الشاشة ذاتها، ويصرخان للهدف في اللحظة نفسها، ثم يمدّ كلٌّ منهما يده إلى الهاتف ليتقاسما الفرح…
فتخون الرسالة طريقها،
وتتذرّع “التقنية” بعطل يعرف الجميع أنه مقصود.
سماء واحدة،
لكن نظام العسكر يزرع فيها أسلاكًا شائكة غير مرئية، تحوّل همس الجيران إلى صرخةٍ بلا ممر.
وتأتي الكرة…هذه المعجزة الصغيرة
التي تجمع العالم في نبضٍ واحد،
فتتحول إلى محكمةٍ قاسية للإنسانية...
يفتح المغرب ملاعبه وقلبه،
فتتهافت القارة بألوانها وأغانيها.
ويقف المشجّع الجزائري على عتبة الفرح، كطفلٍ يرى الملعب من خلف سياجٍ مرتفع...
عليه أن يلتف على الجغرافيا، أن يدبر مدّخراته في بلد بترولي الأقل أجرا في المنطقة... والأعلى تكلفة للعيش...
عليه أن يمر بدولٍ لم تكن يوما جزءًا من حلمه، فرنسا... تركيا... تونس.
رحلة ساعة... غدت رحلة جحيم...
ليصل متأخرا، منهكًا، وكأنه خاض حربًا صغيرة من أجل فرجة قارية.
أليست هذه هي الجريمة الحقيقية؟
أن تحول براءة اللعبة إلى امتحان للولاء سياسي، وأن تدفع الجماهير
ثمن تهور لعقلية عسكرية رعناء؟
وفي الجهة الأخرى، يمسك المغرب بذلك الخيط النوراني الرفيع: الفصل بين النظام الأرعن الشعب الضحية.
موقف يشبه السير على حبل فوق هوة عميقة.
القلب الشعبي يغضب أحيانا، واللسان الرسمي يحترق رغبة في الرد، لكن الإصرار يبقى: لن نخلط.
لن نصنع من الجيران أعداء....لأن نظامهم اختار الخصومة في أبشع صورها... تحويل الشعوب إلى وقود
وتبقى الأبواب مواربة، بلغة المغرب... تبقى الأغاني الجزائرية في المقاهي، وتظل حكايات الجدات
عن “الجزائري الشقي” جزءا من دفء الذاكرة.
إنه صمود من نوع آخر:
صمود الإنسانية...في وجه إغراء الانتقام.
وفي الصمت بين نظام عسكري حاقد أرعن نظام مغربي راق أرحم...تنمو حياة موازية...حياة سرّية،يصنعها الناس بأيديهم بروابط “واتساب” بلا حدود، صور “إنستغرام” يتعانق فيها الكسكس المغربي والراي الجزائري على الطاولة الرقمية نفسها، ومقاطع “تيك توك”..تتبادل اللهجات بفكاهة مشبعة بالحنين.
إنها دولة الشعوب،
تقوم تحت أنقاض القرارات الرسمية،
وتقول ببساطة جارحة:
أنتم أهلنا.
والحدود، أيها السادة،
لا تحبس النسيم
حين يهب من الجنوب إلى الشمال
حاملا عبق تاريخ واحد.
ووجدة... يا سادة... من يستطيع منهكم النظر في عينيها ولو لحظة...؟
فماذا يبقى في النهاية؟ تبقى الأرض التي لا تنسى...تبقى تربة وجدة وتلمسان...تمتص المطر نفسه.
يبقى شاهد اسمه التاريخ... يدون بألم حكاية شعبين كتوأمين في رحم واحد، فصل نظام عسكري جسديهما، ونسي أن القلب واحد... ونفس الروح لا تزال تتألم.
القرارات السياسية حبر على ورق يابس، أما دم الناس فنهر عميق،
يجري تحت كل الجدران، يختزن الدموع والضحكات المؤجّلة،
وينتظر يوما أنيذوب فيه ذلك الحبر،
فتنبثق الحياة كما كانت:
شاسعة، حرة،
كسماء مفتوحة
لا تميز بين نخلة ونخلة.
 
خالد أخازي، كاتب وإعلامي