عبد الإلاه القصير: غياب ثقافة الاستباق في المجتمعات المتخلفة.. محاولة نبش في فكر المهدي المنجرة

عبد الإلاه القصير: غياب ثقافة الاستباق في المجتمعات المتخلفة.. محاولة نبش في فكر المهدي المنجرة عبد الإلاه القصير
ملخص:
يهدف هذا المقال إلى تحليل إشكالية غياب ثقافة الاستباق في المجتمعات المتخلفة، من خلال قراءة نقدية في فكر المفكر المغربي المهدي المنجرة. ينطلق المقال من فرضية مفادها أن الأزمات في هذه المجتمعات ليست أحداثاً مفاجئة، بل نتائج بنيوية لغياب التفكير الاستشرافي، وتهميش المعرفة، وضعف الحكامة القائمة على ردّ الفعل بدل التخطيط. ويسعى المقال إلى إبراز كيف ربط المنجرة بين الاستباق والكرامة الإنسانية، وبين التخلف واحتقار الزمن المستقبلي.
 
الكلمات المفتاحية: الاستباق، الاستشراف، الأزمات، التخلف، المهدي المنجرة، الحكامة.
مقدمة:
أضحى تدبير الأزمات سمة مركزية في اشتغال العديد من الدول النامية، حيث تتكرر الكوارث الصحية والاقتصادية والاجتماعية دون أن تقابلها سياسات وقائية فعالة. وغالباً ما يتم التعامل مع هذه الأزمات باعتبارها طارئة أو استثنائية، في حين تكشف القراءة التحليلية أنها نتيجة تراكمات بنيوية واختلالات مزمنة. في هذا السياق، يكتسي فكر المهدي المنجرة أهمية خاصة، لكونه من أوائل المفكرين الذين جعلوا من غياب الاستشراف سبباً جوهرياً للتخلف، لا مجرد أحد مظاهره.
 
ينطلق هذا المقال من التساؤل المركزي الآتي:
كيف فسّر المهدي المنجرة عجز المجتمعات المتخلفة عن استباق الأزمات؟ وما العلاقة التي أقامها بين غياب الاستشراف، وتهميش المعرفة، وأزمة القيم؟
 
الاستباق بوصفه معياراً للتقدم عند المهدي المنجرة:
يؤسس المهدي المنجرة تحليله للتخلف على مفهوم الزمن، معتبراً أن الفارق الحقيقي بين المجتمعات المتقدمة والمتخلفة لا يكمن في الموارد الطبيعية أو البشرية فقط، بل في القدرة على التفكير في المستقبل. ففي كتابه الحرب الحضارية الأولى، يؤكد أن المجتمعات التي لا تشارك في صناعة المستقبل تُدفع قسراً إلى موقع الضحية، حيث يقول:
«المستقبل لا يُنتظر، بل يُصنع، ومن لا يشارك في صناعته يصبح ضحية له» (المنجرة، الحرب الحضارية الأولى).
من هذا المنظور، يصبح الاستباق فعلاً سياسياً ومعرفياً، يعكس قدرة المجتمع على التحكم في مصيره، بينما يُعد العيش في منطق ردّ الفعل مؤشراً على التبعية والعجز البنيوي.
 
الأزمات بين الوهم الطارئ والحقيقة البنيوية؛
يرفض المنجرة توصيف الأزمات في العالم المتخلف بوصفها مفاجئة أو غير متوقعة. فهو يرى أن المؤشرات تكون غالباً واضحة، غير أن صانع القرار يختار تجاهلها. وفي هذا الإطار، يشير في كتاب قيمة القيم إلى أن الإشكال لا يكمن في نقص المعطيات، بل في غياب احترام المعرفة، حيث يقول:
«المشكلة في عالمنا ليست في قلة المعلومات، بل في غياب احترام المعرفة» (المنجرة، قيمة القيم).
وعليه، فإن الأزمات ليست سوى نتائج منطقية لتهميش البحث العلمي، وإقصاء الخبراء، وإضعاف مؤسسات التخطيط الاستراتيجي، ما يجعل التدخل دائماً متأخراً ومكلفاً.
 
غياب الاستباق وأزمة الحكامة والمحاسبة:
يربط المهدي المنجرة بين غياب ثقافة الاستباق وغياب المحاسبة السياسية. فالتخطيط للمستقبل يقتضي وضوح الرؤية، وتحديد الأهداف، وربط المسؤولية بالنتائج، وهو ما يتعارض مع أنماط حكامة تقوم على الغموض والتبرير. وفي كتابه الإهانة في زمن العولمة، يبرز أن الأنظمة التي تُهين مواطنيها تعجز عن التخطيط لهم، قائلاً:
«حين تُهان كرامة الإنسان، يُلغى المستقبل، ويصبح الحاضر مجرد إدارة للبقاء» (المنجرة، الإهانة في زمن العولمة).
في هذا السياق، تتحول الأزمة إلى آلية لتبرير الفشل بدل أن تكون مناسبة للمساءلة، ويغدو التدبير الاستعجالي بديلاً دائماً عن السياسات الوقائية.
 
الاستباق كقضية قيم لا مجرد تقنية:
لا يتعامل المنجرة مع الاستباق باعتباره مسألة تقنية أو إدارية فحسب، بل يربطه بمنظومة القيم السائدة. ففي قيمة القيم، يؤكد أن التنمية الحقيقية لا يمكن أن تتحقق دون احترام الإنسان وإشراكه في القرار، معتبراً أن:
«لا تنمية بدون كرامة، ولا كرامة بدون مشاركة في القرار، ولا قرار بدون رؤية للمستقبل» (المنجرة، قيمة القيم).
وعليه، فإن غياب الاستباق يعكس أزمة عميقة في تصور الدولة لدور المواطن، حيث يُنظر إليه كموضوع للتدبير لا كفاعل في صياغة المستقبل.
 
خاتمة:
يُظهر تحليل فكر المهدي المنجرة أن غياب ثقافة الاستباق في المجتمعات المتخلفة ليس قدراً محتوماً، بل نتيجة خيارات سياسية ومعرفية وقيمية. فالأزمات التي تتكرر ليست سوى أعراض لمرض أعمق يتمثل في احتقار الزمن المستقبلي، وتهميش العقل النقدي، وإضعاف منظومة المحاسبة. ويخلص المقال إلى أن تجاوز منطق ردّ الفعل لا يمر فقط عبر إصلاح السياسات العمومية، بل عبر إعادة الاعتبار للمعرفة، وللقيم، وللإنسان بوصفه محور أي مشروع تنموي واستشرافي.
 
- المراجع
المهدي المنجرة/ الحرب الحضارية الأولى
المهدي المنجرة/ الإهانة في زمن العولمة
المهدي المنجرة/ قيمة القيم