نور الدين الطويليع: مفارقة اليد الممدودة والامتناع عن المصافحة في نهائي البطولة العربية

نور الدين الطويليع: مفارقة اليد الممدودة والامتناع عن المصافحة في نهائي البطولة العربية نور الدين الطويليع
أثر الاستجابة غير البليغة في مقاومة خطاب الروح الرياضية 
 تعد المصافحة وسيلة من وسائل التواصل الإنساني، تمتد جذورها عبر التاريخ، وتجسد الصداقةَ والقربَ المعنوي بين المتصافحين، ولرمزيتها حرص الرومان على سك نقود معدنية، تحمل صورا ليدين متصافحتين، وتشير الروايات التاريخية إلى أن الإنسان الأول عمد إلى المصافحة تعبيرا عن جنوحه إلى السلام، ولطمأنة الآخر أنه لا يحمل سلاحا في يده.
يمكننا بهذا الصدد اعتبار المصافحة في النطاق الرياضي استجابة بليغة غير لفظية، تتجاوز كونها مجرد حركة جسدية، لتتخذ صورة فعل تواصلي غني بالدلالات، يؤطره السياق وانتظارات الجمهور في إطار عَامٍّ عنوانُه الروح الرياضية واحترام الخصم وتقديره.
في ظل هذه المعطيات يمكننا كذلك تصنيف امتناع لاعبي المنتخب الأردني عن مصافحة مدرب المنتخب المغربي ضمن ما يُسمّى في بلاغة الجمهور بـ"الاستجابة غير البليغة"، لأنها لم تنسجم مع السياق العام لبطولة رياضية، رفع منظموها على امتداد دوراتها شعار الوحدة العربية وتعزيز التقارب بين الشعوب الناطقة بلغة الضاد، فهذه الاستجابة تكسر أفق الانتظار الجماهيري، ولا تخدم السياق التداولي، وإذا كانت اليد الممسوكة في العصر الروماني تدل على حمل السلاح، فإنها في هذا الموقف تدل على حمل سلاح الحنق والغيض والحقد، ليس على المبادر بالمصافحة فقط، بل على الفريق بأكمله، حتى لا نَشِّطَّ أكثر في التأويل ونوسع الدائرة.
هذه الاستجابة  فعل دلالي خارق للأعراف الرياضية، وسلوك ملتبس، يفتح المجال واسعا للتأويل، وردة فعل تبتعد كثيرا عن نطاق الاحتجاج الصامت الذي يُصَنَّفُ ضمن الاستجابة البليغة، لأن المباراة جرت في أجواء رياضية طَبَعَتْهَا المنافسة، ولم تعرف أحداثا خارجة عن النطاق الرياضي، ولأن المنافسة تنتهي بإطلاق صافرة النهاية التي تعني الخروج من دائرة الصراع الرياضي إلى دائرة العلاقة الإنسانية العادية وما يرتبط بها من علاقات ومجاملات. 
أسهمت هذه الاستجابة في تحويل انتباه الجماهير، وجعلت التركيز منصبا عليها عوض الاهتمام بلحظة التتويج، وأحبطت الاستجابة البلاغية لخطاب الروح الرياضية الصادر عن أفراد المنتخب الوطني المغربي بإحداثهم ممرا شرفيا لعناصر المنتخب الأردني، وهذا ما يزكي تصنيفنا إياها بغير البليغة أَثَرًا وتَلَقِّيًا، فقد عطلت التواصل وأنتجت معانٍ معاكسة للسياق والشعارات المرفوعة.