أريري: إلى متى سيبقى مغاربة الجبل يدفعون ثمن عقلية الساحل؟!

أريري: إلى متى سيبقى مغاربة الجبل يدفعون ثمن عقلية الساحل؟! عبد الرحيم أريري
في البلدان المعروفة بقساوة المناخ كالثلوج التي تدوم لأكثـر من ستة أشهر في السنة، أو المعروفة بغزارة الأمطار وبكثـرة الأعاصير الخطيرة، نجد بأن بنيتها التحتية "طرق وقناطر وأنفاق"، تتميز بجودة عالية وتقاوم غضب الطبيعة نسبيا، فضلا عن كون عمرها يدوم طويلا. وحتى إن تضررت بعض مقاطعها فإن الضرر يصلح في الحين من طرف المصالح التقنية المختصة! 
 
في المغرب لما يتم إنجاز البنيات التحتية، لا يتم أخذ جميع المعطيات والعوامل والإكراهات الطبيعية والمناخية والخصائص الطبوغرافية لكل حوض جغرافي بعين الاعتبار، كي تصمد القنطرة أو الطريق أمام التقلبات الجوية، ولكي تدوم المنشأة الفنية مدة طويلة جدا. 

أضف إلى ذلك أن المدبر العمومي بالمغرب، وأثناء تصميمه للبنية التحتية، لا يستحضر جميع الجوانب المرتبطة بالمشروع من صيانة وإمكانية توسيع الطريق والقنطرة وإمكانية ربطها بالمجال الترابي المجاور لها مستقبلا.
 
من غير المقبول، بعد مرور 69 سنة على استقلال المغرب، أن يتم الاستمرار في تهيئة مدن الجبل ومدن الواحات بالترخيص بإنجاز التجزئات السكنية وبناءالمرافق العمومية بنفس الطريقة التي تعتمد في مدن الساحل الشمالي أو الأطلسي.
 
من غير المقبول، بعد مرور 69 سنة على استقلال المغرب، أن يتم احتقار ذكاء المغاربة باعتماد كناش تحملات لإنجاز الطرق والقناطر بالمناطق الجبلية بنفس الكناش الذي تنجز به الطرق والقناطر في الواجهة الساحلية.
 
فمناخ الجبال وطبيعة التضاريس في أزيلال وشفشاون وصفرو وميدلت وبولمان وتاونات وإفران وخنيفرة وتنغير وتارودانت وغيرها من الأقاليم الجبلية، ليس هو مناخ الدارالبيضاء أو الجديدة أو سيدي قاسم أو العرائش أو برشيد..
ومناخ أسا الزاك وطاطا والسمارة وأوسرد وزاكورة وفكيك وغيرها من المناطق ذات المناخ القاسي، ليس هو مناخ سطات وسيدي بنور والخميسات والصخيرات والقنيطرة وبنسليمان..
 
هذه الأبجديات والبديهيات تفترض أن يكون المدبر العمومي أدرى بها وأكثر استيعابا، في شق الطرق وصيانتها وفي بناء المدرسة والمستشفى والمسجد والسوق والثكنة وقاعات الرياضة، إلخ... حتى إذا حل موسم البرد والثلوج أو موسم الحر، يكون التكييف والتسخين فعالا وتكون الكلفة رخيصة وذات مردودية عالية، بدل أن يعتمد الحل السهل و"يعوم" المغرب في نمطية واحدة من كنانيش التحملات المتشابهة في اعتماد بناء وصيانة المباني العمومية وإنجاز الطرق والقناطر التي تسري على كامل التراب الوطني، مما يؤدي إلى إهدار الموارد العمومية في رمشة عين من جهة، وفي حرمان ساكنة الجبال والمناطق القاحلة من الحد الأدنى من جودة الخدمات من جهة ثانية.
 
من المحمود أن المغرب انتبه مؤخرا إلى وجوب تمكين كل جهة من منصة استراتيجية للمخزون لمواجهة الطوارئ والكوارث.

ومن المحمود أن المغرب تبنى خلق لجن يقظة لمواجهة هذه الطوارئ في 28 عمالة وإقليم.
والأمل أن يقطع المغرب مع الارتجال والنمطية في إنجاز البنى التحتية، والحرص على استلهام التجارب المشرقة من الدول المعروفة بقساوة المناخ، ليقتطع تذكرة الولوج إلى نادي الأمم التي تحترف المواصفات العالمية في تمكين سكانها من المساواة في الانتفاع من جودة البنية التحتية.